لاریب أن الدراسة العرفانیة للانسان تعد من بین الدراسات الدینیة و المعرفة الالهیة، من أکمل الدراسات و أعمق الابحاث فی هذا الخصوص، فهو یدرس شخصیة الانسان و المکانة و المنزلة التی یحتلها بین سائر مکونات عالم الوجود، کما یدرس السبل التی تأخذ بید الانسان الى الکمال..
فللانسان فی العرفان منزلة و مقام سام بنحو یستطیع من خلال السیر و السلوک الرجوع الى ذلک الاصل الذی صدر منه حتى یصل الى مرحلة الفناء التی لا یرى فیها الا الله تعالى، فیکون حینئذ مظهراً لأسماء و صفات الله تعالى و مرآةً للحق تعالى.
ثم ان الحقیقة الالهیة الجامعة بین تمام افراد الانسان هی کلّی "الانسانیة"؛ و الانسانیة، هی الحقیقة التی لا تتعدد و لا تتکثر بتعدد الافراد.
تعد الزاویة العرفانیة من الزوایا و الاتجاهات التی درس الانسان فیها، فقد وقع البحث حول مکانة الانسان فی الاتجاه العرفانی، و لاریب أن الدراسة العرفانیة للانسان تعد من بین الدراسات الدینیة و المعرفة الالهیة، من أکمل الدراسات و أعمق الابحاث فی هذا الخصوص، و أن دور العرفان الربانی فی هذا المجال مهم و فاعل جداً؛ و ذلک لان العرفان یسلک طریق الشهود و العلم الحضوری فی ابحاثه، و من خلال هذه الطریق ینطلق لمطالعة و دراسة الامور و القضایا التی یروم الخوض فیها، و منها دراسة شخصیة الانسان و المکانة و المنزلة التی یحتلها بین سائر مکونات عالم الوجود.
هذا النوع من المعرفة یعنى بمعرفة الانسان بنحو مطلق و الانسان الکامل بنحو خاص بالاضافة الى دراسة السبل الموصلة الى الکمال؛ من هنا، لم یبحث العرفاء مفردة "الانسان" بعنوان کونها موضوعاً عرفانیاً، بل انصب البحث عندهم على معرفة حقیقة الانسان و معناه، و الذی هو اشرف المخلوقات و أفضلها الممثل لعصارة الخلق، و صاحب تلک المنزلة السامة التی نال فیها مقام خلافة الله فی الارض کما أشار القرآن الى تلک الحقیقة بقوله "انی جاعل فی الارض خلیفة".
للانسان فی العرفان منزلة و مقام سام بنحو یستطیع من خلال السیر و السلوک الرجوع الى ذلک الاصل الذی صدر منه حتى یصل الى مرحلة الفناء التی لا یرى فیها الا الله تعالى، فیکون حینئذ مظهراً لأسماء و صفات الله تعالى و مرآةً للحق تعالى؛ وذلک لان الانسان فی الاساس و بالذات کان خلیفة و مظهراً لاسماء الله تعالى؛ کما ورد ذلک فی القرآن الکریم: (وَ إِذْ قالَ رَبُّکَ لِلْمَلائِکَة إِنِّی جاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلیفَة...)[1] و لاریب أن الانسان الکامل المتمثل فی الانبیاء و الائمة الاطهار (ع) هو النموذج البارز و الأتم لاسماء الله و صفاته.
إن مکانة الانسان الکامل فی الکون کمکانة الشذرة (العقیق) فی الخاتم التی ینقش فیها ختم السلطان فیختم بها خزائنه لیمنع الآخرین من التصرف فیها.[2] فالانسان الکامل یمثل واسطة الفیض بین الله تعالى و سائر المخلوقات و مع عدم وجود الانسان الکامل لا تستطیع سائر المخلوقات تلقی الفیض الالهی مباشرة.[3]
الحقیقة الالهیة الجامعة بین تمام افراد الانسان هی کلّی "الانسانیة"[4]؛ و الانسانیة، هی الحقیقة التی لا تتعدد و لا تتکثر بتعدد الافراد.[5]
بعبارة أخرى، الانسانیة کلی الطبیعی التی تصدق على کل فرد من افراد النوع الانسانی فلا تفاضل بین الافراد من هذه الجهة، و اما طبیعة الانسانیة فلا تتعدد بتعدد الافراد و الاشخاص.[6]
فمن وجهة العرفان و العرفاء لایصل الانسان الى مراتب الانسانیة العالیة، الا اذا تمکن من تحویل کل ما فی القوة الى الفعلیة حتى یتمکن من التحول الى الانسان الکامل. فمن أهمل مکانته الانسانیة و لم یتمکن من السیطرة على نفسه و التحکم بغرائزه، و یخضع لضغوط الاهواء و المیول فیترکها حرة تفعل ما تشاء و لم یروض نفسه و میوله النفسیة ولم یجعلها تابعة لأوامر العقل و الوجدان الصحیح، فلاریب أنه سیبتعد عن ساحل الانسانیة حتى یتسافل الى درجات یتحول فیها الى مرتبة أدنى من الحیوان و یسقط فی الحضیض مبتعداً فی ذلک عن أصله و حقیقته.
إذن، لابد من الالتفات الى کون الانسان متوفراً بالقوّة على جمیع الاستعدادات و الکمالات التی ینبغی له تفعیلها و إخراجها من الفعلیة الى القوّة، و من هنا یکون الانسان معمار نفسه و مصصم مکانته التى یروم الحصول علیها.
ولمعرفة مکانة الانسان و منزلته فی عالم الوجود انظر المواضیع التالیة:
1. «الانسان و الکرامة»، السؤال 1923 (الرقم فی الموقع: 374)؛
2. «کرامة الانسان و مکانته عند الله تعالی»، السؤال 16607 (الرقم فی الموقع: 16383)؛
3. «الانسان و مقام الخلیفة»، السؤال 2058 (الرقم فی الموقع: 2370)؛
4. « الخلافة الالهیة و تغییر مکانة الانسان»، السؤال 3524 (الرقم فی الموقع: 3750).
[1] البقرة، 30.
[2] حسن زاده آملی، حسن، ممد الهمم در شرح فصوص الحکم، ص 22، نشر: وزارة الثقافة و الارشاد الاسلامی، طهران، الطبعة الاولی، 1378 ش.
[3] لمزید الاطلاع انظر: الربوبیة و الانسان الکامل، رقم السؤال5685 (الرقم فی الموقع: 6422).
[4] پارسا، خواجه محمد، شرح فصوص الحکم، ص 47، مرکز نشر الجامعة، طهران، الطبعة الاولی، 1366 ش.
[5] پارسا، خواجه محمد، شرح فصوص الحکم، ص 208.
[6] پارسا، خواجه محمد، شرح فصوص الحکم، ص 208.