من غیر الصحیح القول بان الشیعة ترفض الاجماع مطلقا، بل هناک بعض الاجماعات مقبولة لدیهم؛ و من هنا جاء عدّ الاجماع فی کتب اصول الفقه من ضمن مصادر التشریع بعد القرآن الکریم و السنة المطهرة و العقل.
ثم إن اعضاء مجلس صیانة الدستور مع کونهم مجتهدین لکنهم لا ینطلقون فی عملیة التصویت على القوانین من حیثیة کونهم مجتهدین و مفتین، بل عملهم منصب على تشخیص کون القوانین هل هی متطابقة مع الشریعة و القانون الاساسی او مخالفة لها.
فهؤلاء الاعضاء ممثلون و نواب عن القائد فی تشخیص مطابقة القوانین مع الشریعة و القانون الاساسی، و لیس الملاک فی القضیة الکثرة او القلة فی مجلس صیانة الدستور، بل الملاک رأی القائد فی مشروعیة القوانین.
و بهذا اتضح ان الفارق الاساسی بین مبانی الاجماع و مجلس صیانة الدستور کبیرة جدا، و انه لا علاقة بین الاجماع و بین رأی الاکثریة فی مجلس صیانة الدستور.
لابد من الالتفات الى نکتة مهمة و هی أنه یوجد بین استنباط الحکم الشرعی الکلی من مصادرة الشرعیة و بین تطبیق ذلک الحکم المستنبط على مصادیقه، فارق کبیر جداً و أساسی. و لکی تتضح هذه الفکرة و الوصول الى الاجابة المناسبة، لابد من الاشارة الى الأمور التالیة:
1. من غیر الصحیح القول بان الشیعة ترفض الاجماع مطلقا، بل هناک بعض الاجماعات مقبولة لدیهم؛ و من هنا جاء عدّ الاجماع فی الکتب الاصول من ضمن مصادر التشریع بعد القرآن الکریم و السنة المطهرة و العقل.
2. الاجماع الذی ذهب الیه علماء السنة فی اثبات الحکم الشرعی و رفضه الفقهاء الشیعة هو الاجماع الذی لا یقوم على دلیل معتبر و انما ینطلق من القیاس و الاستحسان لاستنباط حکم شرعی کلی و اعطاء فتوى عامة فی القضیة المبحوث عنها.
3. الکثیر من القواعد الفقهیة کقاعدة "لا ضرر" بیّنت بطریقة کلیة و على کلیتها لوحظت فی القوانین المطروحة أیضا.
فعلى سبیل المثلا عندما نعود الى الاصل الاربعین من دستور الجمهوریة الاسلامیة (القانون الاساسی) حول القاعدة المذکورة نراه یصرح بنحو کلی: "لا یحق لأحد أن یجعل من ممارسة حقٍّ من حقوقه وسیلة للإضرار بغیره، أو الاعتداء على المصالح العامة".[1]
4. جاء فی المادة الرابعة من دستور الجمهوریة الاسلامیة: "یجب أن تکون الموازین الاسلامیة الشرعیة اساس جمیع القوانین و القرارات المدنیة و الجزائیة و المالیة و الاقتصادیة و الاداریة و الثقافیة و العسکریة و السیاسیة وغیرها"[2]. هذا "و یتولى الفقهاء فی مجلس صیانة الدستور تشخیص ذلک".[3]
اما الاصل السابع بعد المئة من الدستور فیصرح بانه " تُوکل مهمة تعیین القائد الى الخبراء المنتخبین من الجامعین للشرائط المذکورة فی المادتین الخامسة و التاسعة بعد المئة...و یتمتع القائد المنتخب بولایة الامر و یتحمل کل المسؤولیات الناشئة عن ذلک".[4]
و اما کیفیة الربط بین الاصلین فهذا ما توضحه النقطة الخامسة.
5. ان نسبة الفتاوى المتفق علیها بین الفقهاء هی النسبة الاکبر و على فرض الاختلاف یکون رأی الولی الفقه هو المقدم، لکن لما کانت مهمام الولی الفقیه و مشاغله بحد من الکثرة و السعة بحیث لا تسمح له بمتابعة کل الامور حتى الجزئیة منها و مطابقتها مع الشرع المقدس بل و مع ما یفتی به نفسه. هذا من جهة.
و من جهة أخرى تطبیق الفتاوى الکلیة على مصادیقها الخارجیة لا تحتاج الى فقهاء یتحلمون هذه المسؤولیة، بل فی کثیر من الاحیان یستطیع شخص واحد غیر فقیه القیام بالتطبیق، لکن من الطبیعی جداً ان یکون المجتهدون العدول أجدر و الیق بتطبیق ذلک بصورة دقیقة، و من هنا جاء فی الاصل 91 من الدستور: "یتم تشکیل مجلس باسم (مجلس صیانة الدستور) لضمان مطابقة ما یصادق علیه مجلس الشورى الاسلامی مع الاحکام الاسلامیة.
و یتکون على النحو التالی:
1.ستة اعضاء من الفقهاء العدول العارفین بمقتضیات العصر و قضایا الساعة، و یختارهم القائد.
2. ستة اعضاء من الحقوقیین المسلمین من ذوی الاختصاص فی مختلف فروع القانون، یرشحهم رئیس السلطة القضائیة و یصادق علیهم مجلس الشورى الاسلامی".[5]
و من هنا یمکن الخروج بالنتیجة التالیة: ان هؤلاء الاعضاء ممثلون و نواب عن القائد فی تشخیص مطابقة القوانین مع الشریعة و القانون الاساسی، و لیس الملاک فی القضیة الکثرة او القلة فی مجلس صیانة الدستور، بل الملاک رأی القائد فی مشروعیة القوانین.
علما، ان اعضاء مجلس صیانة الدستور مع کونهم مجتهدین لکنهم لا ینطلقون فی عملیة التصویت على القوانین من حیثیة کونهم مجتهدین و مفتین، بل عملهم منصب على کون القوانین هل هی متطابقة مع الشریعة و القانون الاساسی او مخالفة لها.
و الذی یشهد على ما نقول اننا نرى فی کثیر من الاحیان یقوم اعضاء مجلس صیانة الدستور بالاستفتاء من القائد لمعرفة حکم القضیة.[6]
الدلیل الآخر لتأیید ما ذکرناه، أن السید القائد یستطیع ان ینفذ الامر مباشرة او عن طریق ارجاع القضیة الى مجلس تشخیص مصلحة النظام حتى مع مخالفة الاکثریة من اعضاء مجلس صیانة الدستور بل کلهم.
و مع ملاحظة کل ما مر یتضح لنا الفارق الاساسی بین مبانی الاجماع و مجلس صیانة الدستور، و انه لا علاقة بین الاجماع و بین رأی الاکثریة فی مجلس صیانة الدستور.