حدد القرآن الکریم عقوبة للمحارب فی قوله تعالى: {إنَّمَا جَزَاء الَّذِینَ یُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَیَسْعَوْنَ فِی الأَرْضِ فَسَاداً أَن یُقَتَّلُواْ أَوْ یُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَیْدِیهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ یُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِکَ لَهُمْ خِزْیٌ فِی الدُّنْیَا وَلَهُمْ فِی الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِیمٌ}.
و المراد بالمحاربة و الإفساد على ما هو الظاهر هو الإخلال بالأمن العام، و الأمن العام إنما یختل بإیجاد الخوف العام و حلوله محله، و لا یکون بحسب الطبع و العادة إلا باستعمال السلاح المهدد بالقتل طبعا و لهذا ورد فیما ورد من السنة تفسیر الفساد فی الأرض بشهر السیف و نحوه. لا شهر السلاح بوجه شخص واحد مثلا.
فحکم المحارب حکم قرآنی لا یمکن المناقشة فیه؛ یعنی أن الحکم الاولی بحق المحارب ثابت قرآنیاً، لکن قد ترى الحکومة الاسلامیة لاسباب و ظروف خاصة إقامة الحکم بطریقة أخرى، او تأجیل التنفیذ و تأخیره لاسباب ما. و هذا ما یعبر عنه بالحکم الثانوی. فالحکم الاولی الوارد فی الآیة المبارکة ثابت و اما الحکم الثانوی فتابع لتشخیص الحاکم الشرعی و یتبع الزمان و المکان، و لا یعنی ذلک بحال من الاحوال إنکار الحکم الاولی او التطاول علیه قطعاً.
فی البدء لا بد من تسلیط الاضواء على أنواع الاحکام الإلهیة، ثم التعریج على السؤال المطروح:
تتشکل الدساتیر الالهیة من قسمین: قسم العناصر الثابتة و العناصر المتغیرة. و الاحکام الثابتة و المطلقة هی الاحکام الشاملة لجمیع الاعصار و الازمان، و هی ناظرة الى هویة الانسان الثابتة و غیر المتغیرة دائماً. أما الدساتیر و الارشادات المتغیرة فناظرة الى البعد المتغیر فی شخصیة الانسان، و نعنی بالمتغیر تلک الطائفة من الدساتیر و الاحکام التابعة للشروط و الظروف الاجتماعیة أو السیاسیة أو الثقافیة. و بعبارة أخرى: الاحکام التابعة للزمان و المکان.[1]
و هناک أحکام یقع تنفیذها على کاهل الافراد مع توفر الشروط المذکورة فی المصنفات الفقهیة کالصلاة و الصوم و الحج و...، و هناک أحکام تقع على کاهل الحکومة کإقامة الحدود و التعزیرات و جبایة الخراج و....
و نحن اذا رجعنا الى القرآن الکریم نجده یحدد عقوبة للمحارب فی قوله تعالى: {إنَّمَا جَزَاء الَّذِینَ یُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَیَسْعَوْنَ فِی الأَرْضِ فَسَاداً أَن یُقَتَّلُواْ أَوْ یُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَیْدِیهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ یُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِکَ لَهُمْ خِزْیٌ فِی الدُّنْیَا وَلَهُمْ فِی الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِیمٌ}[2]
و هنا لابد من التعرض لبعض النکات الضروریة:
1. المراد بالمحاربة و الإفساد على ما هو الظاهر هو الإخلال بالأمن العام، و الأمن العام إنما یختل بإیجاد الخوف العام و حلوله محله، و لا یکون بحسب الطبع و العادة إلا باستعمال السلاح المهدد بالقتل طبعا و لهذا ورد فیما ورد من السنة تفسیر الفساد فی الأرض بشهر السیف و نحوه.[3] فاذا قام شخص او جماعة بتهدید المجتمع و أوجد رعباً جماعیاً و کان خطراً على الجمیع من خلال شهر السلاح بوجوههم تهدیداً أو سلباً و.. فیجب التصدی له و اعادة الامن الاجتماعی الى نصابه و یعد المتصف به من مصادیق قوله تعالى " الَّذِینَ یُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَیَسْعَوْنَ فِی الأَرْضِ".
2. أما الحکم الشرعی، فقد اختلف فی حدّه فقیل على التخییر لظاهر الآیة إذ المجاز و الإضمار على خلاف الأصل فیتخیّر الامام بین الأقسام الأربعة على أیّ فعل صدر منه من قتل أو أخذ مال أو جرح أو إخافة، فعلى هذا یصلب حیّا قطعا. و قیل: بالترتیب و التفصیل و هو أقسام الأوّل: یقتل إن قتل خاصّة، فلو عفى الولی قتل حدّا و لا معه قصاصا؛ الثانی: إن أخذ المال و قتل، استرجع المال، و قطع مخالفا ثمّ قتل و صلب؛ الثالث: إن أخذ المال خاصّة قطع مخالفا و نفی؛ الرابع: إن جرح و لم یأخذ شیئا اقتصّ منه و نفی؛ الخامس: إن أشهر السلاح و أخاف خاصّة نفی لا غیر.[4] و هناک روایات کثیرة حول هذا الموضوع[5] و قد توسع الفقهاء فی بیانها و شرحها لایسع المجال للتعرض لجمیع ما جاء عنهم هنا.
و الحاصل: إن المحارب من یسلب الامن الاجتماعی، و لاریب أن مثل هؤلاء بمنزلة الوباء الذی یعم البلد، فلا بد من قعلة و استئصاله من الوجود، و ان الحکم الصادر بحقهم یمثل الضمانة الکبرى للمجتمع للتخلص من هذه النماذج الخطیرة و فی الوقت نفسه یکون رادعاً لکل من تسول له نفسه فی التعرض لأمن المجتمع و استقرار المواطنین. فحکم المحارب حکم قرآنی لا یمکن المناقشة فیه؛ یعنی أن الحکم الاولی بحق المحارب ثابت قرآنیاً، لکن قد ترى الحکومة الاسلامیة لاسباب و ظروف خاصة إقامة الحکم بطریقة أخرى، او تأجیل التنفیذ و تأخیره لاسباب ما. و هذا ما یعبر عنه بالحکم الثانوی. فالحکم الاولی الوارد فی الآیة المبارکة ثابت و اما الحکم الثانوی فهو ما یشخصه الحاکم الشرعی و یتبع الزمان و المکان، فقد یرى الحاکم الشرعی الضرورة و المصلحة فی التأجیل مثلا، و لا یعنی ذلک بحال من الاحوال انکار الحکم الاولی أو التطاول علیه قطعاً.
[1] اقتباس من السؤال؛ 3428 (الرقم فی الموقع: 4115).
[2] المائدة، 33.
[3] الطباطبائی، سید محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج 5، ص 327، منشورات جماعة مدرسی الحوزة العلمیة، قم، الطبعة الخامسة، 1417 ق.
[4] لمزید الاطلاع انظر: : الفاضل المقداد جمال الدین مقداد بن عبدالله، کنزالعرفان فی فقه القرآن، ج 2، ص 352، المجمع العالمی للتقریب بین المذاهب الاسلامیة، الطبعة الاولی، 1419ق.
[5] انظر: العروسی الحویزی، عبد العلی بن جمعة، تفسیر نور الثقلین، ج1، ص 621- 624، اسماعیلیان، قم، الطبعة الرابعة، 1415 ق.