السؤال الثانی: أنتم شیعة أهل البیت تلتزمون بسیرة الإمام علی (کرم الله وجهه) و علی لم یترک فرضاً و لا سنةً، و إنما کان یؤدیهما دائماً، و کلکم أیها الشیعة تترکون السنة فی الصلاة و تترکون الفرض فی الوضوء، فما هی حجتکم و دلیلکم على هذا الترک؟
من الطبیعی أن کل فرقة و فئة ترى نفسها أنها على الحق و أنها هی الفرقة الناجیة و انها هی الفرقة الملتزمة بتعالیم الاسلام و احکامه، و نحن خلافاً لما ورد فی متن السؤال نرى أنفسنا متمسکین و مؤدین للتکالیف و لم نتخلف عن إقامة الفروض و نحن اقرب من غیرنا الى التوافق مع الفروض الشرعیة، و لنا فی اثبات ذلک الکثیر من الأدلة من القرآن الکریم و الروایات على هذا الادعاء.
یعتقد الشیعة أن الوضوء یتکون من غسلتین و مسحتین و ذلک اعتماداً على القرآن و التعالیم التی یتلقونها عن أهل البیت (ع) و کبار الصحابة. و یکون الوضوء على الترتیب التالی: یغسل المکلفُ الوجه أولا، ثم الیدین من المفرق الى أطراف الأصابع، و بعد ذلک یتم المسح على الرأس و على الأرجل بالترتیب.
و الآیة الوحیدة التی تتحدث عن الوضوء فی القرآن هی الآیة السادسة من سورة المائدة، و مع أن لفظة (رؤوسکم) جاءت مجرورة فی الآیة الشریفة و لکن مجموع الجار و المجرور (برؤوسکم) واقعة مفعولاً للفعل امسحوا فی محل نصب فهی منصوبة محلاً، و کلمة أرجلکم معطوفة على محل (برؤوسکم) فتأخذ حکمها و هو المسح، إذن لا بد من مسح الأرجل کما هو الحال فی مسح الرأس.
إضافة إلى ذلک فإننا نعتقد أن الوضوء من العبادات، و أن العبادات توقیفیة، بمعنى أنه لیس لأحد الحق فی أن یزید أو ینقص فیها و إنما لا بد من أدائها بشکل دقیق کما کان یؤدیها رسول الله (ص)، و علینا أن نتوضأ کما کان یتوضأ النبی (ص)، و کل اجتهاد مخالف لهذه الصورة یکون اجتهاداً فی مقابل النص.
یقول بعض علماء أهل السنة: إن الغسل فی نظر العقل مناسب أکثر من المسح، لأن الغسل نظافة، و الأحرى بالإنسان أن یقف نظیفاً فی مقابل رب الأرباب. و لکن هذا نوع من القیاس ثبت بطلانه فی محله فلا یکون حجة من وجهة النظر العلمیة.
من الطبیعی أن کل فرقة و فئة ترى نفسها أنها على الحق و أنها هی الفرقة الناجیة و انها هی الفرقة الملتزمة بتعالیم الاسلام و احکامه، و نحن خلافاً لما ورد فی متن السؤال نرى أنفسنا متمسکین و مؤدین للتکالیف و لم نتخلف عن إقامة الفروض و نحن اقرب من غیرنا الى التوافق مع الفروض الشرعیة، و لنا فی اثبات ذلک الکثیر من الأدلة من القرآن الکریم و الروایات على هذا الادعاء.
یعتقد الشیعة أن الوضوء یتکون من غسلتین و مسحتین[1] و ذلک اعتماداً على القرآن و التعالیم التی یتلقونها عن أهل البیت(ع) و کبار الصحابة. و یکون الوضوء على الترتیب التالی: یغسل المکلف الوجه أولا، ثم الیدین من المفرق الى أطراف الأصابع، و بعد ذلک یتم المسح على الرأس و على الأرجل بالترتیب.
منشأ الاختلاف:
إن منشأ الاختلاف فی مسألة المسح و الغسل یکمن فی إعراب کلمة (أرجل) الواردة فی الآیة السادسة من سورة المائدة و کیفیة عطفها على ما قبلها، و فی کیفیة قراءة (اللام) فی کلمة (أرجلکم) توجد نظریتان، فالبعض یقرؤها بالکسر، و فی حالة قبول هذه القراءة فینبغی أن لا یقع أی اختلاف بین الفریقین، و لکن مع ذلک یعتقد بعض علماء أهل السنة أن رأی أهل السنة هو الراجح، لأن فی مثل هذه الحالة یکون عطف الأرجل على الرؤوس لا من جهة مسحها کالرؤوس و إنما من جهة أن کون الأرجل تخالف بقیة أعضاء البدن، فإن الماء یسکب فوقها، و للوقوف بوجه الإسراف عطفت على الرؤوس، یقول الزمخشری فی الکشاف: فإن قلت: فما تصنع بقراءة الجر و دخولها فی حکم المسح؟ قلت: الأرجل من بین الأعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصب الماء علیها، فکانت مظنة للإسراف المذموم المنهی عنه، فعطفت على الثالث الممسوح لا لتمسح، و لکن لینبه على وجوب الاقتصاد فی صب الماء علیه[2].
