یقسم العرفان إلى قسمین نظری و عملی، و أن أبحاث کلا القسمین ترتبط ارتباطاً وثیقاً بالنفس. لأن فی العرفان النظری یبحث فی شهود الحق من جانب، و من جانب آخر فإن النفس هی المظهر الأکمل للحق، و أن شهود الحق یحصل من خلال تزکیة النفس و تنقیتها من العیوب و قربها من الحق تعالى.
یقول الرسول الأکرم (ص): "من عرف نفسه عرف ربه".
و أما ارتباط معرفة النفس بالعرفان العملی الذی یمثل معرفة السلوک و المجاهدة العملیة من أجل تحریر النفس و إطلاقها من قیودها فواضح و جلی. إذن من الممکن القول بأن معرفة النفس من أهم المسائل و الموضوعات التی تدخل فی هیکلیة العرفان الإسلامی.
یقسم العرفان إلى قسمین عملی و نظری، و إن أبحاث کلا القسمین لها ارتباط وثیق بمعرفة النفس. یبدأ العارف فی العرفان النظری بتفسیر الوجود، و إنه یعرض تصوره فی عدة مسائل کالخالق سبحانه و العالم و الإنسان، و فی الواقع فإن العرفان النظری یشکل القاعدة و الأساس للبحث العلمی و النظری بالنسبة إلى العرفان العملی[1].
و بعبارة أخرى عند ما یحلل العرفان النظری أبعاد وجود الإنسان و العالم و یدرک حقیقة فلاح الإنسان بتمام معنى الإدراک، فإن العرفان العملی یقول: لا بد من العمل طبقاً لهذا المبدأ، و إذا کان الواقع على هذه الکیفیة فلا بد من التحرک طبقاً للمسار الذی حدده العرفان النظری و تنظیم العمل على هذا الأساس[2].
قالوا فی تعریف العرفان النظری: "العرفان هو العلم بالحق سبحانه من حیث الأسماء و الصفات و المظاهر و العلم بأحوال المعاد و بحقائق العالم و کیفیة رجوع تلک الحقائق إلى الحقیقة الواحدة المتمثلة بذات الحق الأحدیة»[3].
و أما بالنسبة إلى تعریف النفس فقد قالوا فیه: «النفس جوهر بسیط روحانی حی بذاته عالم بالقوة و فاعل بالطبع، و هی صورة من صور العقل الفعال»[4].
و إن حقیقة الإنسان (النفس)لطیفة ربانیة، بعدیها الجسمانی و الروحانی یمثلان مظهراً من مظاهر تلک الحقیقة[5]، فالنفس أکمل مظهر من مظاهر الحق تعالى، و قد قال الرسول الأکرم (ص): "من عرف نفسه فقد عرف ربه"[6]. فالعرفان فی هذا الحدیث ولید معرفة النفس، و على أساس ما تقدم من بیان و إیضاح تتجلى العلاقة بین العرفان النظری و معرفة النفس.
و أما العرفان العملی فهو قسم من العرفان یعنى بتوضیح علاقات الإنسان و واجباته تجاه نفسه و العالم و الله سبحانه.
و یتکفل العرفان العملی بیان الطریق العملی الذی ینبغى للسالک أن یسیر علیه لیصل إلى قمة الإنسانیة المنیعة و المتمثلة بالتوحید، حیث یرسم للسالک نقطة البدایة و المراحل التی یتخطاها، و ما یعترض النفس فی المسالک و المسافات الفاصلة بین المراتب، إنه یحدد نقطة البدایة ثم مراحل الطریق انتهاءً بالمقصد النهائی. و فی اعتقاد العرفاء أن الوصول إلى الهدف النهائی لا یکون ممکناً إلا بعد طی المراحل و المنازل السابقة، أی أن العلاقة بین المقامات و المنازل من قبیل العلاقة بین العلة و المعلول، أی أن الوصول إلى المرتبة المتأخرة محال دون تجاوز المنزل السابق[7].
و من البدیهی أن الإطلاع على هذه الشروط و الترتیب الدقیق و الظریف للمراتب منوط بالمعرفة الدقیقة للنفس، و لذلک استحوذ "علم النفس"الذی یبحث عنه فی الکتب الفلسفیة و العرفانیة على مساحة واسعة من الأبحاث الفلسفیة و العرفانیة الإسلامیة[8].
یقول العرفاء فی هذا الصدد: إن روح الإنسان و نفسه کالشجرة التی یکون نموها بحسب برنامج خاص تطوى مرحلة فمرحلة حتى تصل إلى کمالها النهائی، و هذا هو المطلب الذی تتابع فیه النفس رشدها و تکاملها عملیاً فی دائرة العرفان العملی.
و أما فی میدان العرفان النظری فالاهتمام منصب على تحلیل النفس بشکل دقیق و أن نفس الإنسان ـ و کأی موجود آخر ـ تخضع لقانون و نظام خاص فتارة تکون راغبة مقبلة، و تارة تکون مدبرة یعتریها السأم و الملل و أحیاناً تکون طاغیة عاصیة، فلابد من معرفتها معرفةً جیدة للتعامل معها على أساس هذه المعرفة، تماماً کما نتعامل مع الفرس الشموس الجامح لنجعل منه ألیفاً مروضاً.
و من هنا فقد ورد فی بعض تعاریف العارف: الصوفی (العارف) هو الذی یکون فی سعیٍ دائم و مستمر لتهذیب النفس و تزکیتها[9].و صفاء القلب و تجلی الروح[10].
