طبقاً لإحصاءات البنک العالمی فی عام 2008 فإن عائدات السعودیة أو بحسب اللغة الدارجة: دکان زیارة المسلمین المسمى بالکعبة یعادل 29865000000 دولار أی ما یقارب ثلاثین ملیار دولار، و کان عدد الزائرین الإیرانیین القاصدین إلى مکة للحج أو العمرة فی تلک السنة قد بلغ 1937000 شخصاً أی ما یقارب 2 ملیون شخصاً، و قد کانت نفقاتهم التی قدموها إلى اقتصاد ملوک السعودیة تقدر بـ 487000000 دولار أی ما یقارب خمسة ملیارات دولار، فکانت إیران تحتل المرتبة الأولى بین جمیع الدول الإسلامیة. و بالنظر لعدم قدرة الخطوط الجویة الإیرانیة على نقل هذا العدد الکبیر من الرکاب کان نصیب الخطوط الجویة السعودیة ما یقارب 54% من مجموع الحجاج الإیرانیین. و طبقاً للتقاریر التی أعدها الدبلماسیون الإیرانیون فی عام 2008 فإن تعامل المسؤولین السعودیین مع الحجاج الإیرانیین کان سیئاً للغایة بما فی ذلک الإذلال و التوهین المتعمدین، و مع وجود هذا السلوک السیء من السعودیین نجد إیران تحتل المقام الأول فی مسألة السفر إلى الحج. لقد أصدر علماء السعودیة فی هذا العام فتوى تعتبر الشیعة الإیرانیین کفاراً و بحسب بعض التقاریر الدبلوماسیة الأخرى فإن الحجاج الإیرانیین هم أبغض الحجاج لدى السعودیین و یحتلون المرتبة فی سلم الزائرین غیر المرغوب فیهم.
و طبقاً للحسابات الأولیة فإن ما یقدمه الإیرانیون للسعودیة (عدوة الشیعة الإیرانیین) من الأموال فی کل عام یعادل النفقات التی تکفی لعدة مشاریع منها على سبیل المثال، إحداث 170000 منزل قروی. أو إیجاد 714286 فرصة عمل زراعی أو 200000 فرصة عمل صناعی لشباب البلد.
أو بناء 10000000000 متر مربع کمدارس أو مؤسسات ریاضیة تحتضن أبناء البلد.
و أن نفقات سنتین من الحج تکفی لبناء مصفاة للنفط من الطراز الحدیث جداً بظرفیة 75000 برمیل.
و بالأموال التی ینفقها الحجاج على مدى خمس سنوات یمکن تبدیل إیران إلى بلد مصدر للبنزین، مما یجعلنا نستغنی عن استیراد البنزین من الدول العربیة.
و لکن و یاللأسف فإن أموال الحجاج الإیرانیین تذهب إلى نوادی القمار فی فرنسا حیث یبددها أبناء الملوک و الأمراء السعودیون الذین احتکروا تجارة الحج فتنتعش تلک النوادی و تتطور بهذه الطریقة.
إن سفر الحج و العمرة سفر معنوی مقدس له أثر کبیر فی نضج الإنسان و تکامل معارفه و اطلاعه على تاریخ الإسلام و ثقافته و ارتباطه بخالقه، إن نفقات الحج و العمرة و الثروات التی تخرج من البلد کل عام فی هذا السبیل أمر لا یمکن إنکاره، و لکن بالنظر إلى برکات و آثار هذا العمل المعنوی و کذلک حاجة الإنسان إلى السفر فی هذه الأیام لا یمکن القول بتعطیل هذا السفر. و الطریق الوحید لتقلیل نفقات الحج و العمرة هو إشاعة الثقافة الصحیحة و الحد من النفقات الکمالیة و غیر الضروریة.
إن سفر الحج و العمرة سفر معنوی مقدس له أثر کبیر على نضج الإنسان و تکامل معارفه و اطلاعه على تاریخ الإسلام و ثقافته و ربطه بخالقه و هذا الأمر لا یمکن إنکاره.
و یحتمل أن یکون هذا الأثر هو السبب فیما نجده من تأکید و ترغیب فی آیات القرآن و الروایات على الحج و العمرة، و قد جعل القرآن الکریم حج التمتع واجباً على کل مستطیع یتمکن من أداء هذا الحج[1]. و قد قال أئمتنا أن من یترک حجه الواجب و یموت على هذه الحالة فإنه یموت على غیر دین الإسلام[2]. و کذلک ورد عندنا الترغیب و الحث على الإتیان بالعمرة المستحبة.
