الفقرة المذکورة من کلام الشیخ مغنیة جاءت ضمن بحث طویل حول تنجس الماء باتصاله بالنجاسة و تحت عنوان: "الماء القلیل بین النابع[1] و غیره" حیث قال (ره):
قدمنا أن النجاسة إذا لاقت الماء غیر النابع ینجس، و ان لم یتغیر، و إذا لاقت النابع لا ینجس إلا إذا تغیر، فإذا حصلت الملاقاة لقلیل من الماء، و شککنا هل هو نابع کی لا ینجس بمجرد الملاقاة، أو غیر نابع کی ینجس، فما ذا نصنع؟
فاجاب (ره): ان موضوع النجاسة مرکب من أمرین: أحدهما ملاقاة النجاسة للماء القلیل، و ثانیهما ان یکون الماء غیر نابع. و الأول، و هو ملاقاة النجاسة للقلیل ثابت بالوجدان. و الثانی، و هو عدم النبع نثبته بالاستصحاب. لأننا نعلم یقینا أنّه قبل وجود هذا الماء لم یکن هنا نبع، و بعده نشک، فنستصحب عدم وجوده، و متى تم الأمران: الملاقاة للقلیل، و عدم النبع، تحققت النجاسة.[2]
و من الواضح أنه یقصد بالوجدان فی العبارة المذکورة "الحسَ" یعنی اننا نشاهد بالحس و نلمس بالمشاهدة أن النجاسة قد لاقت الماء، و ان هذا الماء نشاهده قلیلا لا یصل الى مقدار الماء الکر أولا و ثانیا انه مع کونه نابعا الا انه راکد غیر جار. من هنا یثبت عندنا موضوع المسالة أی "الماء القلیل" و یتحقق بالوجدان.
و اما المراد من الاستصحاب الازلی فقد فسره الشیخ (ره) نفسه فی الفقرة ذاتها حیث قال: لأننا نعلم یقینا أنّه قبل وجود هذا الماء لم یکن هنا (فی هذه البقعة من الارض) نبع، و بعده (بعد أن شاهدنا الماء فیها) نشک هل هذا الماء الموجود له مادة کثیرة، نبع منها أو لا؟، فحینئذ نستصحب عدم وجودها (أی نستحصب الحالة الازلیة التی کان علیها قبل ذلک) و هذا ما یعبّر عنه باستصحاب العدم الازلی[3].
و یمکن تعریف العدم الازلی تعریفاً علمیاً بان یقال: أنّ کلّ شیء من الأشیاء عرفت له حالة عدمیّة أو وجودیّة یکون علیها لو خلّی و طبعه، فلا بدّ من الحکم بکونه علیها دائماً إلى أن تنقطع، فما لم یحصل القطع بانقطاعها فلا بدّ من الحکم بها.[4] و فی بحثنا ان الماء المشاهد مشکوک الاتصاف بصفة النابعیة و الاتصال بالمنبع، فلابد من إثبات الاتصال یقینا و ما لم یثبت ذلک حقیقة یکون الاصل الحاکم "اصالة العدم" هو الجاری، فیستصحب عدم الاتصال الازلی.
[1] الماء النابع غیر الجاری کالعیون الواقفة التی لها مادة و لأجلها لا تنقطع بنفسها بحر الشمس و عصف الریح و لا بالأخذ منه تدریجا، و حکمه حکم الجاری فلا ینجس بملاقاة النجس و إن لم یکن کرا ما لم یتغیر. (مشکینی، میرزا علی، مصطلحات الفقه، ص 460، قم).
[2] مغنیة، محمد جواد، فقه الإمام الصادق علیه السلام، ج1، ص: 13، مؤسسة انصاریان، 1421 ه ق، الطبعة الثانیة، قم- ایران.
[3] الجدیر بالذکر ان کلمة العلماء اختلفت فی استصحاب العدم الازلی، فمنهم من ذهب الى عدم جریانه کالشهید محمد باقر الصدر (ره) فی کتابه الاجتهاد و التقلید حیث قال: " إنّ تحقیق البحث یقتضی عدم جریان الاستصحاب فی العدم الأزلی" ( الاجتهاد و التقلید (للصدر)، ص: 142).
[4] الشیخ الانصاری، حاشیة الاستصحاب، ص 79، انتشارات باقری، قم، 1415هـ؛ و انظر: هاشمی شاهرودی، سید محمود، فرهنگ فقه مطابق مذهب اهل بیت (ع)، ج1، ص 522، موسسه دائرة المعارف الاسلامیة، قم، 1426ق.