قال تعالى في كتابه الكريم: «أَوْفُوا بِعَهْدي أُوفِ بِعَهْدِكُم».[1] و من الطبيعي ان يقوم الانسان الطالب من الله قضاء حواجه بأداء ما عليه من تكاليف و تعهدات و نذور ليوفر الارضية المناسبة لاستجابة الدعاء و تقوية العلاقة مع الله تعالى، بل قد يعد إهماله لنذوره و تعهداته من التساهل الذي قد يؤدي أحياناً الى أعراض الباري تعالى عنه.
و مع ذلك كله لابد من الالتفات الى الأمور التالية:
1. من الممكن هنا أن الرحمة الالهية الواسعة تشمل هذا النوع من الناس، و يستجيب الله تعالى لعبده.
2. استجابة الدعاء مشروطة بأمور بعضها يقع القيام به على عاتق العبد نفسه و بعضها تعود الى تشخيص الباري تعالى، فقد لا يستجيب سبحانه حتى دعاء من وفى بتعهداته و نذوره و قام بأداء ما عليه من تكاليف.
3. حتى على فرض عدم الوفاء بالنذر و العهد فان عدم استجابة الدعاء لا تعني بالضرورة انها منطلقة من العقاب الالهي و أنها نتيجة لعدم وفاء العبد بنذره مثلا، بل يعود ذلك الى اسباب يعلمها الله تعالى وحده.
4. إن الله تعالى يطلب من عباده عدم القنوط و اليأس من رحمة الله تعالى كما في قوله تعالى: " وَ لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُون".[2] فعلى العبد الا يصاب بالقنوط و اليأس.
5. التوبة و الاستغفار هما المفتاح الذي تعاد به العلاقة بين العبد و بين الله تعالى، و " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابين"[3] و " أَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَنا".[4]
ثم إن التشريع الاسلامي قد وضع الحلول المناسبة للعهد و النذر فان كان النذر مثلا غير محدد بزمان معين فيمكن للعبد الاتيان به في أي وقت شاء، و ان كان محدداً و قد فات وقته فليس عليه الا كفارة عدم الوفاء بالنذر مع كونه متمكنا من أداء النذر حين حل وقته. و تلك الكفارة مذكورة في الكتب الفقهية، و هكذا نكث العهد قد حددت له كفارته الخاصة. و هذه معالجات جيدة لمثل هذه المخالفات. و ليست القضية بهذه الصورة التي نتوهمها بأن الله تعالى يفرح لزلات عباده، بل العكس صحيح فان الله تعالى يحب التوابين و كما روي عن الامام الباقر (ع): " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ وَ زَادَهُ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ فَوَجَدَهَا فَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ بِرَاحِلَتِهِ حِينَ وَجَدَهَ".[5]
فلنعد الى الله تعالى و سنجده أرحم الراحمين و نبتهل اليه بقولنا: "سُبْحَانَ الَّذِي سَبَقَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَه". و حينئذ نجده ابواب الرحمة مشرعة أمامنا.
[1] بقره، 40.
[2] يوسف،87.
[3] البقرة، 222.
[4] هود، 3.
[5] الشيخ الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي ج : 2 ص : 435،