فان قلتم: نعم. قلنا: ان هذا کذب واضح.
و ان قلتم: انه لم یسجد على التربة الحسینیة. قلنا لکم: هل انتم اعلم و اهدى من النبی الاکرم (ص)؟ و لابد من الالتفات الى ان روایاتهم تقول: ان جبرئیل جاء الى النبی(ص) بقبضة من تراب کربلاء؟
یذهب فقهاء الشیعة الى وجوب السجود على الارض أو ما یخرج منها غیر المأکول و الملبوس. و لقد کان النبی الاکرم (ص) یسجد على الارض أو باقی مکوناتها من قبیل التراب، الرمل، الحصى، النبات(غیر الماکول) و... و لم یکن یسجد على الملبوس أو المفروش و کذلک لم یکن یسجد على الجلود و النایلون و...
و اما التربة الحسینیة التی تقول الشیعة بافضلیة السجود علیها فهی احدى مصادیق التراب؛ و لایوجد فقیه شیعی یقول بوجوب السجود على تربة کربلاء، بل الملکف مخیر بینها و بین غیرها من الامور التی یجوز السجود علیها، و ان کانت هی الافضل. هذا اولا. ثانیا: ان ارض کربلاء اکتسبت هذه المنزلة لما سکب علیها من دماء زاکیة لخیرة عباد الله، و قد استطاعت هذه الدماء حفظ الرسالة الاسلامیة و البقاء على شجرة الاسلام الخالدة حیة نضرة؛ فمن هنا کان السجود علیها مستحب عندنا نحن معاشر الامامیة و افضل من غیرها من التراب؛ بل ان المصادر السنیة هی الاخرى روت ان جبرئیل جاء الى النبی الاکرم(ص) بقبضة من تراب هذه الارض الزاکیة.
السجود فی اللغة بمعنى التذلل و الخشوع[1]. و فی الاصطلاح الفقهی تعنی: وضع الجبهة على الارض.[2] و قد ورد فی الروایات ان السجود هو افضل حالات الانسان، فقد روی عن النبی الاکرم(ص) انه قال:" یَا أَبَا ذَرٍّ مَا یَتَقَرَّبُ الْعَبْدُ إِلَى اللَّهِ بِشَیْءٍ أَفْضَلَ مِنَ السُّجُودِ الْخَفِی"[3]
و قد روت عائشة عن النبی الاکرم انه قال " جعلت لی الارض مسجدا و طهورا".[4]
و طبقا لهذا الحدیث و غیره من الاحادیث افتى جمیع فقهاء المسلمین بصحة السجود على وجه الارض سواء کانت هذه الارض هی ارض المدینة أم مکة أم العراق أم کربلاء، او ای بقعة من بقاع الارض.
اضف الى ذلک لم تکن المساجد فی صدر الاسلام مفروشة بالسجاد او غیره من انواع الفراش، و کان المسلمون یسجدون على ارض المسجد من التراب و الحصى و غیره، و لم یمنع النبی الاکرم (ص) المسلمین عن هذا العمل بل کان یحثهم علیهم و یمنعهم من السجود على القماش او اللباس او العمامة.[5]
اتضح من خلال ذلک ان سنة النبی القطعیة کانت قائمة على السجود على التراب و الحصى و الرمال و الحصیر، و لا یوجد مسلم من المسلمین ینکر السجود على التراب بل القضیة مجمع علیها بین ابناء المذاهب الاسلامیة.
اما بالنسبة الى ارض کربلاء، فان الشیعة تعتقد انه یستحب السجود على ترابها؛ لانه قد اریق علیها اطهر دم لابن رسول الله و سید شباب اهل الجنة الحسین بن علی( علیهما السلام) من اجل حفظ الدین و صیانة الشریعة، وقد استشهد هو و اصحابه و اهل بیته فی سبیل تحقیق هذا الهدف المقدس.و ان اول من سجد علیها هو الامام الرابع من ائمة الشیعة علی بن الحسین المعروف بالسجاد(ع) ثم تبعهم بعد ذلک شیعة اهل البیت(ع) باعتباره الامام المعصوم و قالوا باستحباب السجود علیها[6]. و بالطبع ان هذا کان بعد شهادة الامام الحسین (ع). و لکن هذا لایعنی ان نقول بما ان النبی الاکرم (ص) لم یسجد علیها فنحن یجب ان نمتنع من السجود علیها، و لا نقول بافضلیة السجود علیها.
ألیس ارض کربلاء من جنس الارض و ترابها من جنس التراب؟!! اذ اطلاقات الادلة تشمله ایضا و یصح السجود علیه کسائر التراب؛ اضف الى ذلک ان المصادر الشیعیة و السنیة نقلت ما یدل على اهمیة هذه الارض و مدى قداستها و محبوبیتها عند الله تعالى.
فقد روى الفریقان ان جبرائیل جاء إلی النبی(ص) بقبضة من تراب کربلاء.
