یجب أولاً تبیین معنی کلمات الواجب و المستحب و الاحتیاط حتی یتضح معنی الاحتیاط الواجب و الاحتیاط المستحب.
الواجب: یطلق مصطلح الواجب على الفعل الذی یجب فعله و لایرضى المولى بترکه.
المستحب: یطلق مصطلح المستحب على الفعل الذی یحث الشارع على فعل من دون الزام بالفعل حیث یجوز للمکلف ترکه.
الاحتیاط: تارة یُقال أنه یجب علی الملکّف إما تقلید الأعلم أو الاحتیاط، و المراد من هذا الاحتیاط هو، رعایة کل الاحتمالات الفقهیة بحیث یطمئن المکلّف معها من أداء ما علیه من واجب. [1]
لکن إذا کتب المجتهد فی رسالته: الأحوط کذا. فحینئذ یقصدأن وجوب هذا العمل أو ترکه من باب الاحتیاط، [2] و تارة یصرح بأن استحباب القیام بفعل أو ترکه من باب الاحتیاط. فالاحتیاط الأول (الصیغة الاولی) احتیاط واجب، و الثانی احتیاط مستحب.
بعد هذه التوضیحات نقول:
إذا لم یکن لمرجع التقلید فی مسألة ما فتوی أی (رأی فقهی صریح) –لسبب أو لآخر- و أفتی بالاحتیاط، فهذا الاحتیاط یکون واجباً، فالمکلّف عندئذٍ لا یُمکنه ترک العمل بهذا الاحتیاط (بعلة إنها احتیاط) بل یجب علیه، أما العمل بهذا الاحتیاط أو أن یرجع فی هذه المسألة لمرجع تقلید آخر (مع رعایة الأعلم فالأعلم)[3] عنده فتوی صریحه فی هذه المسألة و یعمل علی رأیه.
أما إذا بیّن مرجع التقلید فتواه فی مسألة ما أولاً ثم احتاط فیها، یکون الاحتیاط هنا مستحباً، و عندها یجوز ترک العمل الاحتیاطی و إن کان العمل به مستحباً. لذلک ففی الاحتیاط الواجب یکون المکلّف مخیّرا بین العمل بالاحتیاط و فقا لمرجعه أو الرجوع الی رأی مرجع آخر، أما فی الاحتیاط المستحب یکون المقلّد مخیّراً بین العمل بهذا الاحتیاط أو العمل بفتوی مرجعه السابقة أو اللاحقة لهذا الاحتیاط. [4]
و للتمییر بین الاحتیاط الواجب و المستحب نشیر الى الضابطة التی ذکرها الامام الخمینی (قدس) فی هذا المجال حیث قال:
الاحتیاط المطلق فی مقام الفتوى من غیر سبق فتوى على خلافه أو لحوقها کذلک لا یجوز ترکه، بل یجب إما العمل بالاحتیاط أو الرجوع إلى الغیر الأعلم فالأعلم[5]، و أما إذا کان الاحتیاط فی الرسائل العملیة مسبوقا بالفتوى على خلافه کما لو قال بعد الفتوى فی المسألة: و إن کان الأحوط کذا، أو ملحوقا بالفتوى على خلافه کأن یقول: الأحوط کذا و إن کان الحکم کذا أو و إن کان الأقوى کذا، أو کان مقرونا بما یظهر منه الاستحباب کأن یقول: الأولى و الأحوط کذا جاز فی الموارد الثلاثة ترک الاحتیاط.[6]
أما الأقوی و الأقرب، فهما بحکم الفتوی و المقلد لا یحق له الرجوع للمجتهد الآخر، بل یجب علیه العمل برأی مجتهده. [7]
[1] توضیح المسائل المحشی للإمام الخمینی، ج1، ص27، م3.
[2] توضیح المسائل المحشی للإمام الخمینی، ج1، ص34، م48.
[3] هذه کلمتان من إسم التفضیل من مادة –علم-، و أکثر استعمال هذا الاصطلاح فی المورد الذی یفتی فیه مرجع التقلید بالاحتیاط الواجب فی مسألة ما، و المراد منه ان المقلّد یُمکنه الرجوع الی فتوی مجتهد آخر –علمه أقل من علم مرجعه و أکثر من علم باقی المراجع- و العمل بها، و إذا کان المرجع الثانی أیضاً یفتی بالاحتیاط الواجب فی نفس المسألة، یُمکنه الرجوع الی الثالث الذی أیضاً –علمه أقل من علم المرجع الثانی و أکثر من باقی المراجع- و هکذا.
[4] مقتبس من جواب السؤال رقم 527 (الموقع: 5730).
[5] هذا هو الاحتیاط الواجب.
[6] تحریر الوسیلة، ج1، ص: 11، المسالة 34.
[7] التبریزی، الشیخ جواد، صراط النجاة، ج5، ص365؛ العاملی، یاسین عیسی، الاصطلاحات الفقهیة فی الرسائل العملیة، ص156.