فهل هناک معنى للتفسیر بالرأی غیر هذا؟ إن هذا النوع من التفسیر لا یعنی إلا تسخیر آیات القرآن لتبریر و تعلیل الأفکار و المعتقدات، فی حین أن القرآن کلام موحى، و علینا أن نکون فی خدمة القرآن و أن نستفید الاستفادة القصوى من تعالیمه، و إن نأخذ اعتقاداتنا منه، و أن نتجنب الاعتقادات المسبقة حینما نتعامل مع القرآن.
و هذا النوع من النظر لا یمکن أن یسمى تفسیراً، و إنما هو تحلیل و رؤیة شخصیة و فردیة نفرضها على القرآن الکریم، و من هنا فالواجب علینا أن نبحث فی دلالات هذه الآیة بشکل علمی و جدی.
و أما البعض الآخر فإنه یقرأ (اللام) فی أرجلکم بالفتح.
البحث فی الآیة:
الآیة الوحیدة التی وردت فی القرآن للبحث فی مسألة الوضوء هی الآیة السادسة من سورة المائدة: (یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَ أَیْدِیَکُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ وَ أَرْجُلَکُمْ إِلَى الْکَعْبَیْنِ)[3] و طبقاً للقراءة المشهورة فإن اللام فی (أرجلکم) تقرأ بالفتح (النصب) و على هذا الأساس ورد فیها إعرابان:
أـ أنها معطوفة على الوجوه و هو منصوب و محکوم بالغسل و علیه فالأرجل کالوجوه و الأیدی لا بد و أن تغسل.
ب ـ مع کون کلمة (رؤوسکم) مجرورة، و لکن مجموع الجار و المجرور (برؤوسکم) مفعول لامسحوا فی محل نصب، أی منصوب محلاً، و قد عطفت کلمة أرجلکم على محل برؤوسکم، و لذلک تأخذ حکمها و هو المسح و علیه فلا بد من مسح الأرجل کما هو الرأس.
و یستدل بعض علماء أهل السنة بالطریقة التالیة: إن الغسل یشمل المسح أیضاً أی أن الغسل یعنی البلل و الرطوبة الزائدة، و لکن عکسه غیر صحیح أی أن المسح لا یشمل الغسل، و علیه إذا غسل الإنسان رجله أحرز براءة الذمة یقیناً، فعلى فرض وجوب المسح فإن المسح متحقق ضمن الغسل، خلافاً للمسح، فإذا تبین أن الواجب واقعاً هو الغسل فلا یسقط عنه بالمسح، لأنه مسح فقط، و الواجب هو الغسل، یقول الفخر الرازی فی تفسیره: إن الغسل مشتمل على المسح و لا ینعکس، فکان الغسل أقرب إلى الاحتیاط فوجب المصیر إلیه، و على هذا الوجه یجب القطع بأن غسل الرجل یقوم مقام مسحه [4].
و من الواضح أن مثل هذا الاستدلال غریب جداً، لأن الغسل و المسح ماهیتان منفصلتان عن بعضهما، و النسبة بینهما فی الحقیقة هی نسبة التضاد، و علیه فلا یصدق أحدهما على الآخر مطلقاً، فلا یقال للغسل مسحاً و لا للمسح غسلاً و فی مثل هذه الموارد فأفضل معیار للتشخیص هو الفهم اللغوی، أی عرف تلک اللغة.
فهل أن العرب یفهمون من کلمتی المسح و الغسل ما یقوله المستدل فی کلامه المتقدم؟ أی أنهم یقولون لمن یغسل رجله أنه مسحها.
و إذا قبلنا من باب التسامح أن النسبة بینهما نسبة عموم و خصوص مطلق و لیس التضاد، و أن الغسل یعنی المسح و زیادة فیترتب على ذلک أولاً: أنه یمکن تعمیم هذا الکلام، و کل موضع کلفنا فیه بالمسح یمکننا غسله، لأن الغسل مسح و زیادة، و علیه فلنا أن نغسل رؤوسنا بدلاً من مسحها، فی حین أن هذا القول بدیهی البطلان، و لم یقل به أحد.