فعن أم سلمة رضی الله تعالى عنها ، قالت : قال لی رسول الله (ص): " اجلسی بالباب ، و لا یلجن علی أحد " ، فقمت بالباب ، إذ جاء الحسین رضی الله تعالى عنه ، فذهبت أتناوله ، فسبقنی الغلام ، فدخل على جده ، فقلت : یا نبی الله ، جعلنی الله فداک ، أمرتنی أن لا یلج علیک أحد ، و إن ابنک جاء ، فذهبت أتناوله فسبقنی ، فلما طال ذلک تطلعت من الباب ، فوجدتک تقلب بکفیک شیئا و دموعک تسیل ، و الصبی على بطنک ، قال : " نعم ، أتانی جبریل ، فأخبرنی أن أمتی یقتلونه، و أتانی بالتربة التی یقتل علیها ، فهی التی أقلب بکفی"[7] و قد نقلت الروایة باختلاف یسیر فی المصادر السنیة الاخرى.[8]
ثم ان الشیعة ایضا نقلت تلک الروایة فقد روی عن الامام الباقر(ع) انه قال: انَّ جَبْرَئِیلَ جَاءَ إِلَى النَّبِیِّ (ص) بِالتُّرْبَةِ الَّتِی یُقْتَلُ عَلَیْهَا الْحُسَیْنُ (ع).[9]
اتضح من خلال ذلک ان لارض کربلاء منزلة خاصة عند الشیعة و السنة على السواء؛ و لاشک ان السجود علیها افضل من السجود على غیرها من التراب. هذا اولا.
و ثانیا: یظهر من متن السؤال: أن عدم سجود النبی علیها یکشف عن کون العمل غیر صحیح!!.
ان هذا الادعاء غیر صحیح قطعا و لم یقل به فقیه من السنة و الشیعة قطعا، لان التشریع لم ینحصر فی فعل الرسول(ص) بل التشریع تارة یکون من خلال الفعل و اخرى من خلال القول و ثالثا من خلال تقریره لعمل الغیر.
و نحن عندما نرجع الى مسالة السجود نراها صریحة فی کون السجود على التراب حیث قال النبی فی موارد کثیرة" جعلت لی الارض مسجدا و طهورا"، و من الواضح ان الادلة لم تستثن تربة کربلاء.
ثالثا: حتى لو فرضنا ان الشیعة لایملکون دلیلا على کون النبی کان یسجد على تربة کربلاء فهل هذا یدل على انه لم یسجد کما هو ظاهر من متن السؤال؟!! فالقاعدة تقول "عدم الوجدان لایدل على عدم الوجود" وهنا نسالکم ما هو دلیکم القاطع على النفی؟ فالنفی و الاثبات کلاهما یحتاجان الى دلیل لا مجرد ادعاءات فعلیکم ان تذکروا دلیکم على عدم سجود النبی علیها. طبعا هذا لایعنی انا ندعی سجود النبی علیها بل الذی نرید قوله ان طریقة استدلالکم خاطئة.
لمزید الاطلاع انظر:
1- السجود على التربة، رقم السؤال 508 الرقم فی الموقع 554.
2- السجود على الحجر و العکبة، رقم السؤال 1065 الرقم فی الموقع 1130.
[1] الراغب الاصفهانی، مفردات الفاظ القرآن، ص 396، الطبعة الاولی، دار القلم، دمشق، 1416 ه.ق.
[2] ابن الاثیر، النهایة فی غریب الحدیث، ج 2، ص 213، الطبیعة الرابعة، مؤسسه اسماعیلیان، قم 1364ه.ش.
[3] الحر العاملی، وسائلالشیعة، ج 5، ص 296؛ مجیدی، غلام حسین، نهج الفصاحة، ج 1، ص 461، الطبعة الاولی، مؤسسة انصاریان، قم، 1379.
[4] المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، ج 8، ص 38، ؛ البخاری ، الصحیح، ج 1، ص 113، دار الفکر، 1401ه.ق؛ احمد بن حنبل، مسند احمد، ج 2، ص 240، ؛ السجستانی، ابن اشعث، سنن ابی داود، ج 1، ص 118، الطبعة الاولى؛ دار الفکر، 1410ه.ق. و غیر ذلک من المصادر الکثیرة.
[5] انظر السؤال رقم 508 الرقم فی الموقع 554.
[6] التیجانی، محمد، ثم اهتدیت، ص 65، مؤسسة الفجر، لندن، بدون تاریخ.
[7] الطبرانی، المعجم الکبیر، ج 3، ص 109، الطبعة الثانیة، دار احیاء التراث العربی، 1404ه.ق.
[8] المتقی، الهندی، کنزالعمال، ج 13، ص 657، مؤسسة الرسالة، بیروت، 1409ه. ق؛ الکوفی، ابن ابی شیبة، المصنف، ج 8، ص 632، الطبعة الاولی، دارالفکر، بیروت، 1409ه. ق؛ اسحاق بن راهویة، مسند ابن راهویة، ج 4، ص 131، الطبعة الاولی، مکتبة الایمان، المدینة المنورة، 1412ه.ق؛ و غیرها من المصادر.
[9] بحارالانوار، ج 45، ص 231؛ الطوسی، الامالی، الطبعة الاولى، دار الثقافة، قم، 1414ه. ق.