لقد أفردت المصادر الروائیة فصلا مستقلا لمراتب و درجات الإیمان، ضمّ مجموعة من الروایات الواردة عن المعصومین (ع) التی تدور حول محور درجات الإیمان و المؤمنین. و نحن نشیر بدورنا فی هذا المختصر إلى عدة نماذج منها مع الاشارة الى عناوین بعض النصوص الحدیثیة لمن یرید التفصیل.
عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: "إن الله عزّ و جلّ وضع الإیمان على سبعة أسهم، على البرّ، و الصدق، و الیقین، و الرضا، و الوفاء، و العلم و الحلم. ثم قسّم ذلک بین الناس فمن جعل فیه هذه السبعة الأسهم فهو کامل محتمل. و قسم لبعض الناس السهم و لبعض السهمین و لبعض الثلاثة حتى انتهوا إلى السبعة. ثم قال: لا تحمّلوا على صاحب السهم سهمین و لا على صاحب السهمین ثلاثة فتبهضوهم. ثم قال: کذلک حتى ینتهی إلى السبعة".[1]
و مراد الإمام (ع) من هذا الکلام هو إن إستعداد الأشخاص و قابلیتهم مختلفة فی قبول الإیمان و الله سبحانه قد کلّف کلا من الناس على مقدار إستعدادهم، فحاسبوا الناس فی علومهم و أعمالهم و أخلاقهم الدینیة على قدر وسعهم و طاقتهم و إستعدادهم و إلا فالتحمیل فوق الطاقة یثقل کاهل الانسان و یتعبه و ینجر به الى الضلال.[2]
هذا نوع من التقسیم و یمکن أن یکون للإیمان مراتب و درجات أخرى باعتبار آخر و هذا ما یمکن استنباطه من القرآن الکریم حیث یقول " هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَ اللَّهُ بَصیرٌ بِما یَعْمَلُون"[3].
و هو إشارة إلى أنه لا یختلف المنافقون عن المجاهدین فقط، بل إن لکل فرد من أفراد هذین الطائفتین درجة خاصة تناسب مدى تضحیته و تفانیه فی سبیل الله أو مدى نفاقه و عدائه لله تعالى، و تبدأ هذه الدرجات من الصفر و تستمر إلى خارج حدود التصوّر.[4]
المؤمنون غیر متساوین فیما بینهم فمنهم من شابه المنافقین فی بعض جوانبه، و منهم من وصل القمة فی الإیمان، و هکذا المنافقون فهم متفاوتون فی درجاتهم، فلا یوزنون فی میزان واحد، بل یحاسب کل منهم حساباً خاصاً یناسبه، و هذا بسبب أن الإیمان أو النفاق تمرین عملی لا مجرد کلام، و التمرین یختلف باختلاف الأعمال الإیمانیة أو النفاقیة، و الله عالم بدرجات الفئتین و سیحاسبهم على قدر أعمالهم: "هم درجات عند الله والله بصیر بما یعملون".[5]
و فی تقسیم آخر یقول الرسول الأعظم (ص): "إن أعلى منازل الإیمان درجة واحدة من بلغ إلیها فقد فاز و ظفر و هو أن ینتهی بسریرته فی الصلاح إلى أن لا یبالی بها إذا ظهرت و لا یخاف عقابها إذا استترت".[6]
[1] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، المحقق و المصحح: الغفاری، علی أکبر، الآخوندی، محمد، ج 2، ص 42، دار الکتب الإسلامیة، طهران، الطبعة الرابعة، 1407 ق.
[2] نفس المصدر، ص 71.
[3] آل عمران، 163.
[4] راجع: مکارم الشیرازی، ناصر، تفسیر الأمثل، ج 2، ص 762 ـ 763، مدرسة الإمام علی بن أبی طالب، قم، 1421 ق.
[5] المترجمان، تفسیر الهدایة، ج 1، ص 643، مؤسسة التحقیق الإسلامی للعتبة الرضویة المقدسة، مشهد، الطبعة الأولى، 1377 ش.
[6] المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 68، ص 369، دار الإحیاء التراث العربی، بیروت، الطبعة الثانیة، 1403 ق.