لم یتفق کل فقهاء الشیعة الإمامیة علی جواز التمتع الجنسي (عدا الوطء حیث منعه جمیع الفقهاء و لم یجزه) بالبنت الصغیرة. ثانیاً و من یرتأي هذا الرأي فمن باب عدم ورود النهي من الشارع و یمکن تحریمه فیما لو أخذنا الضرر المترتّب علیه بنظر الاعتبار. ثالثاً بیان هذه النظریة من باب العلاقات و المناسبات القانونیة لیتوصلوا بها إلی إثبات حکم آخر، فعندما یُفتي الفقهاء بجواز الاستمتاعات الجنسیة بالزوجة الصغیرة (غیر الوطء) یمکن الاستفادة من هذا الحکم في جواز و إمکان العقد علیها مؤقتاً لإیجاد المحرمیة، أو القول بوجوب دفع المهر لها أو عدمه.
و قد نفی الإمام الخمیني في فتویً أوضح فیها رأیه، جواز باقي الاستمتاعات (عدا الوطء الذي منعه أيضا و لم یجزه جمیع الفقهاء في البنت الصغیرة) بالبنت الصغیرة. إذن، بناء علی رأي الإمام الخمیني (ره) یکون هکذا عقد محل إشکال لعدم جواز الوطء و باقي اللذائذ الجنسیة بالبنت الصغیرة. فما علیه الإجماع و الاتفاق عند فقهاء الشیعة هو عدم جواز وطء البنت قبل بلوغها بید أن هذا الرأي لیس مقبولاً عند فقهاء أهل السنة إذ هم یُجیزون وطأها حال کونها قادرة علیه صحيح حتى إن کانت صغیرة فالمعيار عندهم القدرة على تحمل المقاربة الجنسية و عدمها.
یلزم للجواب عن هذ السؤال التدقیق ابتداءً في ثلاث مقدمات مؤثرة جدّاً في الوصول إلی الجواب:
1- تعتبر بعض الأحکام من المسلمات في الفقه الشیعي التي یمکن نسبتها للشیعة بشکل لا یتطرّق إلیه الشک، و منها کیفیة الوضوء الذي هو موضع اتفاق کل فقهاء الشیعة، بید أن بعض الأحکام لا شک في کونها لیست من المسلمات عندهم فلا بد من التفریق بینها و بین القسم الأول من الأحکام و لا یمکن نسبتها لفقهاء الشیعة بشکل عام.
2- قد نعثر في بیان الأحکام الشرعیة على مصادیق لیس لها إلا طابع فرضي و إمکان عقلي (لا وقوعي)، و قد لا تصل أبداً إلی مرحلة الإثبات و التحقق الخارجي قطعا، و لكن لما كان القانون و الأحکام القانونیة لا بد من اکتمالها و استقصاء کل الجوانب القانونية للقضية و کل الفرضیات المحتملة في المسألة المطروحة، من هنا تذكر بعض المسائل النادرة لتحقيق تلك الغاية و لحفظ هذه الضرورة القانونية. نشير على سبيل المثال الى هذه العبارة من توضیح المسائل:
"یبطل الغسل لو لم یغسل من البدن مقدار رأس شعره"،[1] فهذا التعبیر لا یُراد منه إلا الدقة التي یجب مراعاتها في کتابة القانون، و لبیان هذا الأمر المهم و هو یجب في الغسل عدم ترک حتی أصغر جزء من البدن بدون غسل. [2] و ببیان آخر یجب في مقام الواقع غسل حتی أصغر نقطة من البدن، بید أنه هل یمکن لأحد رؤیة هذا المقدار الصغیر حتی یمکنه تشخیص بقاء قطعة من بدنه بمقدار رأس شعرة لم تغسل أو عدم بقائها؟!
