لا یمکن القول فی خصوص تطبیق العلوم الروحیة الحدیثة مع المعتقدات الدینیة و المذهبیة بشکل مطلق بانها منافیة للمعتقدات الدینیة، کما لا یمکن الجزم بموافقتها مطلقا للدین و کذلک لا یمکن الجزم بصحة جمیع الافکار و النظریات التی تطرحها بعض المدارس الروحیة المعاصرة بل یبقى لاحتمال الخطأ و الصواب مجاله الواقعی.
لا یمکن الجزم فی قضیة التطابق بین العلوم الروحیة و المعتقدات الدینیة و المذهبیة و لا یمکن اعطاء اجابة ناجزة فی هذا المجال؛ و ذلک بسبب کون العلوم الروحیة ذات مراتب متعددة و اتجاهات مختلفة هذا من جهة و من جهة أخرى العلوم الاسلامیة بنفسها تشمل اتجاهات و تخصصات واسعة. من هنا لا یمکن القول بوجود مذهب واحد تحت عنوان العلوم الروحیة یشتمل على مطالب و معارف ثابتة (الا فی بعض الامور الاساسیة)، بل نفس العلوم الروحیة نابعة من بعض الاتجاهات شبه العرفانیة ثم زحفت رویداً رویداً الى العلوم التجریبیة و العلوم ذات الصلة بعلم النفس و ما وراء علم النفس.
من هنا لا یمکن الجزم بمخالفة تلک العلوم للعقائد الدینیة مخالفة تامة، کما لا یمکن القول بوجود مذهب علمی منزه عن الخطأ و الانحراف.
ثم ان هناک الکثیر من الکتب التی صنفت تحت هذا العنوان و لم تنحصر فی دائرة خاصة من جهة و من جهة اخرى أن کل مؤلف یعمل تجاربه الشخصیة و رؤاه الخاصة بالاضافة الى اختلاف المؤلفین فی الکفاءات و القدرات العلمیة، فالنظرة الموضوعیة تقتضی أن نأخذ کل نتاج من النتاجات التی ابدعتها العلوم الروحیة الحدیثة على حدة لمعرفة تطابقه من العلوم الدینیة أم لا.
و نحن هنا نشیر بصورة مختصرة و اجمالیة للمباحث التی عرضت فی متن السؤال مع ذکر بعض النظریات المقبولة من وجهة نظر الفکر الاسلامی.
1. امکانیة تجسد الارواح: الروح الانسانیة المجرد ذات قالب لطیف، لکن قد یکون فی حالات خاصة و بإذن الله قابلة للرؤیة من قبل بعض الافراد. لکن المشاهدة الظاهریة و التجسد الظاهری القابل للرؤیة بالعین المادیة المجردة، یعد مخالفا للطبیعة المثالیة للروح و هی بحاجة الى قدرات خاصة و شروط موضوعیة معینة فی الروح.
من هنا لا یمکن رؤیة القالب المثالی بآلیات الرؤیة المادیة، لکن یمکن اثبات – و بشروط خاصة- آثاره المادیة التی یترکها مع توفر الشروط الموضوعیة.
2. امکانیة تصرف الارواح فی الکون: من غیر المتعارف تدخل الارواح فی عالم المادة، الا أن الروح مستعدة ذاتا و تحت شروط موضوعیة خاصة للتصرف فی الکون لما تتوفر علیه من احاطة بعالم الاجسام.
3. العالم المثالی: حظی بحث عالم المثال بأهمیة خاصة لدى کل من الفلاسفة و العرفاء. و لهذا العالم مکان مثالی و مادی لطیف. لکن من النادر جداً استعمال مصطلح المادة فی خصوص عالم المثال فی التعریف الفلسفی الرائج.
و فی الجملة عالم المثال: عالم حقیقی اقوى واشد من عالم المادة (المؤلف من العناصر المتعارفة) الذی یعد مکانا للحیاة البرزخیة.
4. احضار الارواح
أصل عملیة احضار الارواح کعملیات روحیة تحتاج الى مادة شفافة (اکتوبلاسم)، أمر غیر محبذ و کذلک الاسالیب المعتمدة لتحقیق هذا الهدف فیها تردید و شک، بالاضافة الى کون هذه العملیة تتعلق بالعلوم الروحیة خاصة و لا علاقة للعرفان الاسلامی بها.
نعم، الارتباط بالارواح – من دون أن یقصد بنفسه کهدف خاص- قد یتحقق للعرفاء و السالکین بصورة تلقائیة.
5.ارواح اتباع الدیانات المختلفة فی عالم البرزخ: على فرض یقینیة تلک المشاهدات الروحیة التی تثبت أن ارواح اتباع الدیانات الاخرى یعیشون السعادة الروحیة، هذه قضیة تعود الى الحکم و العدل الالهی فهو العالم بسرائر الامور، و لکن یبقى الاصل المسلّم فی هذا المقام و الذی ترجع الیه جمیع الفروع، هو ما اشارت الیه الآیة الکریمة "ان الدین عند الله الاسلام".[i]
ثم نحن لا نعلم بنوع المعاملة التی یتعامل بها الله تعالى – لعلمه ببواطن الامور- مع اتباع الدیانات الاخرى الجاهلین بمراتب المعرفة الالهیة و الدین الحق!!
أضف الى ذلک أن تعالیم الدین الاسلامی تقسم الناس فی عالم البرزخ الى ثلاثة طوائف:
الطائفة الاولى، التی تعیش الجرم و الشر فی أعلا مراتبه و تعاند الحق و الحجة الالهیة لجاجا و عناداً، و قد تصدت لحجج الله و اوقعت بهم شتّى انواع الظلم و العدوان. فمما لاریب فیه ان مصیر هذه الطائفة فی عالم البرزخ النار.
الطائفة الثانیة، و هی الطائفة التی تمثل ثلة من الصالحین المؤمنین العارفین بالله تعالى الذین یعیشون الخیر و الصلاح فی أسمى مراتبه، و مما لاریب فیه ان مصیر هذه الطائفة الجنة و الرضوان الالهی.
الطائفة الثالثة، التی لا تستحق العذاب و لا الجنة فهذه تبقى بالانتظار الى یوم القیامة.[ii]
و اکثر الاروح التی یفترض احضارها قد تکون من هذه الطائفة مع بعض الاستثناءات النادرة التی یکون فیها القائم بعملیة الربط على درجة عالیة من التقوى و الارتقاء المعنوی و الایمانی، و مما لاریب أن هکذا شخص بهذه المواصفات السامیة لا یتخذ من هذه القدرة وسیلة للفت انظار الناس و التلاعب بالامور الروحیة و المعنویة، فاذا ما حصل هکذا ارتباط لدیه لا یکون نتیجة لاعمل غریبة و ممارسات غیر طبیعیة، بل القضیة تحصل لدیه بصورة تلقائیة ضمن حرکة السلوک المعنوی و الرقی الروحی الذی هو علیه.