حث الاسلام على حفظ کرامة الانسان و خاصة الانسان المؤمن، فقد روی عن الامام الکاظم (ع) أنه: "أَنَّهُ وَقَفَ حِیَالَ الْکَعْبَةِ ثُمَّ قَالَ: ما أَعْظَمَ حَقَّکِ یَا کَعْبَةُ وَ اللَّهِ إِنَّ حَقَّ الْمُؤْمِنِ لأَعْظَمُ مِنْ حَقِّکِ"[1].
هذا من جهة، و من جهة أخرى أن الفحش و الاهانة من الصفات الذمیمة التی رفضها الاسلام بقوة، فقد روی عن النبی الاکرم (ص) أنه قال: "إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْجَنَّةَ عَلَى کُلِّ فَحَّاشٍ بَذِیٍّ قَلِیلِ الْحَیَاءِ لا یُبَالِی مَا قَالَ و لا مَا قیل لهُ، فَإِنَّکَ إِنْ فَتَّشْتَهُ لَمْ تَجِدْهُ إِلَّا لِغَیَّةٍ أَوْ شِرْکِ شَیْطَانٍ. قِیلَ: یا رَسُولَ اللَّهِ وَ فِی النَّاسِ شِرْکُ شَیْطَان؟! فقال (ص): أَ مَا تَقْرَأُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ (وَ شارِکْهُمْ فِی الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ) الْخَبَرَ"[2].
خاصة اذا اخذنا بنظر الاعتبار أن الکثیر من الاتهامات و الکلمات النابیة هی من کلمات کاذبة لا واقع لها و انها مجرد اتهامات و نسب باطلة.
و قد قال تعالى فی کتابه الکریم فی ذم فحش اللسان: "لا یُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ ".[3]
فی هذه الآیة إشارة إلى التکالیف الأخلاقیة الإسلامیة، و التی منها: تبیّن أنّ اللّه لا یحبّ التجاهر بالکلام البذیء، و لا یرضى بما یصدر من کلام عن عیوب الناس و فضائح أعمالهم، فتقول الآیة: لا یُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ ....
إن عدم الرضى من نشر فضائح أعمال الناس، نابع من حقیقة أنّ اللّه هو ستار العیوب، فلا یجب أن یقوم عباده بکشف سیئات الآخرین من أمثالهم أو الإساءة إلى سمعتهم، و ممّا لا یخفى على أحد هو أنّ لکل إنسان نقاط ضعف خفیة، و لو انکشفت هذه العیوب لساد المجتمع جو من سوء الظن بین أفراده، فیصعب عندئذ قیام التعاون بین هؤلاء الأفراد، لذلک منع الإسلام و حرّم التحدث عن نقائص أو فضائح أعمال الآخرین دون وجود هدف سلیم، لتبقى الأواصر الاجتماعیة قویة مستحکمة، و رعایة للجوانب الإنسانیة الأخرى فی هذا المجال.[4]
إلّا أنّ الآیة الکریمة لم تحرم القول بالسوء تحریما مطلقا، فقد استثنت حالة یمکن فیها أن یصار إلى الکشف و الفضح، و هذه الحالة هی إذا وقع الإنسان مظلوما حین قالت الآیة: إِلَّا مَنْ ظُلِمَ و بهذا الدلیل یستطیع المظلوم- فی مقام الدفاع عن نفسه- أن یکشف فضائح الظالم، سواء عن طریق الشکوى أو فضح مساوئ الظالم أو توجیه النقد له، أو استغابته، و لا یسکت على الظلم حتى استعادة حقوقه من الظالم.
و حقیقة هذا الاستثناء هی أنّ اللّه أراد به أن یسلب من الظالمین فرصة إساءة استغلال حکم المنع و التحریم، و لکی لا یکون هذا الحکم سببا فی سکوت المظلوم عن المطالبة بحقه من الظالمین.[5]
من هنا، لا یحق لأی انسان أن یسیء للآخرین لمجرد أدنى اختلاف او مشاجرة تقع بینه و بینهم، کما لا یجوز له اظهار معایبهم و إهانتهم أمام الملأ و على رؤوس الاشهاد، بل علیه السعی لإزالة عیوبهم من خلال الملاطفة و الرأفة و الرحمة و التحرّق من أجلهم، و تغییر سلوکیاتهم و یهدیهم الى الطریق القویم. و یتعزر هذا الامر أکثر فی اوساط الاقرباء و الأهل الذین یراد للانسان أن یعیش بین ظهرانیهم سنین طویلة؛ فعلینا أن نرقب سلوکیاتنا تجاه الآخرین و نتجنب الکلمات الجارحة لما لها من أنعکاس کبیر على روحیة الانسان، إذ من غیر السهل زوال اثره بسرعة، و کما یقول الشاعر:
جراحات السنان لها التیام و لا یلتام ما جرح اللسان
من هنا على الانسان المبادرة الى الاعتذار فیما لو صدرت منه مثل هکذا اساءة، و تطییب خاطر الطرف الآخر فی أسرع وقت ممکن.
هذا من جهة تکلیف المعتدی، و أما من جهة المعتدى علیه فینبغی له أن یتسامى و یکون بمستوى من سعة الصدر و العفو بحیث ینسى کل ما سمعه من کلمات نابیة و یطهر نفسه من الاحقاد و الغل و الضغینة تجاه من صدرت منهم تلک الکلمات، خاصة اذا کانوا من الارحام و من المقربین کوالدی امرأته و... حیث لهم حق کبیر فی عنقه. فعلیک نسیان هذه الاساءة و اعلم أن الله تعالى لا یضیع لک أجر هذا العفو.
لمزید الاطلاع انظر السؤال رقم 11503 (الرقم فی الموقع:11317) الاساءة لکرامة الناس.