تعد قضية العلاقة بين الجنسين من القضايا الحساسة التي تزيد من احتمال الوقوع في الخطأ و زلة القدم بنسبة كبيرة جداً، فان الغفلة عن المعايير الشرعية و الاخلاقية قد تؤدي بصاحبها الى الوقوع في الهاوية و الانحراف الشرعي و الاخلاقي الخطير، من هنا قررت الشريعة مجموعة من القوانين الاخلاقية و الشرعية التي يمكن من خلالها الحد من تلك العلاقة و من ثم الحد من عوامل الانحراف التي يقف على رأسها العلاقة بين الجنسين و خاصة الشباب منهم؛ و ذلك لان مثل هكذا علاقات توفر الارضية المناسبة لاقتراف الذنب و يزداد احتمال الزلل فيها، خاصة اذا كانت العلاقة تصاغ بطريقة مغرية و تسودها روح الحب و التوادد و.... من هنا توصي التعاليم الاسلامية الشباب بالاقتصار على الحد الادنى من العلاقة و الذي تتطلبه الضرورة كعلاقة الاستاذ بالطالبة او علاقة ربّ العمل او العامل بزميلته في العمل، شريطة ان تكون تلك العلاقة على ضعفها أمام الناس و لا تكون في أماكن خفية يختلي الشابان بمكان لا يشاهدان فيه.
إن الكثير من المفاسد الاخلاقية التي يتعرض لها الشباب ناتجة من هذا النوع من العلاقات، التي تبدو للوهلة الاولى بريئة و لم يشعر الشباب بخطورة الطريق الذي وضعوا قدمهم فيه و لم يكونوا يشعرون بأية عاطفة بعضهم اتجاه الآخر، الا انه رويداً رويداً تترسخ تلك العلاقة لتزيح العلاقات البريئة و تحل محلها الى الحد الذي لا يمكن التخلص منها. نعم، قد توجد حالات استثنائية يسيطر فيها الشباب على أحاسيسهم و مشاعرهم و يبقون العلاقة على ما هي عليه من براءة و نزاهة، و لكنها حالات استثنائية لا يمكن التعويل عليها للتقليل من خطر تلك العلاقات.
و نتساءل هنا: ما الضرورة التي تدعو ذلك الشاب لمواصلة العلاقة؟ و لماذا يشعر بالضيق و الأذى عند انقطاعها؟ و كيف حصلت ردة الفعل تلك اذا كانت العلاقة بريئة حقاً؟ ثم عدم الحديث هاتفياً بقضايا عن علاقة الحب و ما شابه ذلك لا يعني بالضرورة نفي تلك الصلة و تعلق أحدكما بالآخر. علما أن الذنوب الكبيرة عادة ما تنطلق من صغائر الذنوب التي لا يشعر الانسان بخطرها.
و لابد من التأكيد على قضية مهمة أخرى و هي أن علاقات ما قبل الزواج كلما كانت سالمة و طاهرة كان لها الأثر الفاعل في نجاح الحياة الزوجية في المستقبل. و من هنا نشد على يدك في قطع العلاقة و عدم الاستمرار فيها. فكلما احتاط الانسان في مثل هذه القضايا كانت النتيجة لصالحه في المستقبل. و من هنا نرى أمير المؤمنين (ع) يكره السلام على الشابة حذراً مما يحيط بالقضية من مردودات حيث يقول (ع): " أَتَخَوَّفُ أَنْ يُعْجِبَنِي صَوْتُهَا فَيَدْخُلَ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِمَّا أَطْلُبُ مِنَ الأَجْرِ".[1]
و تشير الروايات الى طريقة تعامل موسى (ع) مع إبنة شعيب عند ما جاءته تخطو بخطوات ملؤها الحياء و العفة و يظهر منها أنّها تستحي من الكلام مع شاب غريب، فإنّ البنت كانت تسير أمام موسى لتدله على الطريق، إلا أن الهواء كان يحرّك ثيابها و ربّما انكشف ثوبها عنها، و لكن موسى لما عنده من عفة و حياء طلب منها أن تمشي خلفه و أن يسير أمامها، فإذا ما وصلا إلى مفترق طرق تدله و تخبره من أي طريق يمضي إلى دار أبيها شعيب.[2] فاذا كان الاولياء الالهيون يحتاطون لانفسهم بهذه الشدة من الاحتياط فما بال غيرهم من الناس؟!
نعم، قد يبرر الانسان هذه العلاقة و يعطيها بعداً نزيها كالعلم و المعرفة و البراءة و ما شابه ذلك من التبريرات. لكن الحقيقة تحكي عن شيء آخر و لا يمكن الركون الى مثل هذه التبريرات عادة. فكلما اقترب الطرفان و ترسخت العلاقة بينهما بنحو أشد، كانت ثمرة ذلك ظهور الكثير من المشاكل و الانحرافات الاجتماعية التي يصعب السيطرة عليها في المستقبل. و بالنتيجة يضحي الطرفان بالثوابت الاخلاقية و الاجتماعية و الدينية فداءً لشهوات عابرة و لذة زائلة!.
لمزيد الاطلاع تراجع المواضيع التالية:
السؤال 1044 (الموقع: 1110) (الاسلام و العلاقة البریئة بین الجنسین).
السؤال 3184 (الموقع: 3430) (الصداقة بین الجنسین قبل الزواج).
السؤال 6086 (الموقع: 6278) (علاقات ما قبل الزواج).
[1] الکلیني، اصول الكافي، ج 2، ص 648، ح 1، باب التسليم على النساء.
[2] مكارم الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج12، ص: 211، مدرسة الامام علي بن أبي طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421هـ.