المقصود بالإخلاص هو أن یکون الدافع الأصلی و الوحید لأداء الأعمال هو رضى الله و العبودیة المطلقة له و ان یعتقد الإنسان أن الله سبحانه هو وحده أهل لهذه العبادة و هذا الإخلاص و لا یکون غیره مستحقاً لها أو یطلب الإنسان رضا غیره.
لذلک فان الخطوة الأولى للوصول إلى حالة الإخلاص هو رفع الموانع عن طریقها و هذه الموانع هی، الریاء، حب الدنیا و الوساوس الشیطانیة، و من ثم السعی لتقویة الإیمان و معرفة الذات الإلهیة المقدسة، و کذلک التفکر بأهمیة و قیمة الإخلاص و إضرار و مساوئ عدم امتلاک هذا الإخلاص، و کذلک إضمار العبودیة المطلقة لله سبحانه، و الإحساس دوماً بالتقصیر فی مجال العبودیة و المناجاة الخالصة مع الباری عز و جل و ذلک کله للحصول على درجات معینة من الإخلاص.
إن الإجابة بشکل واضح و دقیق عن کیفیة الوصول إلى مراتب الإخلاص فی العبودیة لذات الحق المطلقة یتطلب معرفة الأمور التالیة:
تعریف الإخلاص، مراتب و درجات الإخلاص، موانع الإخلاص و الطرق الکفیلة بالوصول إلى الإخلاص.
یقصد بالإخلاص[1]، هو أن یکون الدافع الأصلی و الوحید لأداء الإعمال هو رضی الله و العبودیة المطلقة له و الاعتقاد بان الباری جل شأنه هو الوحید المستحق لهذه العبودیة و ما خلاه لا یکون مستحقاً لهذه العبودیة أو مستحقاً لطلب الرضا منه.
مراتب العبودیة و الاخلاص[2]: و هذه المراتب تکون مرتبطة و متوقفة على درجات النیة لان العبودیة من الممکن أن تکون بسبب الخوف من عذاب الله أو لنیل الأجر الإلهی أو الحیاء أو الخجل من الباری عز و جل عند المعصیة و عدم الطاعة، أو الشکر على النعم الإلهیة غیر المتناهیة، أو الوصول إلى الکمالات المعنویة، أو تکون بسبب اعتقاد الإنسان بان الباری عز و جل هو جدیر و أهل لهذه العبودیة و کذلک بسبب الوله و العشق للذات الإلهیة المقدسة.
و حسب الترتیب المذکور أعلاه نستطیع أن نسمی کل مرتبة منها بالأسماء التالیة: العبادة و العبودیة بسبب الخوف، عبودیة التجار، عبودیة الحیاء، عبودیة الشاکرین، عبودیة الحب و العشق، و فی بعض الأحیان یکون بعض هذه الدوافع و الأشکال من العبودیة قابل للاجتماع فی شخص واحد.
موانع الإخلاص فی العبودیة:
توجد هنالک موانع و حواجز عدیدة عند ما یرید الإنسان الشروع و الدخول فی عالم الإخلاص و مراتبه، و سوف نشیر أدناه إلى أهم هذه الموانع: 1- الریاء 2- حبّ الدنیا و التعلق بها 3- الشیطان (لع).
الریاء:
إن أکثر موارد عدم الإخلاص للذات الإلهیة المقدسة التی یبتلى بها أکثر الناس هو الریاء و الحصول على رضا الآخرین، بقصد التفاخر و حبّ الظهور، الشهرة، و نیل المکانة و الریاسة.
و لغرض إزالة هذه الصفة الأخلاقیة المذمومة لابد أن یعرف المرائی أنه لا یمکن أن یکون مورداً لرضا و قبول جمیع الناس و بشکل دائم، إضافة إلى ذلک یجب أن یکون دائما فی حالة من القلق و عدم الاستقرار النفسی و الإشفاق، و ان یعرف انه لو فرض انه حصل على رضا و قبول الآخرین فماذا سوف ینفعه هذا الرضا و هذا القبول من الآخرین و ان النفع و الضرر هما بید الله سبحانه.
حب الدنیا: إن حب الدنیا یؤدی إلى إن یکرّس الإنسان جمیع حیاته بما فیها عبودیته لله کوسیلة لغرض الوصول و الحصول على أکثر قدر ممکن من المکاسب الدنیویة.
و للخلاص من حالة حب الدنیا یجب على الإنسان الاطلاع على تفاصیل مجریات الحیاة البشریة و على حقیقة الإنسان و ان یعرف أن أکثر المآسی و عد م الاستقرار و الکوارث التی تعانیها البشریة هی بسبب حب الدنیا، إضافة إلى ذلک فان للإنسان احتیاجات و رغبات کثیرة و متنوعة و لا تستطیع هذه الدنیا تلبیة جمیع هذه الاحتیاجات و الرغبات.
الشیطان:
إن الشیطان هو الذی یزین و یحبب للإنسان الریاء و حب الدنیا و کل أمر سیء و قبیح[3].
و للخلاص من سیطرة و تسلط الشیطان یجب معرفة أن الشیطان کان سبباً لهبوط ادم (ع) و یجب الترکیز و التفکیر جلیاً بمدى قبح عمل الشیطان و الإضرار الذی یحدثها.
