یمکن القول بان استخدام القوة و العنف مع هؤلاء الاشخاص و غیرهم – فی الاعم الاغلب- لا یجدی نفعا، بل قد یؤدی الى حصول ردود فعل عکسیة. و من هنا تتوقف معالجة هذه الظاهرة على معرفة الجذور و الاسباب التی أدت الى ظهور هذا الانحراف فی اوساطنا الاجتماعیة، و لابد من معالجة القضیة معالجة علمیة تقوم على اسس معرفیة ووضع البدائل اللازمة و مواجهة الخطر بتقنیات حدیثة ایضا و تغییر اسلوب الخطاب و منهج التبلیغ بالاضافة الى بیان نقاط ضعف تلک الاتجاهات المنحرفة، و لابد من التسلح الکافی بالعلم الکافی و التخصص فی المعارف التی نرید الخوض فیها و تعزیز حالة التقوى و التوکل على الله تعالى و الاستعانة به سبحانه و الاخلاص فی العمل و ان نستشعر المعیة الالهیة دائما و الثقة بوعد الله تعالى. وعدم اهمال فریضة الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر القائم على اسس علمیة و منطلق رصین و وعی و معرفة بما یثار على الساحة الفکریة و العقائدیة من افکار و نظریات، و کذلک تقویة صفوف المؤمنین و الاشتراک فی مجالسهم و عدم اخلاء الساحة من العناصر الفاعلة و مؤازرة العاملین و اشعارهم بانهم لیسوا وحدهم فی الساحة بل الکل معهم یدعمهم بالمال و الوقت و الموقف...
هذا بالاضافة الى
من المناسب هنا النظر الى القضیة و تحلیلها من زاویتین؛ الاولى من زاویة المهام و الوظائف الملقاة على کاهل المسؤولین و رجال النظام، و الاخرى ما یقع على کاهل عامّة الناس و سائر افراد المجتمع فی مواجهة الانحرافات الثقافیة و العقائدة و الاجتماعیة؛ من هنا نحاول بحث القضیتین من هاتین الزاویتین.
1. المسؤولیات الملقاة على کاهل رجال النظام:
یمکن القول بان استخدام القوة و العنف مع هؤلاء الاشخاص و غیرهم – فی الاعم الاغلب- لا یجدی نفعا، بل قد یؤدی الى حصول ردود فعل عکسیة. و من هنا تتوقف معالجة هذه الظاهرة على معرفة الجذور و الاسباب التی أدت الى ظهور هذا الانحراف فی اوساطنا الاجتماعیة. و من الملاحظ أن الدولة قامت فی السنین الاخیرة بنشاطات جیدة فی هذا المجال و خطت خطوات رائعة على مستوى تثقیف الشباب و اعدادهم الروحی، لکن لا ینبغی بحال من الاحوال الغفلة و التراخی فی هذا المجال.
ثم لابد لنا ان نعترف بان الحدیث مع الجماهیر و خاصة شریحة الشباب و التواصل معهم ثقافیا اختلف اختلافا جوهریا عما کان علیه سابقا؛ و ذلک بسبب التطوری التقنی و انتشار وسائل التواصل الکثیرة و خاصة عبر شبکات الانترنیت و الفضائیات و قنوات الاتصال الجماعی التی سهلت على المبلغین و المرشدین – من رجال دین و غیرهم- سبل ایصال المعلومة للشباب و الحدیث معهم، لکن فی الوقت نفسه نرى هذه التقنیات نفسها استغلت من قبل الاتجاهات الاخرى و الافکار المنحرفة و وضعت فی متناول الشباب مجانا و من دون ای عناء او صعوبة، و هذا ما عقد القضیة و جعل المسؤولیة کبیرة جدا و خطرة، فالساحة ساحة صراع ثقافی میدانها فی الاعم الاغلب شریحة الشباب.
