قضية التوبة لا تتوقف على العلم بما يترتب على المعاصي من عقاب أخروي، بل هناك الكثير من العوامل الصّادة عن التوبة من قبيل عدم الاكتراث بالوعيد، أو بسبب اتباع الهوى و الانجرار مع مغريات الدنيا و تسويلات النفس و...، و هذا ما يقع لكثير من الناس فمع علمهم بالقضية الا انهم لم يقدموا على التوبة و الاستغفار و الأوبة الى الله تعالى، و لقد أشار القرآن الكريم الى هذه القضية في الآية المباركة: " وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدين"[1]، و لم يخرج الشيطان عن هذه القاعدة فقد تمادى بغيّه تكبراً و عناداً لا جهلاً و غفلة عن العقاب الذي ينتظره. و لمّا كانت صفة الغرور و التكبر قد لازمت إبليس طوال حياته من هنا لم يتمكن من التخلّص منها و العودة الى الله تعالى و التوبة و الاستغفار، و لعّل في الرواية التي تقول أنه طلب التوبة في زمن نوح (ع) الا انه لمّا عرف ان توبته تقتضي السجود الى قبر أدم (ع)، عاد اليه غروره و تكبره و لم يقبل بالشرط، قال المجلسي: إِنَّ نُوحاً لمَّا ركب السَّفينةَ أَتاهُ إِبليسُ فقال لهُ نوحٌ: مَنْ أَنت؟ قال: أَنَا إِبْلِيسُ. قال: فما جاء بك؟ قال: جئتُ تسأَلُ لي ربَّكَ هل لي من توبةٍ؟! فَأَوْحى اللَّهُ إِليهِ أَنَّ توبتَهُ أَن يأْتي قبر آدم فيسجد لهُ! قال: أَمَّا أَنا لم أَسجد لهُ حيّاً أَسجدُ لهُ ميِّتاً!! قال: "فَاسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِين".[2]
فمشكلة إبليس إذن تمكن في عدم تمكنه من التخلص من عوامل العناد و التكبر و الجحود فمن هنا لم يتمكن من التوبة.
[1] النمل، 14.
[2] المجلسي، محمد باقر، بحار الانوار، ج 60، ص 281، ح 170، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 ه ق.