طرق الوصول إلى الإخلاص:[4]
1. تقویة و ترسیخ الإیمان و المعرفة للذات الإلهیة المقدسة. إن الإیمان الحقیقی بالذات الإلهیة و بجمیع صفاته غیر المتناهیة و بالخصوص الصفات التی تجعل من الحب و الحمد و العبودیة مختصة به تعالى لا تدع مجالا أو دافعاً للإنسان للشرک و الکفر و النفاق بجمیع أقسامها. و ان المعرفة بالذات الإلهیة المقدسة و بجمیع صفاتها تؤدی إلى وجود حالة من الخشوع و الخشیة و التواضع و الاضطراب فی نفس الإنسان فی أن یکون معرضاً لعذاب الدنیا و الآخرة أو یکون محروماً من اللقاء بهذه الذات المقدسة، و بالاستناد إلى مراتب و درجات هذه المعرفة للباری جل شأنه، یصل الإنسان إلى مراتب و درجات من الخوف من الباری و الاخلاص له.
2. التفکیر فی قیمة و أهمیة الإخلاص: الإخلاص، هو أمر الهی عند جمیع الأدیان[5]، و هی نعمة خفیّة من الباری عز و جل لمن یحب من عباده[6]، و تکون سبباً للقاء خالق الوجود[7]، و تکون سبباً للخلاص و النجاة من حساب یوم القیامة[8]، و کذلک یوجب الإخلاص الحصول على الثواب و الأجر الإلهی غیر المحدود فی الحیاة الآخرة[9]، و یؤدی إلى منع و عدم قدرة الشیطان للسیطرة و التصرف بالإنسان[10].
3. التفکیر بالإضرار و الخسارة التی تترتب على حالة عدم الإخلاص: جاء فی بعض الروایات[11] التی تشیر إلى الآثار السیئة للریاء و عدم الإخلاص هو: أن الریاء و عدم الإخلاص عند الإنسان هو نوع من الکفر و النفاق و المکر و الخداع مع خالق الکون، و تکون سبباً للسخط و الغضب الإلهی کما تؤدی إلى عدم قبول الأعمال و الدعاء و الشفاعة.
4. أن یکون ظاهر العبد و باطنه حالة و احدة بالنحو الذی لا یشکل حضور الآخرین بالنسبة له أی تأثیر فی کیفیة و طریقة العبادة.
5. العبودیة المطلقة لله سبحانه: إتباع أوامر الله سبحانه فی جمیع الواجبات، ترک المحرمات، القیام بالأعمال المباحة، لا أن یقوم الإنسان بأداء الصلاة و یقوم فی نفس الوقت بحسد الناس و اغتیابهم و هکذا فی بقیة الأمور الاعتقادیة و العملیة للدین.
6. الإحساس و الشعور بالتقصیر فی العبودیة لله: فی قمة العبودیة و الإخلاص یجب الشعور أیضا بالعجز عن القدرة بالإیفاء لحق العبودیة و الاخلاص فی العبودیة لله سبحانه، لذلک نرى أن الأنبیاء و أولیاء الله کانوا یرون أنهم أعجز من ان یؤدوا الإخلاص و العبودیة حقها بالنحو الذی یلیق بالباری عز و جل بالرغم من أنهم کانوا یتمتعون بأعلى درجات و مراتب الإخلاص و العبودیة لله سبحانه، لذلک یقول خاتم الأنبیاء(ع):" ما عبدناک حق عبادتک"[12].
7. الدعاء: الدعاء وسیلة لتسکین الآلام و حلّ العقد الدنیویة و المعنویة، إن بعض الاحتیاجات الأساسیة و الدائمیة للإنسان لا تأتی إلا عن طریق العبودیة و الدعاء إلى جانب هذه العبودیة، و لا توجد حاجة أهم من الإخلاص فی العبودیة، لذلک یرجو الإمام السجاد (ع) من الله إن یرزقه الإخلاص فی العبودیة. " خلص ذلک کله من رئاء المرائین و سمعة المستمعین لا نشرک فیه احد دونک و لا نبغی فیه مراداً سواک"[13].
[1] قد تم الإشارة إلى تعاریف الإخلاص على أساس مراتبها و الدرجات المختلفة لها فی الکتب الأخلاقیة و العرفانیة و کتب التفسیر؛ مثل کتاب معراج السعادة، ص 486؛ کیمیاء السعادة، ج 2، ص 453؛ الإمام الخمینی (ره)،الأربعون حدیثاً ص 238؛ الطباطبائی، السید محمد کاظم، العروة الوثقى، ج1، ص 472؛ الطباطبائی،،المیزان فی ذیل آیات، البقرة، 264، النساء، 38، 142، أنفال 47، الماعون 6.
[2] للاطلاع أکثر یراجع بحوث مراتب الإخلاص فی الکتب المذکورة، المصطفوی، ترجمة و شرح أصول الکافی؛ سید مهدی طباطبائی، السیر و السلوک، مع مقدمة و شرح المرحوم السید محمد حسینی طهرانی.
[3] الحجر، 39 و آیات و روایات أخرى ترتبط بأعمال الشیطان.
[4] طرق و أسالیب الوصول إلى الإخلاص فی الکتب المذکورة أعلاه وبعض الکتب الأخلاقیة الأخرى.
[5] البینة، 5.
[6] حدیث قدسی، معراج السعادة، ص 489.
[7] نفس المصدر.
[8] الصافات، 128.
[9] الصافات، 39- 40.
[10] الحجر، 40.
[11] قد جاءت هذه الروایات فی الکتب المذکورة أعلاه.
[12] بحار الأنوار، ج 68، ص 23.
[13] دعاء رقم 44، الصحیفة السجادیة.