3- للأحکام الشرعیة –خصوصاً التي من باب واحد أو قسم معین منها- ارتباط وثیق، و تؤثر أحیاناً بعضها علی البعض الآخر. فلو قلنا إن وجوب دفع النفقة له علاقة بالقدرة علی کل اللذائذ الجنسیة الحلال من المرأة. [3] و أن الشارع من جهة أخری قد حرّم وطء البنت الصغیرة، إذن قد يفهم من المقدمتين في هذا الباب: أن البنت الصغیرة لا یمکن وطأها فلا نفقة لها. [4]
فأصل البحث الفقهي المطروح في السؤال هو لو تزوّج شخص ببنت قبل بلوغها، لا یحق له وطأها، لکن هل تجوز له باقي الاستمتاعات الجنسیة أم لا تجوز؟ فالفقهاء و استناداً إلی عدم ورود النهي و المنع من الشارع في هذا المجال (لا أنه توجد روایة عندنا في جواز هذا الأمر)، قالوا بجواز باقي الاستمتاعات الجنسیة بالبنت الصغیرة. علماً أن حکم جواز باقي الاستمتاعات الجنسیة انما استنبطها الفقهاء من بعض العمومات الشاملة لهذا الفرض، و من عدم ورود النهي من الشارع. [5]
و مع ذلك نجد بعض الفقهاء خالف هذا الحکم و لم يفت به، منهم الشهید الثاني حیث حرّم کل الاستمتاعات الجنسیة بالبنت الصغیرة. [6] و قد ردّ أیضاً بعض فقهاء الشیعة أصل هذه الاستمتاعات الجنسیة بالبنت الصغیرة، خصوصاً الرضیعة منها في مقام تحققه الخارجي و عدّة من القبائح. [7]
إذن لیس جواز هذه الاستمتاعات من أحکام الشیعة القطعیة.
علما ان ما علیه الإجماع و الاتفاق عند فقهاء الشیعةحرمة المقاربة الجنسية (الجماع) مع الصغيرة؛ الا ان فقهاء اهل السنة خالفوافي هذه القضية وجعولا المعيار القدرة و عدمها،فاجازوا ذلك حال کونها قادرة علیه و إن کانت صغیرة.
یقول إبن عابدین و هو أحد علماء الحنفیة: "تجب نفقة الزوجة علی زوجها......... و لو کانت صغیرة تطیق الوطء ..". [8] أتباع المذهب المالکي أیضاً لا یُعدّون البلوغ شرطا في الوطء، کذلک الحنابلة و الشافعیة. [9] أما ما جاء في جواز باقي الاستمتاعات الجنسیة (عدا الوطء) في بعض کتب فقهاء غیر الشیعة فکالآتي: "( ولزوج جلب طفلة وإن صغيرة إن أمكن تمتع بها ) بالمس ( وأغنت عن أمها ) أي صارت ذات غنى عنها ؛ أو بمعنى : غنت فزيدت الهمزة مبالغة وتأكيدا ( ولا يجد وليها منعها ) وله أن يجامعها جماعا تاما إذا كانت تحتمله كذات تسع ، وإذا كانت لا تحتمل جامعها قدر ما تطيق من فوق أو الفخذين". [10]
نؤكد القول مرة ثانیة بأن جواز الاستمتاع الجنسي بالبنت الصغیرة لیس هو الرأي القاطع عند علماء الإسلام (الشیعة منهم و السنة).
و هنا لابد من الرجوع الى فتوی فقهاء الشیعة في جواز الاستمتاعات کاللمس بشهوة و القبلة و غیر ذلک بالبنت غیر البالغة أو حتی الرضیعة.
فکما قلنا إن بعض الفقهاء الشیعة کالشهید الثاني، في مقام فرض الاستمتاع الجنسي بالصغیرة، خالف هذه النظریة و عدّ بعضهم وجود هذه المسائل قبیحا في مقام الإحراز و التحقق الخارجي، بید أنه یمکن شرح الموضوع بشکل جیّد مع أخذ المقدمة الثانیة و الثالثة بنظر الاعتبار. نحن نعلم أن الأحکام الشرعیة، علی الأخص التي من باب واحد، مرتبطة فیما بینها و تؤثّر بعضها علی البعض الآخر ففرض موضوع واحد، له تأثیر کبیر علی عدد من الأحکام الاخری في مقام الإحراز الخارجي. فأحد أحکام باب الزواج بالصغیرة إیجاد المحرمیة بين الاصهار، فمثلاً لو أراد رجلٌ أن تحرم علیه أمرأة، یعقد علی ابنتها حتی تحرم امّها علیه. فما قاله بعض فقهاء الشیعة و غیر الشیعة من إمکان تفخیذ الرضیعة، فمن باب بیان هذا الموضوع و هو إمکان الاستمتاع حتی مع صغر السن، و بما ان الاستمتاع ممکن إذن یمکن العقد علیها لتحقيق الحرمة، إذ لو قیل بعدم إمکان الاستمتاع بالصغیرة، فلا یمکن في باب إیجاد المحرمیة القول بتأثیر زواج الصغیرة في حرمة أمها، و لما كان بعض الفقهاء لا يرون الصغیرة قابلة للإستمتاع قالوا:
"لو عقد الأب أو الجد من الأب ابنته أو ابنه غیر البالغین علی شخص لمدة قصیرة للتحریم فالعقد صحیح لو لم تترتّب علیه المفسدة، بید أنه لو لم یقدر الولد بشکل عام علی التلذّذ الجنسي من البنت في طول مدة الزواج أو أن البنت لم تکن في هذه المدة بحیث یمکن التلذذ بها فصحة العقد محل إشکال". [11]
و من جهة أخری لو لم تکن هناک روایات تعطي الرخصة لولي البنت علی عقدها دائماً، [12] یمکننا و استناداً إلی الأصل في إیجاد الزواج المبتني علی وجود إمکان الاستمتاع، ذکر نفس هذا المطلب في العقد الدائم: "العقد الدائم علی البنت الصغیرة جائز علی فرض الاستمتاع بها". لذا حتی لو کان العقد علی البنت الصغیرة مقبولاً من قبل الفقهاء بالشروط المذکورة في الروایات بید أنه و بسبب عدم إمکان الاستمتاع، یترتّب علی العقد بحوث أخری، کالمهر، الذي صار محل إشکال لدی الفقهاء.
