یتکفل العرض و الطلب بتحدید قیمة السلع التجاریة فی النظام الاقتصادی الإسلامی، و لکن هذا السوق مراقب و مضبوط فی إطار قوانین شرعیة ثابتة و قوانین حکومیة متغیرة. و لکن إذا ما رأت الدولة أن تعیین قیمة لبعض السلع طبقاً لمصالح الإسلام و المسلمین فلها أن تتخذ مثل هذا الإجراء.
"الحریة الاقتصادیة" أساس من الأسس الاقتصادیة فی الإسلام، فلکل فرد أن یمارس فعالیته الاقتصادیة شریطة أن یکون عمله ضمن دائرة الحدود الشرعیة الإسلامیة و مراعاة المقررات الشرعیة. و مع أن الحریة الاقتصادیة اصل من أصول الاقتصاد الإسلامی إلا أنها مؤطرة بحدود الله و قوانینه، و هذا أمر منطقی و عقلانی لأن الإنسان یصل إلى رشده و تکامله عندما یعیش فی فضاء الحریة مما یساعد على تنامی ملکاته و مواهبه کما ینبغی. و من جهة أخرى فإن قصور الإنسان عن تشخیص مصالحه و مصالح الآخرین بشکل دقیق، فإن إعطاءه الحریة من دون تحدیدها بضوابط الدین و الشرع فمن الممکن أن تحمله الرغبة فی الحصول على المنافع العاجلة إلى تدمیر أسس السعادة لنفسه و لمجتمعه، و ذلک من خلال سعیه للتسلط على الآخرین و الاستئثار بالموارد بعیداً عن کل قیم الأخلاق المعنویة.
و کذلک فإسلام یخالف الشیوعیة من جهة مصادرة الحریة الاقتصادیة بشکل کامل بالنسبة للفرد اعتقاداً منها بالإضرار بالمجتمع، و لا هو کالرأسمالیة التی تعطی کامل الحریة للأفراد دون قید أو شرط فی ممارسة نشاطهم الاقتصادی، مما یسهل على الإنسان ممارسة أسالیب لا أخلاقیة فی دائرة الفساد و الإفساد. و کما یقول الشهید الصدر فإن الإسلام سلک طریقاً وسطاً، یعطی الحریة إلا أنه ینقیها و یراقبها و یصقلها، لیصنع منها وسیلة لصلاح الإنسانیة و خیرها.[1]
فی الاقتصاد الرأسمالی فإن القیمة فی السوق یحددها العرض و الطلب حیث یعتقد الاقتصادیون الرأسمالیون أن إعطاء الحریة الکاملة دون أن توضع علیه القیود و الشروط حتى من قبل الدولة یؤدی إلى أن یصل إلى قیمة عادلة من خلال عرض صاحب السلعة و طلب الربح من جانب، و طلب المشتری و مقدار احتیاجه للسلعة، و حیث إن هدف الرأسمالیة تأمین الحد الأعلى من الربح فإن هذه القیمة تؤمن الهدف.
و مع أن الإسلام یقر مبدأ العرض و الطلب فی تعیین قیمة السلع إلا أنه یحدد ذلک بجملة قوانین شرعیة ثابتة و أخرى حکومیة متغیرة تحدد الدولة و نظامها الاقتصادی و من الطبیعی أن یکون للدولة الحق فی تعیین أسعار بعض السلع إذا ارتأت أن فی ذلک تحقیق لمصالح الإسلام و المسلمین و أن المراد من القیمة لا بد و أن یکون منسجماً مع مصالح الإسلام و المسلمین و القوانین الخاصة بذلک. و علیه فإن ارتفاع الأسعار بسبب احتکار السلع أو انخفاضها بسبب الاستیراد العشوائی المضر بالسلع الوطنیة أمران غیر مرادان و لا مسموح بهما فی النظام الاقتصادی الإسلامی[2].
کما أن النظریة التی تقول أن للحاکم الشرعی أن یحدد قیمة المواد و السلع فی إطار شروط خاصة تلقى تأییداً من قبل مجموعة من الفقهاء منهم: الشیخ المفید فی المقنعة[3]، الشهید الأول فی اللمعة، الثانی فی شرحها[4]، الإمام الخمینی فی تحریر الوسیلة[5]، ولده السید مصطفى فی شرحها[6] و آیة الله الگلپایگانی فی شرح وسیلة النجاة[7]...[8].
[1] هادوی الطهرانی، مهدی، مکتب ونظام اقتصادی إسلام، ص 140 و 141؛ الصدر، السید محمد باقر، اقتصادنا، ص 298.
[2] هادوی الطهرانی، مهدی، مکتب و نظام اقتصادی إسلام، ص 207.
[3] الشیخ المفید، المقنعة، ص 616.
[4] الشهید الثانی، زین الدین بن علی بن أحمد العاملی، الروضة البهیة (الطبعة الجدیدة)، ج3، ص299.
[5] الامام الخمینی، تحریر الوسیلة، ج 1، ص 502، کتاب المکاسب و المتاجر، مسألة 23.
[6] الخمینی، السید مصطفى الموسوی، مستند تحریر الوسیلة، ج1، ص 483.
[7] الأصفهانی، السید أبو الحسن، وسیلة النجاة (مع حواشی الگلپایگانی) ج1، ص17.
[8] الجدیر بالذکر ان هذه المسالة من المسائل الاجتهادیة التی تتضارب فیها الآراء من هنا نرى بعض الفقهاء ذهبوا الى انه لایحق لای شخص ان یحدد الاسعار حتى الامام المعصوم منهم: الشیخ الطوسی فی المبسوط ج2 ص 195 فصل فی حکم التسعیر؛ ابن ادریس الحلی فی السرائر، ج2،ص 239؛ العلامة الحلی فی التذکرة،ج1، ص 585؛ الشیخ الانصاری فی المکاسب الطبعة الجدیدة، ج 4، ص 373 و غیرهم.