من أجل الحصول على إجابة مناسبة لا بد من إیضاح و بیان عدة نقاط:
1- فی البدایة لابد أن نعرف ما هو الهدف من خلق الإنسان حتى نعلم أنه إذا لم یحصل هذا الهدف تکون حیاة الإنسان عبثیة و لا مبرر لها.
2- لدینا نماذج من بنی البشر تمکنوا من بلوغ ذروة الکمال و تربعوا على قمة الهرم الإنسانی و هم غیر متزوجین، و قد أشرنا إلى بعضٍ منهم فی الجواب التفصیلی.
3- إن الدنیا قائمةٌ على أساس قوانین العلیة (العلة و المعلول) فلو أن شخصاً ألقى حجراً وصک الحجر مفرق شخص آخر فمن الطبیعی أن یشج المفرق بالحجر، و فی مثل هذه الحالة لا یمکن القول أن الذنب و التقصیر من قبل الطبیعة و الطالع و الحظ و... و إنما هذه سنة إلهیة و قانون طبیعی و الجمیع مختارون، و الکل مسؤول عما یقوم به من عمل.
و فی کثیرٍ من المواطن یکون المجتمع أو الأسرة أو المدرسة أو الأم و الأب سبباً فی انحراف الأبناء أو منع تقدمهم، و ذلک بسبب بعض الآداب و العادات و الرسوم الخاطئة، أو التفصیر فی أداء المسؤولیة الملقاة علیهم، و لا علاقة للدین و الشریعة بذلک، و علیه فلا ینبغی أن نلقی بتبعة مثل هذه الأمور على الدین.
وفی رأینا على الفتیات أن یحضرن فی المجالس العامة کصلاة الجمعة و غیرها مع الحفاظ على العفة و الکرامة، بل و حتى الحضور مع شیء من التجمل و الزینة و الملابس الأنیقة فی مجالس النساء، فإن ذلک یبعث على التعرف علیهن من قبل الآخرین و یکون سبباً فی طلب أیدیهن من قبل النساء اللواتی یبحثن عن زوجات لأبنائهن أو لأقاربهن، و بذلک یسهل اقتران الفتیات، و أما فیما یخص نظرات الآخرین وآرائهم فیمکن تجنبها و عدم الاعتناء بها إذا ما کانت الفتاة سائرةً فی طریق طاعة الله و عبادته و جلب رضاه و نظره و التوکل علیه، فلا تبقى أی أهمیة لنظر الآخرین و ما یقولون.
نظراً لعدم توفر أی معلومات لدینا عن خصوصیات شخصکم أو أسرتکم أو المحیط الذی تعیشون فیه، لذلک سوف نعمد إلى بیان مجموعة من المسائل الکلیة العامة اعتماداً على تعالیم الاسلام و أحکامه.
و من أجل الحصول على جواب قوی و مناسب لابد من الإشارة إلى عدد من النقاط الضروریة و الهامة:
1- فی البدایة لا بد لنا أن نعرف الهدف الأساسی لخلق الإنسان حتى نعلم عند عدم تحققه أن الحیاة قد صارت عبثیة و لا معنى لها.
لا شک أن للزواج دوراً أساسیاً و محوریاً فی حیاة الإنسان و لکن علینا أن نعتقد أن الزواج لا یمثل کل شیء فی حیاة الإنسان، أی أن الإنسان إذا لم یتزوج فلا یعنی ذلک أنه خسر سعادة الدنیا و الآخرة، فمن الممکن أن لا یکون الإنسان قد تزوج إلا أنه یرتقی فی مدارج الکمال، و علیه فإن الجمل والعبارات التی وردت فی کلامکم لا تنسجم مع نظرة الدین و لا مع تعالیمه، و الإنسان المؤمن لابد أن یکون راضیاً و مطمئناً فی حیاته على کل حال.
2- إن تاریخ البشر یحتوی على الکثیر من النماذج الإنسانیة الراقیة التی تمکنت من بلوغ مدارج الکمال العلیا و التربع على قمة الهرم الإنسان و لم یکونوا متزوجین، و بالإمکان الإشارة إلى بعضٍ منهم:
أ- عیسى (ع) على الرغم من أنه نبی من أنبیاء الله و من أولی العزم الذین جاءوا بالشرائع إلا أن بقی مجرداً طیلة حیاته و لم یتزوج.
ب- مریم بنت عمران، یقول القرآن فیها: «قَالَتْ رَبِّ أَنَّى یَکُونُ لِی وَلَدٌ وَ لَمْ یَمْسَسْنِی بَشَرٌ قَالَ کَذَلِکِ اللَّهُ یَخْلُقُ مَا یَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا یَقُولُ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ»[1]، و لکننا مع ذلک نجد أن مریم بنت عمران (ع) مع کونها امرأةً و لم یمسسها بشرٌ و لکنها بلغت قمة التکامل البشری و التی عجز الکثیر من الرجال عن بلوغها.
و قد ورد فی القرآن الکریم فیما یخص مریم (ع): «فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَ أَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَ کَفَّلَهَا زَکَرِیَّا کُلَّمَا دَخَلَ عَلَیْهَا زَکَرِیَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ یَا مَرْیَمُ أَنَّى لَکِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ یَرْزُقُ مَنْ یَشَاءُ بِغَیْرِ حِسَابٍ»[2].
ج- یحیى(ع)، یقول المرحوم القطب الراوندی فی الخرائج والجرائح:( إن یحیى بن زکریا على نبینا و علیهما السلام أوتی الحکم صبیا و کان یبکی من غیر ذنب و یواصل الصوم و لم یتزوج )[3].
د- المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر، و لم تکن معصومة وحدها لم تتزوج، و إنما جمیع بنات الإمام موسى بن جعفر (ع) لم یتزوجن[4]، و أیاً کان السبب فی عدم زواج السیدة معصومة سواءٌ وجود الحصار الشدید من قبل هارون الرشید و ولده المأمون أو سجن الإمام موسى بن جعفر (ع) المنتهی بشهادته أو أی سبب آخر) و المهم فی الأمر أننا لم نسمع عن هذه السیدة الکبیرة و لم ینقل عنها أی شکوى أو اعتراض أو توبیخ لأحد أو عتب أو اضطراب.
هـ- و کذلک توجد نساء فی تاریخنا المعاصر لم تکن قد تزوجت إلا أنها بلغت درجات عالیة فی میدان العلم و المعرفة و قدمت خدمات جلیلة للمجتمع فی مجال الثقافة و السیاسة، ولعل آمنة الصدر (بنت الهدى) شقیقة الشهید محمد باقر الصدر خیر مثال على ذلک، کان عمرها 45 سنة حین استشهادها و مع ذلک فإنها غیر متزوجة.
و من الجدیر بالذکر أننا لسنا فی مقام بیان فضیلة و میزة لعدم الزواج، لأن الزواج قانون الفطرة و الطبیعة و قوام التناسل، و لکن ما نؤکد علیه هو أن الإنسان الذی لم یتزوج فلیس معنى ذلک أن طریق السعادة موصد بوجهه، و إنما یمکن للإنسان أن لا یتزوج و مع ذلک بإمکانه أن یرتقی على سلم الکمال ویصل إلى سعادة الدنیا والآخرة.
3- إن الدنیا قائمة على أساس قوانین العلیة (العلة و المعلول) –تکمل من الجواب الإجمالی- و هنا نشیر إلى بعض النماذج و الأمثلة:
أ- إذا أقدم بعض الوالدین و بدافع التعصب لبعض الأعراف و المفاهیم الخاطئة على عدم إرسال بنته إلى المدرسة مما یسبب فی تخلف البنت من الناحیة العلیمة عن أقرانها و مجتمعها، فهل هذا ذنب الدین و القائمین علیه؟
ب-إذا کان للولد رغبة بالأعمال الفنیة و الهندسیة، و لکن أمه و أباه یدفعانه إلى دراسة الطب لأن ابن عمه الولد أو ابنة خاله البنت تدرس فی هذا المجال، فمن هو المسؤول عن عدم موفقیة هذا الولد أو هذه البنت و الإخفاق فی دراسته؟
ج- إذا انجرف أحد الشباب إلى مستنقع الاعتیاد بسبب أصحاب السوء خارج المنزل أو فی المدرسة، فهل أن مسؤولیة ذلک تقع على الجبر أو على الله؟
و على هذا الأساس فیجب علینا فی کثیر من الأمور أن نفرق بین عمل الناس و ما یفعله الخالق، و لیس من الحقیقة القول أن الجبر هو الحاکم أو أن أحداً لم یکن مسؤولاً إزاء أعماله.
د- إن الإسلام دین الوسطیة، و ما فتئ یحذر اتباعه من الإفراط و التفریط، و کذلک الأمر بالنسبة إلى البنات، فإنه من الواجب أن لا یتم عرض البنت على الآخرین دون تحفظ، و من جهة أخرى لا تتخذ الغیرة و حفظ الناموس مانعاً لأی تماس واحتکاک للبنات بالآخرین حتى المحارم منهم أو الاختلاط مع النساء و معاشرتهن، فمن باب المثال ما المانع من حضور الفتاة فی المجالس العامة و الخاصة بملابس مرتبة و أنیقة مع الحفاظ على العفة و الکرامة و الالتزام بالحجاب الشرعی، بل و حتى مع قدر من التجمل و الزینة فی المجالس الخاصة بالنساء، فإن مثل هذا الحضور یکون سبباً لتعرف الآخرین على البنت و قد یفضی ذلک إلى طلب یدها من قبل النساء اللواتی عرفنها لأبنائهن أو أبناء أقاربهن أو معارفهن و بذلک تتوفر لهن أسباب الزواج.
إن الفتاة التی تنطوی على نفسها و تبتعد عن مخالطة المجتمع أو تظهر بمظهر غیر مناسب و لا تعتنی بجمالها و زینتها سوف تساهم فی تقلیل فرص الاقبال علیها، فهل هذا یعنی أن الحیاة أصبحت تسیر بموجب الجبر؟!
هـ- أما فی صدد نظر الآخرین و کلامهم و یعنون به فبالإمکان تجاوز ذلک من خلال الالتزام بطاعة الله و العبودیة له، لنکون بذلک عباداً صالحین نحظى برضا الله تعالى ونتوکل علیه، و بذلک لا یبقى فی أنفسنا أی اعتبار لما یقول الآخرون أو ما یعنون.[5]
و علیک ألا یسیطر علیک الیأس و فقدان الأمل، لأن الیأس أمر غیر محمود.[6] بل علیک أن تکونی على أمل دائم برحمة الله و فضله، و بالمناسبة یوجد دعاء لحل عقدة مثل هذا الأمر نأمل أن تتوصلی إلى مرادک بقراءة هذا الدعاء و التوسل إلى الله سبحانه.[7]
[4] یراجع فی هذا الصدد مقالة "اهمیة الزواج فی الاسلام".
[5] الطلاق،3 " وَ مَنْ یَتَوَکَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِکُلِّ شَیْءٍ قَدْرا".
[6] یوسف،87 " وَ لا تَیْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا یَیْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْکافِرُونَ ".
[7] انظر مقالة: الدعاء لطلب الزوج المناسب، رقم السؤال 6782 (الموقع: 6884).