یقول القرآن فی تأیید هذه الحقیقة و هی ان الاسلام دین السلام و المصالحة و المحبّة: "یا ایها الذین آمنوا ادخلوا فی السلم کافة و لا تتبعوا خطوات الشیطان انه لکم عدو مبین".
لکن یجب الالتفات الی ملاحظة مهمة و هی ان جماعة من الناس اختاروا طریق الطغیان و العدوان و الظلم و التعدی علی الآخرین و یمارسون الفساد و الانحراف و لأجل ذلک فلا یمکن لدین متکامل أن یهمل هکذا وضع و لا یکون له رأی و موقف من هذا الأمر و لا یسعی لرفع الظلم عن المظلومین، و هنا موضع ما یقال من ان الاسلام شرّع الصلح المشروط فی مقابل الأعداء الکفرة، نعم بالنسبة للمؤمنین فان السلام المطلق هو الطریق الأوحد الذی انتخبه القرآن. و قد دعا الاسلام المؤمنین إلی التآخی و المصالحة عن طریق أوامره بالعفو و الرأفة و التجاوز.
و قد نبذ الاسلام روحیة الحرب و التنازع و الفتوحات، و فی قبال ذلک شرّع الجهاد بصفته عملاً دفاعیاً و من أجل نشر السلام و الأمان فی العالم فی ظل حاکمیة الله و رفض حاکمیة الطواغیت و مواجهة الظلم و العدوان.
إنّ الاسلام دین یسعی إلی أهداف عالمیة رفیعة فی سبیل إیقاظ و هدایة الامم الاسلامیة و غیر الاسلامیة من أجل مواجهة ظلم المستکبرین و عدوانهم و من الطبیعی أن یقوم خط الطاغوت و أصحاب القدرة و الثروة و علی رأسهم الاستکبار العالمی بتصویر الاسلام الحقیقی علی أنه أکبر مانع من الوصول إلی أهدافهم المشؤومة و لذلک یحاولون بأقصی جهدهم و امکاناتهم تشویه و تخریب صورة الاسلام و عرضها بصورة خشنة و مرعبة.
و هنا یجب علی المؤمنین و اتّباعاً لمنهج أهل البیت (ع) أن یعرضوا الصورة الحقیقیة للاسلام و أن یسعوا الی إفشال المؤامرات الدخیلة.
ان الاصل اللغوی للاسلام موجود فی کلمتین: السلم و السلام بمعنی الصلح و الامان[1]. و قد أشیر فی القرآن فی مواضع عدیدة الی أهمیة و أولویة الصلح و المصالحة[2]. و قد قال فی تأیید حقیقة ان الاسلام دین السلام و الصلح و المحبة: "یا ایها الذین آمنوا ادخلوا فی السلم کافة و لا تتبعوا خطوات الشیطان انه لکم عدوّ مبین"[3].
فمن وجهة نظر القرآن فان السلام العالمی و استقرار المجتمعات البشریة لا یمکن أن یتحقق إلاّ فی ظل الایمان بالله و إنّ حلقة اتصال جمیع المجتمعات البشریة المختلفة من ناحیة اللغة و العنصر و الثروة و المنطقة الجغرافیة و ... هی الایمان بالله فحسب. و إذا کان المسلمون معتقدین بأنّ السلام العالمی و العدالة الاجتماعیة یتم فی ظل حکومة الامام المهدی (عج) فذلک فی الحقیقة تأکید علی هذا الامر. حتی ان الله تعالی یقول فی آیة "و ان جنحوا للسلم فاجنح لها... .[4]
و یلزم أن ننبّه إلی أنه و نظرا لکون الانسان فی هذه الدنیا مختاراً، فان البعض اختار طریق الطغیان و العصیان و الظلم و التعدی علی الآخرین و یمارسون الفساد و الانحراف و لهذا فمن الضروری أن یکون للدین الجامع و المتکامل برنامجه المختص برفع هذه الموانع عن مسیر الهدایة البشریة.
و أحیاناً یکون الطغیان و العصیان بحیث لا توجد و سیلة لمقابلته سوی الدفاع و اللجوء الی القوة و لذلک شرّع الجهاد فی الاسلام.
