کما تعلمون ان هذه القضیة یمکن النظر الیها من زوایا مختلفة، و یمکن دراستها من خلال نوع التحولات و التغیرات الجینیة التی تحصل عن طریق هذا العلاج؛ و ذلک:
1. هناک معالجات تحصل قبل ولادة الانسان و بعضها الآخر یحصل بعد الولادة.
2. بعض التغییرات لها بعد علاجی فقط شأنها شأن سائر العلاجات الاخرى. و فی المقابل هناک تغییرات قد یکون لها دور فی تغییر شخصیة الانسان سلبا أو ایجابا، أو قد تنجر فی نهایة المطاف الى ابادة بعض العناصر و الاقوام البشریة و انتشار عناصر و اقوام اخرى محلها، کذلک قد یؤدی ذلک الى تساوی الملکات و الاستعدادات البشریة لدى الجمیع و.... الامر الذی یؤدی الى الاختلال فی التوازن على الکرة الارضیة.
3. قد یحصل التغییر الجینی برضا من الانسان و تارة اخرى یحصل من دون رضاه.
و.....
على هذا الاساس لا یمکن ان نضع وصفة للجمیع بنحو کلی و نؤید کل تلک التغییرات مهما کانت او نرفضها بالکامل و نقول بانها مخالفة لاصول الاسلام مطلقا. بل لابد من النظر الى کل واحدة من تلک الامور على حدة. فعلى سبیل المثال لا یرفض الاسلام العلاج الجینی الواقعی، فهل یرفض الاسلام العلاج الجینی الذی یتمکن من القضاء على الخلایا السرطانیة فی البدن؟!!
کلا، و ذلک لان المصادر الاسلامیة اکدت على توفیر هذه المعالجات و دعم العلوم المساعدة فی هذا المجال؛ فقد روی عن الامام الصادق (ع) انه قال: "أَنْزَلَ اللَّهُ الدَّوَاءَ وَ أَنْزَلَ الشِّفَاءَ وَ مَا خَلَقَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا وَ جَعَلَ لَهُ دَوَاء".[1]
و من الطبیعة لابد ان یبحث الانسان عن الدواء سواء عن طریق العلاج الجینی او غیره.
اما الاستعمالات الاخرى فلابد من النظر الیها بحذر و دقة متناهیة و معرفة جزئیات القضیة ثم عرض القضیة على الاسلام لاخذ رأیه النهائی فیها. فعلى سبیل المثال هل یحق لنا عن طریق العلاج الجینی مثلا تغییر بشرة الاطفال السود و ابدال بشرتهم بالبشرة البیضاء؟ و هل یعد ذلک من مصادیق العلاج الجینی او لا؟ و هل مثل هذه التغییرات لو حصلت تتنافى مع السنة الالهیة فی الارض الذی اشارت الیه الایة 13 من سورة الحجرات: " یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَ أُنْثى وَ جَعَلْناکُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا"؟
کل هذه الامور و المحتملات فی عالم الجینات خلقت حالة من القلق و الحذر فی اوساط العلماء و الباحثین، و لا ینحصر هذا القلق و الحذر فی الاوساط الاسلامیة فقط، بل القضیة مثارة فی نفس العالم الغربی ایضا حیث هناک الکثیر من الابحاث التی تشیر الى تلک المخاطر و المحاذیر.
اضف الى ذلک ان هذا العلم یعد من العلوم الحدیثة التی لم یتسع البحث و التحقیق فیها فی الوسط الاسلامی بالرغم من وجود بعض المؤتمرات و المقالات و الابحاث، فلم تبحث القضیة کسائر الابحاث المعروف فی خزانة الابحاث الفقهیة، بل تعد هذه القضیة من المسائل المستحدثة التی ینبغی النظر الیها من خلال القواعد و الاصول العامة، و لا یمکن البت فی القضیة الا بعد ان ندرس القضیة خارجا من جمیع الابعاد و الزوایا و نحقق الموضوع کما یقولون لتحصل لنا صورة تامة عنها ثم بعد ذلک الاخذ فی بیان الموقف الفقهی منها.
انطلاقا من ذلک کله، لو اردتم الحصول على الموقف الاسلامی من قضیة العلاج و التغییرات الجینیة، لابد اولا من بحث الموضوع بدقة و دراسة جمیع زوایاه کموضوع علمی و طبی ثم عرض النتائج و التفصیلات على الفقه الاسلامی لاخذ الرأی و الموقف من کل فرضیة على حدة؛ و الا فمن غیر الصحیح ان نعطی حکما کلیا و عاما لکل الحالات.