لمقام الربوبیة نسب و مراتب و معان مختلفة، و للإجابة عن هذا السؤال لا بد من أخذ جمیع المراتب و المعانی بنظر الاعتبار. فإذا کان المراد بالوصول إلى الربوبیة بمعنى انقلاب الذات و تبدل المخلوق إلى خالق، فإن هذا أمرٌ بدیهی البطلان و ادعاء مرفوض. و لکن یمکن لهذا الکلام أن یکون إشارة للروایة المنقولة عن الإمام الصادق (ع) و التی یقول فیها «العبودیة جوهرة کنهها الربوبیة» و معنى هذا الکلام الوصول إلى منتهى العبودیة و الفناء، و لیس فی هذا ادعاء للربوبیة.
لمقام الربوبیة نسب و مراتب و معان مختلفة، و للإجابة عن هذا السؤال لا بد من أخذ جمیع هذه المراتب و المعانی بنظر الاعتبار، فإذا کان المراد من وصول الإنسان إلى الربوبیة بمعنى انقلاب الذات و تبدل المخلوق إلى خالق، فمن البدیهی أن هذا أفتراض باطل و ادعاء مرفوض و توهم لا أساس له، کما ورد فی القرآن الکریم أن فرعون ادعى الربوبیة فکان مصیره الخسران کما فی قوله تعالى: «فقال أنا ربکم الأعلى، فأخذه الله نکال الآخرة و الأولى»[1].
و لکن ما یذکر فی أبحاث العرفان فی باب تجلی الصفات الربوبیة و غیر ذلک هو أمر آخر و کلام مختلف و له علاقة بالروایة المنقولة عن الإمام الصادق (ع) «العبودیة جوهرة کنهها الربوبیة»[2]. و قد ورد فی کلام العرفاء ما یشبه هذا الکلام و قد بین بالتفصیل هناک.
و هذا الکلام فیه إشارة إلى أعلى المقامات و المراتب التی یصلها الإنسان، فبعد فنائه یبقى ببقاء الله، و مقام البقاء بعد الفناء لا یعنی أن الإنسان یتبدل إلى إله أو أنه یصل إلى مرتبة الإلوهیة و إنما یعنی أن العارف بعد الفناء و التخلی عن ذاته یصبح محلاً لتجلی الصفات الإلهیة.
و على هذا الأساس فلا یمکن للإنسان أن یصل إلى مرتبة الربوبیة بأی شکل من الأشکال، و لکن یفنی ذاته فیظهر الله ربوبیته و یجلیها فی هذا الإنسان الفانی و کما یقول العرفاء ما دام الوجود باقیاً فلا إمکان للتجلی الربوبی فی العبد. بمعنى أن العبد یبقى عبداً و أن الرب یبقى رباً، و لا یمکن الجمع بینهما.
و قد أشیر إلى هذا المقام فی بعض الروایات و من جملة ذلک الحدیث القدسی المشهور: «لا یزال العبد یتقرب إلی بالنوافل و العبادات حتى أحبه فإذا أحببته کنت سمعه الذی یسمع له و بصره الذی یبصر به و یده التی یبطش بها، و رجله التی یمشی بها»[3] .
کما أن مراجعة و دراسة الروایات و الزیارات و الکلام المتعلق بمراتب المعصومین و مقاماتهم یدل على أن هذا المقام السامی یتجلى بکل عظمته و أوجه فی شخصیات الأئمة المعصومین (ع) و من جهة أخرى هناک القاصرون عن إدراک مثل هذا الکلام ممن یرون فیه جنوحاً إلى الغلو، و قد یأتی الکلام عن هذه الروایات من هذه الزاویة فی محله.
و من هذا القبیل ورد فی کلام بعض العرفاء بیان لهذه المقامات و المرات ببیان فلسفی و حکمی. منهم الملا صدرا فی کتابه إیقاظ النائمین فی بیان سفر العرفانی السالک إلى الله، و حین یصل إلى مقام التوحید یقول:
« قیل هذا التوحید عبارة عن ستر وجه العبودیة بوجه الربوبیة و اختفاء کوکب ذاته عند وجود شمس العظمة و الکبریاء و یکون الرب ظاهرا و العبد مخفیا ... و قد یکون تبدیل الصفات البشریة بالصفات الإلهیة دون الذات فکلما ارتفعت صفة من صفاتها قامت صفة إلهیة مقامها فیکون الحق سمعه و بصره کما نطق به الحدیث المشهور و یتصرف فی الوجود بما أراد الله »[4].
و کتب کذلک الملا علی النوری فی هذا الباب:
(فحینئذ صار العبد مصدوقة قوله (ص): خلق الله آدم على صورته، و منزلة صورة الشیء منه منزلة الوجه و الظل من الکنه و الحقیقة، کما قال الصادق الامین علیه السلام: العبودیة جوهرة کنهها الربوبیة، و من ها هنا اشار الى منزلته من حضرة الحق الحقیقى، حیث قال: من رآنی فقد رأى الحق، و قال الصادق فی قوله تعالى: کُلُّ شَیْءٍ هالِکٌ إِلَّا وَجْهَهُ: نحن الوجه ... و من ها هنا قال قبلة العارفین على أمیر المؤمنین معرفتی بالنورانیة معرفة الله، اذ منزلة نورانیته علیه السلام من حضرة ذات نور الانوار الواحد القهار منزلة صوره الشیء و وجهه...)[5]
و قد تکلم العرفاء فی منظومهم و منثورهم عن هذا المقام منهم السید حیدر الأملی حیث کتب بخصوص تعریف مقام (الولایة الخاصة) فی العرفان:
(فالولایة الخاصّة عبارة عن فناء العبد فی الحقّ. و الولىّ هو الفانی فیه (أی فی الحقّ)، الباقی به. و لیس المراد بالفناء هنا انعدام عین العبد مطلقا، بل المراد منه فناء الجهة البشریّة فی الجهة الربّانیّة، إذ لکلّ عبد جهة فی الحضرة الإلهیّة، هی المشار إلیها بقوله «وَ لِکُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّیها» الآیة. و ذلک لا یحصل الا بالتوجّه التامّ الى جناب الحقّ المطلق سبحانه، إذ به تقوى جهة حقّیّته، فتغلب جهة خلقیّته الى أن تقهرها و تفنیها بالاصالة، کالقطعة من الفحم المجاورة للنار).
و على هذا الأساس فالإنسان الکامل مظهر للصفات الإلهیة، و إن الإنسان فی کماله النهائی یمکن أن یکون خلیفة الصفات الإلهیة، إذن فالصفات الإلهیة تتجلى فی الإنسان فی مرتبة الفناء. و هذا لا یعنی القول بربوبیة الإنسان، بل هو تجلی الله فی الإنسان، و ذلک غیر الاتحاد أو الانقلاب فی الذات کما أشرنا لذلک فیما تقدم.