أی ان القرآن أمر باستعمال القوّة و العنف مع الذین لا ینفع التحدّث معهم بالمنطق و الذین یقفون بوقاحة أمام طریق الهدایة و الارشاد و دعوة النبی و یحاربون الاسلام عن علم و عداوة و عناد فقال: "یا أیها النبی جاهد الکفار و المنافقین و اغلظ علیهم...".[5]
فیجب علی المجتمع الاسلامی و المسلمین أن یوقعوا الرهبة و الرعب فی قلب العدو لکی لا یخطر فی ذهنه الاعتداء و ضرب المسلمین.[6]
و ینبغی بالطبع التمییز بین أوامر الاسلام بالاستعداد العسکری و حمایة الحدود[7] (و هی صورة اخری من تأکید الاسلام علی حمایة السلام و المصالحة و المحبة) و الأمر بالجهاد فی سبیل الله الذی هو فی الحقیقة من أهم العبادات الاسلامیة و هو معرض جمیل جداً للعشق الالهی و حبّ الانسان و رفض الرذیلة و کل ما یضاد القیم النبیلة، و بین إشعال الحروب و سفک الدماء و الطغیان و الارعاب، یقول تعالی فی بیان أهمیّة الجهاد: "و جاهدوا فی الله حق جهاده..."[8].
و حیث ان الاسلام لم یشرّع الجهاد لأجل فتح البلدان و توسیع القدرة الشخصیة و علیه فالجهاد عمل من أجل الانقاذ و لیس عملا عدوانیاً و لهذا ففی حالة التمکن من الوصول إلی أهداف الجهاد عن غیر الطریق العسکری فلا ینبغی اللجوء الی الحرب، و لهذا السبب أوجب الاسلام دعوة الکفار الی الاسلام قبل بدء الحرب.
و لهذا فقد أوجب الله الجهاد بهدف القضاء علی المستکبرین و إنقاذ المستضعفین و توفیر أجواء المعرفة و التعرّف علی العلوم التوحیدیّة و طرق کسب سعادة الدنیا و الآخرة بالنسبة للذین منعوا من الوصول إلی ذلک[9].[10]
و یتحدّث العلامة الطباطبائی حول رفض الاسلام لإثارة الحروب و العدوان و فی بیان فلسفة و حقیقة الجهاد فیقول: "و کونه فی سبیل الله إنما هو لکون الغرض منه إقامة الدین و إعلاء کلمة التوحید فهو عبادة یقصد بها وجه الله تعالی دون الاستیلاء علی أموال الناس و أعراضهم فانما هو فی الاسلام دفاع یحفظ به حقّ الانسانیة المشروعة عند الفطرة السلیمة ما سنبیّنه فان الدفاع محدود بالذات، و التعدی خروج عن الحد و لذلک عقّبه بقول تعالی: "و لا تعتدوا إنّ الله لا یحب المعتدین".[11]
و النتیجة هی أن الاسلام الحقیقی لیس هو دین العداون و الحرب و المشاکل و لیس ذلک فقط بل ان تعالیمه و أوامره التی منها الجهاد هی علی أساس المحبة للناس و من أجل نشر السلام و الأمن فی ظل الحاکمیُة الالهیة و رفض حاکمیة الطواغیت و مواجهة الظلم و الطغیان. و بکلمة موجزة: الجهاد یعنی الحرب العادلة و المقدّسة من أجل تحقق المثل الالهیة العلیا[12].
اذن ففی قبال العدو الکافر یکون السلم مشترطاً بتأمین العزة و الاقتدار للمؤمنین کما ذکر ذلک أیضاً أمیر المؤمنین علی (ع) فی عهده لمالک الأشتر حین و لّاه مصر: "و لا تدفعن صلحاً دعاک إلیه عدوک و لله فیه رضی،فانّ فی الصلح دعة لجنودک و راحة من همومک و أمناً لبلادک و لکن الحذر کل الحذر من عدوک بعد صلحه فان العدو ربما قارب لیتغفل فخذ بالحزم و اتهم فی ذلک حسن الظن[13]،[14].
اما بین المؤمنین فالصلح المطلق هو خیار القرآن الوحید، و الاسلام دعا المؤمنین إلی التآخی و المصالحة و ذلک بتأکیده علی العفو و الرأفة و التجاوز[15].