یقول صاحب الجواهر: "...یشکل (أي دفع المهر) في الصغیرة ما لم تصلح للإستمتاع مطلقاً أما لو صلحت لغیر الوطء فطلبها الزوج لذلک ففي وجوب إجابته وجهان: من تحقق الزوجیة المقتضیة لجواز الاستمتاع، فلا یسقط بعضه بتعذر بعض، فیجب التسلیم للممکن، و من أن القصد الذاتي من الاستمتاع الوطء و الباقي التابع، فإذا تعذر المتبوع انتفی التابع .... و في المسالک (للشهید الثاني) "و هذا أقوی، و هو خیرة المبسوط (أي ما اختاره الشیخ الطوسي في المبسوط) قلت: و هو المحکي عن التحریر أیضاً". [13]
إذن فنظریة إمکان الاستمتاع بالصغیرة في الزواج الدائم و المؤقت، من النظریات الفرضیة المؤثرة في بعض الأحکام الفقهیة کإیجاد المحرمیة، أو وجوب دفع المهر أو عدم وجوبه.
أخیراً لا بأس بالتنبیه علی أن ما ذکره الإمام الخمیني (ره) في تحریر الوسیلة: " اما سائر الاستمتاعات کاللمس بشهوة والضم و التفخيذ فجائز في الجميع ولو في الرضيعة". [14] هو نفس عبارة الفقهاء الماضین، فنفس هذا الموضوع و بهذا اللفظ جاء في العروة الوثقی "و أمّا الاستمتاع بما عدا الوطء من النظر و اللمس بشهوة و الضمّ و التفخيذ فجائز في الجميع و لو في الرضيعة". [15]
بید ان المرحوم الإمام الخمیني (ره) قد نفی –في فتوی بیّن فیها رأیه- جواز باقي الاستمتاعات (عدا الوطء الذي منعه کل الفقهاء في البنت الصغیرة) بالبنت الصغیرة. حیث یقول قدس سره: "لو عقد علی امرأة حرمت علیه أمها و إن علت نسباً أو رضاعاً، سواء دخل بها أم لا و سواء کان العقد دائماً أو انقطاعاً، و سواء کانت المعقودة صغیرة أو کبیرة، نعم الأحوط في العقد علی الصغیرة انقطاعاً أن تکون بالغة إلی حد تقبل للإستمتاع و التلذّذ بها و لو بغیر الوطء بأن کانت بالغة ست سنین فما فوق مثلاً، أو یدخل في المدة بلوغها إلی هذا الحد ...". [16]
فعلی ضوء ما تقدّم: و تبعاً لرأیه (ره)، یشکل هذا العقد لعدم إمکان الوطء و باقي اللذائذ الجنسیة مع البنت الصغیرة.
النتیجة:
أولاً: صار معلوماً بأن فقهاء الشیعة الإمامیة لم یتفقوا کلهم علی جواز التمتع الجنسي عدا الوطء حیث منعه جمیع الفقهاء و لم یجزه) بالبنت الصغیرة.
ثانیاً: و من یذهب الى هذا الرأي فمن باب عدم ورود النهي من الشارع و یمکن تحریمه فیما لو أخذنا الضرر المترتّب علیه بنظر الاعتبار.
ثالثاً: بیان هذه النظریة من باب العلاقات و المناسبات القانونیة لیتوصلوا بها إلی إثبات حکم آخر، و هذا الحکم عندما یُفتي الفقهاء بجواز الاستمتاعات الجنسیة بالزوجة الصغیرة (غیر الوطء) یمکن الاستفادة من هذا الحکم في جواز و إمکان العقد علیها مؤقتاً لإیجاد المحرمیة، أو القول بوجوب دفع المهر لها أو عدمه. نعم، لا بد من التذکیر بأن جواز هذه العقود منوط بالمصلحة للصغیرة و فیما لو لم یترتّب علیه مفسدة لها. [17]
رابعاً: ما علیه الإجماع و الاتفاق عند فقهاء الشیعة هو عدم جواز وطء البنت قبل بلوغها تسع سنين بید أن هذا الرأي لیس مقبولاً عند فقهاء أهل السنة إذ هم یُجیزون وطأها حال کونها قادرة علیه، و إن کانت صغیرة.
