یعد حدیث عنوان البصری منهجا عملیا قیما للسائرین على هدى الائمة (ع) رواه العلامة المجلسی (ره) فی بحار الانوار عن خطِّ الشیخ الْبَهَائِیِّ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ، و الحدیث یشتمل على مجموعة من الوصایا و الارشادات التی وجهها الامام الصادق (ع) الى عنوان البصری لما طلب الاخیر منه ذلک.
الجواب التفصیلی:
یعد حدیث عنوان البصری[1] منهجا عملیا قیما للسائرین على هدى الائمة (ع) فمن خلال درک المفاهیم الراقیة التی یشتمل علیها الحدیث و العمل بها تتطهر النفس من هواها و تخلص من الادران و تحصل على العلم و المعرفة الحقیقیة. و هذا الوصایا و الدساتیر تکشف عن قصة رجل حصل على علوم زمانه و لکنه کان یرغب فی نیل بعض علوم الائمة (ع) الا انه واجه حقیقة مفادها ان العلوم الحقیقة لا تحصل عن طریق التعلم، بل العلم نور یقذفه الله فی قلب الانسان، و لابد من البحث عن سرّ الحصول على هذا النوع من العلم فی العبودیة.
و الحدیث کما رواه العلامة المجلسی (ره) بالنحو التالی:
وجدتُ بخطِّ شیخِنَا الْبَهَائِیِّ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ مَا هَذَا لَفْظُهُ، قَال الشَّیْخُ شَمْسُ الدِّینِ مُحَمَّدُ بْنُ مَکِّیٍّ: نَقَلْتُ مِنْ خَطِّ الشَّیْخِ أَحْمَدَ الْفَرَاهَانِیِّ رَحِمَهُ اللَّهُ عن عنوان البصری - و کان شیخا کبیرا قد أتى علیه أربع و تسعون سنة- قال: کنت أختلف إلى مالک بن أنس سنین فلما حضر جعفر الصادق (ع) المدینة اختلفت إلیه و أحببت أن آخذ عنه کما أخذت من مالک، فقال لی یوما: إنی رجل مطلوب و مع ذلک لی أوراد فی کل ساعة من آناء اللیل و النهار فلا تشغلنی عن وردی فخذ عن مالک و اختلف إلیه کما کنت تختلف إلیه فاغتممت من ذلک و خرجت من عنده و قلت فی نفسی: لو تفرس فیّ خیراً لما زجرنی عن الاختلاف إلیه و الأخذ عنه فدخلت مسجد الرسول و سلمت علیه ثم رجعت من الغد إلى الروضة و صلیت فیها رکعتین و قلت: أسألک یا الله یا الله أن تعطف علیّ قلب جعفر و ترزقنی من علمه ما أهتدی به إلى صراطک المستقیم و رجعت إلى داری مغتما حزینا و لم أختلف إلى مالک بن أنس لما أشرب قلبی من حب جعفر، فما خرجت من داری إلا إلى الصلاة المکتوبة حتى عیل صبری فلما ضاق صدری تنعلت و تردیت و قصدت جعفرا و کان بعد ما صلیت العصر فلما حضرت باب داره استأذنت علیه فخرج خادم له فقال: ما حاجتک؟! فقلت: السلام على الشریف. فقال: هو قائم فی مصلاه فجلست بحذاء بابه فما لبثت إلا یسیرا إذ خرج خادم له قال: ادخل على برکة الله. فدخلت و سلمت علیه فرد علیّ السلام و قال: اجلس غفر الله لک. فجلست فأطرق ملیا ثم رفع رأسه و قال: أبو من؟ قلت: أبو عبد الله. قال: ثبت الله کنیتک و وفقک لمرضاته. قلت فی نفسی: لو لم یکن لی من زیارته و التسلیم علیه غیر هذا الدعاء لکان کثیرا ثم أطرق ملیا ثم رفع رأسه فقال: یا أبا عبد الله ما حاجتک؟ قلت: سألت الله أن یعطف قلبک علیّ و یرزقنی من علمک و أرجو أن الله تعالى أجابنی فی الشریف ما سألته، فقال: یا أبا عبد الله لیس العلم بالتعلم إنما هو نور یقع فی قلب من یرید الله تبارک و تعالى أن یبدیه فإن أردت العلم فاطلب أولا من نفسک حقیقة العبودیة و اطلب العلم باستعماله و استفهم الله یفهمک. قلت: یا شریف! فقال: قل یا أبا عبد الله. قلت: یا أبا عبد الله ما حقیقة العبودیة؟ قال: ثلاثة أشیاء أن لا یرى العبد لنفسه فیما خوله الله إلیه ملکا لأن العبید لا یکون لهم ملک یرون المال مال الله یضعونه حیث أمرهم الله تعالى به و لا یدبر العبد لنفسه تدبیرا و جملة اشتغاله فیما أمره الله تعالى به و نهاه عنه، فإذا لم یر العبد لنفسه فیما خوله الله تعالى ملکا هان علیه الإنفاق فیما أمره الله تعالى أن ینفق فیه و إذا فوض العبد تدبیر نفسه على مدبره هان علیه مصائب الدنیا و إذا اشتغل العبد بما أمره الله تعالى و نهاه لا یتفرغ منهما إلى المراء و المباهاة مع الناس. فإذا أکرم الله العبد بهذه الثلاث هان علیه الدنیا و إبلیس و الخلق و لا یطلب الدنیا تکاثرا و تفاخرا و لا یطلب عند الناس عزا و علوا و لا یدع أیامه باطلا فهذا أول درجة المتقین قال الله تعالى: "تِلْکَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِینَ لا یُرِیدُونَ عُلُوًّا فِی الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ"[2] قلت: یا أبا عبد الله أوصنی؟ فقال: أوصیک بتسعة أشیاء فإنها وصیتی لمریدی الطریق إلى الله عز و جل و الله أسأل أن یوفقک لاستعماله؛ ثلاثة منها فی ریاضة النفس، و ثلاثة منها فی الحلم، و ثلاثة منها فی العلم، فاحفظها و إیاک و التهاون بها. قال عنوان: ففرغت قلبی له فقال: أما اللواتی فی الریاضة فإیاک أن تأکل ما لا تشتهیه فإنه یورث الحماقة و البله و لا تأکل إلا عند الجوع و إذا أکلت فکل حلالا و سم الله و اذکر حدیث الرسول ما ملأ آدمی وعاء شرا من بطنه فإن کان لا بد فثلث لطعامه و ثلث لشرابه و ثلث لنفسه. و أما اللواتی فی الحلم: فمن قال لک: إن قلت واحدة سمعت عشرا. فقل: إن قلت عشرا لم تسمع واحدة؛ و من شتمک فقل: إن کنت صادقا فیما تقول فالله أسأل أن یغفرها لی و إن کنت کاذبا فیما تقول فالله أسأل أن یغفرها لک، و من وعدک بالجفاء فعده بالنصیحة و الدعاء. و أما اللواتی فی العلم: فاسأل العلماء ما جهلت و إیاک أن تسألهم تعنتا و تجربة، و إیاک أن تعمل برأیک شیئا و خذ بالاحتیاط فی جمیع ما تجد إلیه سبیلا و اهرب من الفتیا هربک من الأسد و لا تجعل رقبتک للناس جسرا. قم عنی یا أبا عبد الله فقد نصحت لک و لا تفسد علیّ وردی فإنی امرئ ضنین بنفسی و السلام.