و من هنا، من الضروری القیام بالخطوات التالیة: اعتماد وسائل التبلیغ التی یعتمدها العدو نفسه من قبیل الافلام و الفن و السینما، و من غیر الصحیح مثلا غلق ابواب دور السینما و النظر الیها نظرة سلبیة بل لابد من تسخیر نفس السینما لعرض الافلام و المسرحیات الهادفة ذات الصبغة التربویة و التثقیفیة، و کذلک لا تحل المشکلة فی السیطرة على الانترنیت و فلترة الشبکة من الافلام و الصور المستهجنة السکس فقط، فمع أهمیة ذلک لابد ان نخلق عند الشباب رادعا نفسیا یردعه عن ارتیاد تلک المواقع. فالطریقة الصحیحة اعتماد الفن الهادف فی مواجهة الفنون المنحرفة.
کذلک نقترح على سبیل المثال الخطوات التالیة: إقامة ملتقیات حواریة تنسجم مع مستوى الجیل الصاعد یدیرها شخصیات متخصصة، کذلک اقامة مخیمات کشفیة ثقافیة یتلقى فیها الشباب و الفتیة انواع المعارف الصحیحة مع توفیر امکانات ترفیهیة جیدة، و الترکیز على توعیة الشباب و تعزیز الثقة لدیهم فی اختیار الطریق الصحیح.
و الجدیر بالذکر ان الدروس المعرفیة التی یتلقاه الطالب الجامعی و ان کانت مهمة فی هذا المجال و مساعدة فی تطور الوعی الدینی لدى الشباب، لکنها لیست کافیة و ذلک لعدم اشتراک البعض فی مثل تلک الدروس او یحضرونها لکن لا لاجل الشعور بضرورة الوعی الدینی و أهمیة المعلومة الدینیة بل لتحصیل الدرجة الامتحانیة فقط، و من هنا تقتضی الضرورة ان نفکر جیدا فی جعل الطالب یستشعر أهمیة هذه الدروس و ضرورتها فی حیاته الدنیویة و الأخرویة، و من المناسب هنا استضافة بعض الشخصیات العلمیة المختصة و ذات السمعة العلمیة و الاخلاقیة الطیبة.
2. مسؤولیة عامة الناس و المؤمنین:
و هذه تتمثل فی اعتماد الخطوات التالیة: الاهتمام بفریضة الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر القائم على اسس علمیة و المنطلق عن وعی و معرفة بما یثار على الساحة الفکریة و العقائدیة من افکار و نظریات، و کذلک تقویة صفوف المؤمنین و الاشتراک فی مجالسهم و عدم اخلاء الساحة من العناصر الفاعلة و مؤازرة العاملین و اشعارهم بانهم لیسوا وحدهم فی الساحة بل الکل معهم یدعمهم بالمال و الوقت و الموقف...
و فی هذا المجال انظر: السؤال 17508 (الموقع: 17610)،و 18399 (الموقع: 17989)، 4093 (الموقع: 4394)، 11719 (الموقع: 11585)، 6689 (الموقع: 6773).
و فی الختام نرى من الضروری الاشارة الى قضیة مهمة و هی انه لا یکفی فی انقاذ الناس من الغرق ان نعرف السباحة، اذ ربما ینجرف المنقذ نفسه و یغطس فی اعماق البحر تحت تاثیر ضغط الغریق نفسه، فمن هنا على الشخص الذی یرید الخوض فی هذا المجال ان یتسلح بفنون السباحة بحیث یصبح منقذا ماهراً لا تجرفه الامواج و لا تؤثر علیه القوى الاخرى. و هذا المثال انما سقناه هنا لاننا قد شاهدنا بعض الناس الذین دخلوا هذا المضمار بنیّة الاصلاح و الهدایة انجرفوا مع التیار و اجتاحتهم الامواج من دون ان یشعروا، و من هنا لابد من التسلح بالعلم الکافی و التخصص فی المعارف التی یرید الخوض فیها من جهة بالاضافة الى تعزیز حالة التقوى و التوکل على الله تعالى و الاستعانة به و الاخلاص بالعمل و ان یستشعر المعیة الالهیة دائما و یثق بوعد الله تعالى عندما قال: "وَ الَّذینَ جاهَدُوا فینا لَنَهْدِیَنَّهُمْ سُبُلَنا وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنینَ".[1]