[1] توضیح المسائل (المحشی للإمام الخمیني)، ج ۱، ص 221.
[2] أورد بعض المراجع کآیة الله الشیخ المکارم الشیرازي مثل هذا التعبیر: "کلما لم یغسل قلیل من البدن ..."، نفس المصدر.
[3] الظاهر أنه لا نفقة للزوجة الصغیرة غیر القابلة للإستمتاع منها علی زوجها .. راجعوا: الإمام الخمیني، السید روح الله، تحریر الوسیلة، ج 2، ص 314، مؤسسة إسماعیلیان للطبع.
[4] النجفي، محمد حسن، جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام، ج 31، ص 943، دار إحیاء التراث العربي، بیروت، بي تا.
[5] السبزواري، السید عبد الأعلی، مهذب الأحکام، ج 24، ص 73، مؤسسة المنار، قم، 1413 ق.
[6] الشهید الثاني، زین الدین، مسالک الافهام إلی تنقیح شرائع الإسلام، ج 8، ص 443، مؤسسة المعارف الإسلامیة، قم، 1413؛ الحسیني، الروحاني، السید صادق، فقه الصادق، ج 21، ص 88، مکتبه، قم، بي تا.
[7] یقول آیة الله الشیخ الشبیري الزنجاني في هذا المجال: "من الطبیعي وجوب عد هذه الاستمتاعات غیر جائزة فیما لو کانت موجبة للضرر. راجعوا: الشبیري الزنجاني، السید موسی، کتاب النکاح، ج 5، ص 1499، مؤسسة رأي پرداز للتحقیق، قم، 1419 ق.
کما یقول آیة الله الشیخ المکارم الشیرازي في هذا المجال: "لقد صرّح بجواز سائر الاستمتاعات جمع من المتأخّرین المعاصرین، فعن صاحب الجواهر: "للأصل السالم عن المعارض، إذ أن مراده من الأصل، أصالة الإباحة أو العمومات التي تجیز الاستمتاعات مطلقاً و الوطء خارج بالدلیل. لکن الإنصاف: إن هذا الحکم لا یمکن قبوله بهذه العمومات المذکورة إذا إن في بعض الاستمتاعات بالصغیرة قبح عقلائي، کالاستمتاع بالرضیعة. إذن الحسن و القبح هنا کحاکم لهذا تنصرف عمومات استمتاع الزوج بزوجته بما یتعارف عند العقلاء و لا یشمل مثل هذه الموارد". راجعوا: الشیرازي، ناصر، کتاب النکاح، ج 2، ص 135، نشر مدرسة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، قم، 1424 ق.
[8] الأنصاري، قدرت الله، و محققي مرکز الأئمة الأطهار الفقهي (ع)، موسوعة أحکام الأطفال و أدلّتها، ج 2، ص 71، مرکز الأئمة الأطهار الفقهي (ع)، قم، 1429 ق.
[9] للحصول علی مزید من الاطلاع راجعوا: موسوعة أحکام الأطفال و أدلّتها، ج 2، ص 71.
[11] توضیح المسائل المحشی للإمام الخمیني، ج 2، ص 483، و هذه النظریة للعلماء الأعلام الخویي، التبریزي، السیستاني، و المکارم الشیرازي؛ النراقي، أحمد بن محمد، رسائل و مسائل، ج 1 القسم الثاني، ص 38، مؤتمر النراقیین، قم، 1422 ق.
[12] الطوسي، محمد بن الحسن، الاستبصار فیما اختلف من الأخبار، ج 3، ص 236، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1390 ق.
[13] النجفي، محمد حسن، جواهر الکلام، ج 31، ص 46، دار الإحیاء التراث العربي، بیروت، بي تا.
[14] الإمام الخمیني، السید روح الله، تحریر الوسیلة، ج 2، ص 241، مؤسسة دار العلم، الطبعة الأولی، قم، بي تا.
[15] العروة الوثقی (للسید الیزدي)، ج 2، ص 811.
[16] تحریر الوسیلة، ج 2، ص 277.
[17] الإمام الخمیني، السید روح الله، الاستفتاءات، ج 3، ص 113، مکتب الإنتشارات الإسلامیة، قم، 1422 ق.