یقول العلامة الطباطبائی فی رد هذا التوجیه: و هذا من أردأ الوجوه، فإن المسح غیر الغسل و لا ملازمة بینهما أصلا. على أن حمل مسح الأرجل على الغسل دون مسح الرءوس ترجیح بلا مرجح. و لیت شعری ما ذا یمنعه أن یحمل کل ما ورد فیه المسح مطلقا فی کتاب أو سنة على الغسل و بالعکس و ما المانع حینئذ أن یحمل روایات الغسل على المسح، و روایات المسح على الغسل فتعود الأدلة عن آخرها مجملات لا مبین لها [5].
ثانیاً: و فی هذه الصورة أیضاً لا یمکن غسل الأرجل بدلاً مسحها لأن الوضوء من العبادات، و العبادات أمور توقیفیة، بمعنى أنه لیس لأحدٍ الحق فی أن یزید أو ینقص فیها، و یجب علینا أن نأتی بالوضوء کما کان یفعل رسول الله (ص)، لأن فی مثل هذه الحالة یکون هذا الاستدلال من قبیل الاجتهاد مقابل النص و هو باطل بالضرورة.
یقول رشید رضا و هو من علماء أهل السنة: نرى أن الغسل مناسب أکثر فی نظر العقل، لأن الغسل نظافة، و هو ألیق فی مقام الوقوف بین یدی رب الأرباب.
و هنا نجد أنه و دون تردد قد استفاد من القیاس دون ذکر اسمه، أی قال الغسل نظافة، و کل نظافة أفضل، و هذا المورد کبقیة الموارد فالغسل أفضل، فی حین أنه لا محل للقیاس فی استنباط الأحکام الشرعیة، و القیاس مما لا یقول به صاحب المنار نفسه، فإننا نجده فی تفسیر الآیة الشریفة فی قوله تعالى: (أنا خیر منه، خلقتنی من نار و خلقته من طین)[6] ینقل روایتین عن الإمام الصادق(ع) فی ذم القیاس و یقول: روی ابو نعیم فی حلیة الاولیاء و الدیلمی عن جعفر الصادق عن ابیه أن رسول الله (ص) قال: " أول من قاس أمر الدین برأیه ابلیس"ثم قال جعفر الصادق:" فمن قاس الدین برأیه قرنه الله تعالى یوم القیامة بابلیس لانه اتبعه بالقیاس"[7].
النتیجة: تحصل أن فی آیة الوضوء تصریخ بحکمین فی عضوین ثمّ عطف الأَیدی على الوجوه فأَوجبَ لها ِالعطف مثل حکمها و عطف الأَرجلَ على الرُّءُوسِ فأَوجبَ أَنْ یکون لها فی المسحِ مثلُ حکمها بمقتضى العطف و لو جاز أَنْ یخالفَ بین حکمها مع العطف جاز أَنْ یُخَالَفَ بَین حکمها فی الوُجُوه[8].
و بالرجوع إلى المطالب المتقدمة، فهل یمکن أن یقال أن الشیعة یترکون الفرض، و یعملون خلافاً لسنة النبی(ص) و علی (ع)؟!!.
مواضیع ذات علاقة:
وضوء النبی (ص)، 10428 (الموقع: 10328).
فلسفة الوضوء، 4774 (الموقع: 5140).
[1]الطوسی، تهذیبالأحکام، ج 1، ص 63، حدیث 25، مطبعة دار الکتب الاسلامیة، سنة 1365 هـ ش؛ رُوِیَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: غَسْلَتَانِ وَ مَسْحَتَانِ.
[2] الزمخشری، محمود، الکشاف عن حقائق غوامض التنزیل، ج 1، ص611 ، منشورات دار الکتاب العربی، طبعة بیروت، سنة 1407 ق، الطبعة الثالثة.
[3]سورة المائدة، آیه 6، .....
[4]الرازی، أبو عبد الله فخر الدین محمد بن عمر، مفاتیح الغیب، ج 11، ص 306، منشورات دار احیاء التراث العربى، طبعة بیروت، سنة 1420 ق، الطبعة الثالثة؛ رشید رضا ، محمد، تفسیر القران الحکیم ( تفسیر المنار)، ص 233، ناشر دار المعرفة للطباعة و النشر، بیروت، لبنان، الطبعة الثانیة.
[5] الطباطبایی، محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج5، ص: 223، نشر جماعة المدرسین قم، قم، سنة 1417هـ، الطبعة الخامسة.
[6]سورة الأعراف، آیة 12.
[7] رشید رضا ، محمد، تفسیر القرآن الحکیم ( تفسیر المنار)، ج ،8، ص 331.
[8]الطوسی، تهذیبالأحکام، ج 1، ص 62، ح 20؛ ولمزید الاطلاع على تضارب الاراء فی المسالة انظر رساله الشیخ المفید، المسح على الرجلین، ص 25.