بلی لقد ذمّ القرآن الصلح الناشئ من الخوف و الضعف و الاستلام و الذی یستلزم التراجع عن القیم الاسلامیة، و حذر ضعفاء الایمان الذین یقترحون الصلح غالباً للفرار من الجهاد و مشاکل ساحات الحروب فقال: "فَلا تَهِنُوا وَ تَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَ اللَّهُ مَعَکُمْ وَ لَنْ یَتِرَکُمْ أَعْمالَکُم ".[16]
اتضح مما تقدم ان الاسلام الحقیقی لیس هو السبب الأصلی للمنازعات و الحروب فی عالمنا المعاصر و انّ منطق الاسلام لا یؤید هذا الأمر، نعم نحن نقبل بهذه الملاحظة و هی ان الاسلام اشتهر فی عالمنا المعاصر بکونه اکمل و اجمع دین له اهداف عالمیة رفیعة فی ایقاظ و هدایة الامم الاسلامیة و غیر الاسلامیة من أجل مواجهة ظلم و طغیان المستکبرین[17]. ومن الطبیعی أن یعتبر خط الطاغوت و أصحاب القدرة و الثروة و علی رأسهم الاستکبار العالمی ان الاسلام الحقیقی[18] اکبر مانع من الوصول إلی أهدافهم المشؤومة و لذلک یحاولون بأقصی ما لدیهم من قوی و امکانیات تشویه و تخریب صورة الاسلام و عرضها بصورة خشنة و مرعبة.
و ان الاسلام هو سبب الحروب و العنف و الارهاب و الحال انهم هم سبب الحروب و الارهاب و العنف و انّ ما یقوم به المسلمون هو دفاع عن أنفسهم فحسب.
و من هنا یجب علی المؤمنین و اتّباعاً لمنهج أهل البیت (ع) أن یعرضوا الصورة الحقیقیة للاسلام و أن یسعوا الی إفشال المؤمرات الدخیلة و أن یفرّقوا بین الاسلام الحقیقی و الجماعات الارهابیّة و اللامنطقیّة و التی تأسست بید الاستکبار و هو الذی قام بالترویج لها.
و لمزید الاطلاع راجعوا المصادر التالیة:
- تفسیر المیزان، العلامة الطباطبائی ج 2.
- الجهاد و موارد مشروعیة فی القرآن، مرتضی المطهری.
- أسئلة و أجوبة حول النظام السیاسی للاسلام، مصباح الیزدی، محمد تقی226-239.
- التعلیم الدینی، العلامة الطباطبائی، 264 – 209.
و مواضیع:
1. الایمان و الامر بالمعروف و ... و الجهاد الابتدائی، السوال 1116 (الموقع: 1160).
2. الجهاد الابتدائی،السوال 941 (الموقع: 1346).
3. الدین و الاکراه، السوال 1327 (الموقع: 1746).
[1] کتاب العین، ج 7، ص 267؛ و لا حظ کذلک، مواضیع، مفهوم الاسلام فی الآیة 19 آل عمران،السؤال 956. القرآن و معنی الاسلام و المسلم، السوال 829.
[2] النمل، 32 – 44.
[3] البقرة، 208.
[4] الانفال، 61.
[5] التحریم، 9.
[6] مصباح الیزدی، محمد تقی،اسئلة و اجوبة حول النظام السیاسی للسلام، 233.
[7] و اعدوا لهم ما استطعتم من قوة، الانفال، 60.
[8] الحج، 78.
[9] مجلة المعرفة، العدد 102، مقال: "اهداف الجهاد فی الاسلام"،حمزة علی.
[10] البقرة، 190.
[11] الطباطبائی، محمد حسین، المیزان، ج 2، ص 61.
[12] للاطلاع اکثر لاحظ، المطهری، مرتضی، الجهاد و موارد مشروعیته فی القرآن.
[13] نهج البلاغة، کتاب 53.
[14] اسکندری، حسن، آیات الحیاة، ج 1، ص 300.
[15] الحجرات، 9 – 10.
[16] محمد (ص)، 35.
[17] کان للثورة الاسلامیة فی ایران باعتبارها ام القری للعالم الاسلامی و انتشار اهداف الامام الخمینی (رض) العلیا تأثیرها الکبیر فی نشر هذا الهدف المبارک.
[18] المقصود من الاسلام هنا هو الاسلام المحمدی الاصیل او بعبارة اخری: مدرسة اهل البیت (ع) التی لم تخضع أبدا لظلم و جور الطواغیت.