فإذا عرفنا العرفان بالقول: "إنه معرفة الطریق و السلوک و المجاهدة من أجل تحریر النفس من قیود الجزئیة و أواصرها و ربطها بمبدئها لتتصف بالإطلاق و الکلیة"[11]. یکون من الواضح جداً أن إطلاق النفس من الجزئیة و ربط الإنسان بالمبدأ الأعلى لا یکون ممکناً إلا من خلال معرفة النفس فقط.
یقول الامام علی (ع): "العارف من عرف نفسه فاعتقها و نزّهها عن کل ما یبعدها و یوبقها"[12].
فالنفس إذاً مسألة مهمة من مسائل العرفان، و کما أن العلاقة موجودة بین العلم و إحدى مسائله، فالعلاقة قائمة بین العرفان و النفس.
و من اللازم أن نذکر أن العرفان یستفید من طریق الشهود و هو طریق القلب، و قد قیل أن إثبات النفس و العلم بها یستفید من هذا الطریق فقط.
یعتقد عرفاء الإسلام و حکماؤه أن العلم بالنفس علم حضوری، و إذا لم یشهد الإنسان نفسه بالعلم الحضوری فلا یوجد سبیل آخر لإثباتها و معرفتها[13]. و قد أقام الشیخ شهاب الدین السهروردی البرهان على أن معرفة النفس حضوریة فی کتابه «حکمة الإشراق» و أنه لا سبیل إلى تلک المعرفة بالعلم الحصولی[14].
و نتیجة هذین البرهانین هی أن الإنسان غیر قادر على معرفة نفسه عن طریق أفعالها و آثارها، لیس ذلک و حسب و إنما یعجز عن معرفتها بواسطة أی مفهوم ذهنیٍ آخر. بل إن حقیقة وجود الإنسان و سائر شؤونه و ما یتعلق بهذه الحقیقة لا یمکن أن یعرف إلا من خلال الشهود العرفانی[15]. و ما یعتمد علیه علم النفس المعاصر من آثار خارجیة للنفس و السلوک الإنسانی إنما یمثل بعضاً من ردود الأفعال للنفس و الروح، و أما بالنسبة إلى ماهیة النفس و الروح و حقیقتها، فلا یمکن معرفتها إلا عن طریق الکشف العرفانی[16]. و لذلک یعتقد بعض المعاصرین من علماء النفس أن علم النفس المعاصر هو فی الواقع علم "معرفة السلوک" و لیس له أی ارتباط و علاقة بمعرفة الروح[17].
للاطلاع: یمکن الرجوع إلى دروس معرفة النفس، آیة الله حسن زادة آملی، ص 529 ـ 531 و 603.
[1] مطهری، مرتضى، معرفة العلوم الإسلامیة (الکلام، العرفان، الحکمة العملیة) ج 2، ص 89.
[2] للاطلاع الأکثر، انظر: موضوع: العرفان النظری و العرفان العملی، سؤال 239.
[3] قیصری، داود، رسالة التوحید و النبوة و الولایة، الفصل الأول؛ السهروردی، شهاب الدین، عوارف المعارف، ترجمة عبد المؤمن الأصفهانی، الباب الخامس؛ الیثربی، السید یحیى، العرفان النظری القسم الثانی، الفصل الأول؛ الیثربی، یحیى، العرفان العملی فی الإسلام، ص 19و 20.
[4] ناصر خسرو، جامع الحکمتین، ص 89، نقلاً عن الدکتور السید جعفر السجادی، رالثقافة الإسلامیة، ج 4، ص 469 و 470.
[5] المصادر السابقة؛ الیثربی، السید یحیى، العرفان العملی فی الإسلام، ص 128 و 129؛ الیثربی، السید یحیى، العرفان النظری، ص 269.
[6] القمی، عباس، سفینة البحار، ج 2، مادة نفس.
[7] مطهری، مرتضى، معرفة العلوم الإسلامیة (الکلام، العرفان، الحکمة العملیة) ج 2، ص 85 و 87.
[8] مطهری، مرتضى، عرفان حافظ، ص 12 و 13.
[9] انظر: السؤال رقم 400.
[10] السهروردی، شهاب الدین، عوارف المعارف، ترجمة عبد المؤمن الأصفهانی، الباب الخامس.
[11] قیصری، داود، رسالة التوحید و النبوة و الولایة، الفصل الأول؛ السهروردی، شهاب الدین، عوارف المعارف، ترجمة عبد المؤمن الأصفهانی، الباب الخامس؛ الیثربی، السید یحیى، العرفان النظری القسم الثانی، الفصل الأول؛ الیثربی، السید یحیى، العرفان العملی فی الإسلام، ص 19و 20.
[12]آمدی، غرر الحکم و درر الکلم، نقلاً عن حسن زادة آملی، مجموعة مقالات، ص 154.
[13] جوادی آملی، المعرفة و الإدراک فی القرآن الکریم، ص 308 و 309.
[14] المصدر نفسه، ص 310.
[15] المصدر نفسه، ص 312.
[16] الشرقاوی، محمد، الأخلاق و الصحة النفسیة فی الإسلام، ترجمة الدکتور سید محمد باقر حجتی، ص 51.
[17] العظیمی، سیروس، علم النفس العام، ص1؛ نجاتی، محمد عثمان، القرآن الکریم و علم النفس، ترجمة عباس عرب، ص 23 و 24.