إن نفقات الحج و العمرة و الثروة التی تخرج بسببها خارج بلدنا أمرٌ واقعی و غیر قابل للإنکار، و لکن لا بد من التوجه إلى الأمور التالیة:
أولاً: إن حج التمتع عبادة واجبة على المستطیعین و لیس من الممکن منع هذا التکلیف و الفریضة الإلهیة بحجة النفقات و الأموال التی تخرج من البلد.
ثانیاً: إن القسم الأکبر من النفقات التی أشرتم إلیها هی نفقات جانبیة لهذا السفر المعنوی، و إلا فإن السفر العادی المتعارف دون شراء الهدایا أو شراء القلیل منها لا یکلف کل هذه الأموال و المصاریف، و لحل هذه المشکلة لا بد من إشاعة ثقافة الاقتصاد لرفع مستوى المواطنین فی هذا المجال. و لابد لنا أن نعترف و بمرارة أن النفقات التجمیلیة و الکمالیة أصبحت الیوم تثقل کاهل أکثر الأسر و العوائل الإیرانیة و هی من الآفات التی تضر باقتصاد البلد، و من أجل إیجاد حل لهذه المعضلة لا بد من تحرک جاد و شامل لجمیع المؤسسات الثقافیة، و إن منع الحج و العمرة لا یحل هذه المشکلة المتفاقمة.
ثالثاً: إن قسماً من نفقات الحج و العمرة الضروریة کالأطعمة الضروریة و غیرها من احتیاجات الزائرین الإیرانیین ترجع مرة أخرى إلى البلد، لأن منظمة الحج و الزیارة ـ و لحسن الحظ ـ تمکنت من تأمین القسم الأعظم من احتیاجات الحجاج من داخل البلد و تصدیرها إلى السعودیة.
رابعاً: إن قسماً من هذه النفقات المالیة یذهب لشراء الهدایا و أکثرها من السلع المصنعة فی الصین، و على الرغم من أن هذه المواد لیست ذات قیمة، و لکن و مع الأسف نجدها فی أسواق بلدنا العزیز بأسعار أعلى مما هی علیه فی العربیة السعودیة، و لو لم یشترها الحجاج من السعودیة فإنهم سوف یبذلون أموالاً أکثر لشرائها من داخل البلد. و على أی حال فسواء تعطل الحج و العمرة أم لم یتعطل فإن المواطن سوف یشتری هذه البضائع و سوف تخرج الأموال و العملة الصعبة بسبب شرائها من البلد، مع تهیئة هذه البضائع فی داخل إیران تکون کلفته أقل بکثیر من العملة الاجنبیة، و لذلک على المسؤولین إیجاد حل لهذه المسألة، فإما أن یؤمنوا هذه البضائع فی داخل البلد أو یعمدون إلى صناعة و تولید هذه الأشیاء المرغوبة و المطلوبة فی داخل البلد و بقیمة رخیصة و مناسبة للمشتری.
خامساً:
إن السفر و السیاحة من الحاجات الضروریة للبشر فی هذه الأیام و تکلف اقتصاد الفرد و الأسرة و البلد نفقات کبیرة. إن ما ینفقه بعض مواطنینا من أموال لأجل السفر إلى العدید من البلدان کترکیا و الإمارات و مالیزیا و الدول الأوربیة أموال لیست بالقلیلة. فی حین تکون نفقات الحج و العمرة قلیلة إذا حسبنا محدودیة وقتها قیاساً بتکالیف السفر إلى البلدان الأخرى، یضاف إلى ذلک الوضع الخاص الذی تتمتع به العربیة السعودیة بلحاظ الانضباط الأخلاقی الظاهری و عدم وجود التحلل و التبرج فی أجوائها فإن الکثیر من الناس یفضلها على غیرها فی سفره السیاحی حفاظاً على نفسه و أولاده، و لو فرضنا منع هذا السفر فإن البدیل سفر قد نبتلى فیه بمواجهة الفحشاء و المنکر و الفساد فی بعض البلدان کهدیة نجلبها إلى بلدنا. و على هذا الأساس فالطریق الوحید الذی نقلل فیه من مصاریف و نفقات سفر الحج و العمرة هو إشاعة الثقافة باتجاه ترشید النفقات و الاقتصار على الضروری منها دون الکمالیات.
[1]آل عمران، 97: «و لله على الناس حِج البیت من استطاع إلیه سبیلاً و من کفر فإن الله غنی عن العالمین».
[2]عن أبی عبد الله (ع) قال من مات و لم یحج حجة الإسلام لم یمنعه من ذلک حاجة تُجحف به أو مرضٌ لا یطیق فیه الحج أو سلطانٌ یمنعه فلیمت یهودیاً أو نصرانیاً؛ کلینی محمد بن یعقوب، الکافی ج: 4 ص: 269، دار الکتب الإسلامیة.