ورد عن أمیر المؤمنین (ع) أنه قال ضمن قصار الحکم التی جمعها الآمدی فی غرر الحکم: " لَا یَتْرُکِ النَّاسُ شَیْئاً مِنْ دِینِهِمْ لِإِصْلَاحِ دُنْیَاهُمْ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْهُ"[1] و قد تعرض شراح کلماته و خطبه (ع) لبیان المراد منه الحکمة المذکورة و هی ان الحدیث یطلب من المؤمن ان یعیش حالة من التوازن بین الامور الدینیة و الدنیویة فلا یرجح امور الدنیا على الدین و لا یهمل الدنیا بالکامل تحت ذریعة التمسک بالدین، فان لکل واحدة منها مکانه الخاص الذی یجب على الانسان و ان یقوم بکل ذلک کما أراد الله تعالى، و الحکمة العلویة تشیر الى قضیة مهمة و هی أن اکثر الناس الا من رحم ربّی یرجحون الدنیا على الاخرة، و لمّا کانت مطالب الناس فی الدنیا إذا فتح باب الطلب لها غیر متناهیة لکون کلّ مطلوب یحصل معدّا لطلب الزیادة فیه و الاستکثار منه و تحصیل شرایطه و لوازمه و کان بعد الإنسان عن اللّه بقدر قربه من الدنیا و بعد أمله فیها کان کلّ أمر استصلحت به الدنیا لأنّها دنیا معدّا لفتح باب من أبواب طلبها و إصلاحها و هو أضرّ من الأوّل لکونه أشدّ ایغالا فیها و إبعادا عن اللّه.[2]
وقد اشار ابن ابن الحدید الى معنى الحدیث من خلال بیان المصداق فقال: مثال ذلک إنسان یضیع وقت صلاة الفریضة علیه- و هو مشتغل بمحاسبة وکیله و مخافته على ماله- خوفا أن یکون خانه فی شیء منه- فهو یحرص على مناقشته علیه فتفوته الصلاة- . قال ع- من فعل مثل هذا فتح الله علیه فی أمر دنیاه و ماله- ما هو أضر علیه مما رام أن یستدرکه بإهماله الفریضة".[3]
و قریب من ذلک ما روی عن الإمام الصادق (ع): " مَثَلُ الدُّنْیَا کَمَثَلِ مَاءِ الْبَحْرِ کُلَّمَا شَرِبَ مِنْهُ الْعَطْشَانُ ازْدَادَ عَطَشاً حَتَّى یَقْتُلَهُ".[4]
فعلى الانسان أن یعیش حالة التوازن و لا یفرط بجانب – خاصة الجانب الدینی- على جانب آخر، و هذا ما أکدت علیه الروایات ایضا: " لَیْسَ مِنَّا مَنْ تَرَکَ دُنْیَاهُ لآِخِرَتِهِ و لا آخِرَتَهُ لِدُنْیَاهُ".[5]