أهم دليل أدّى بالمأمون لأن يمنع الإمام الرضا (ع) عن إقامة صلاة عيد الفطر، هو الإحساس بالخطر الذي توجّه إلى الدولة العباسية، هذه المسألة بدأت عند سماع أهل مرو (خراسان) لخبر أن الإمام الرضا (ع) سيذهب إلى المصلى لإقامة الصلاة عيد الفطر، فخرجوا من منازلهم و وقفوا أطراف الشوارع منتظرين قدوم الإمام (ع). أمّا النساء و الأطفال فقد صعدوا إلى سطوح ديارهم لأنتظار مقدم الإمام (ع) كل قوّاد الجيش و رجال الدولة من كل صنف و طبقة تجمعوا حول باب بيت الإمام (ع) مظهرين حبّهم و ودّهم له (ع). فمن هنا أحسّ المأمون و رجاله بأن إقامة الصلاة و قراءة الخطبة من قبل الإمام (ع). بهذه الوضعية قد تؤدي إلى أخطار فادحة بالدولة، فلم يكونوا يتوقّعوا كل هذه المحبوبيّة للامام من قبل كل طبقات الشعب بل و حتى رجال الدولة و الجيش مالوا اليه (ع). لذلك أصدر المأمون الأمر بإرجاع الإمام و منعه من إقامة صلاة عيد الفطر حتى يحفظ حكومته من الخطورة الإحتمالية.
للوصول إلى أسباب منع المأمون لإقامة صلاة عيد الفطر بإمامة علي بن موسى الرضا (ع) ـ مع إنه هو الذي إقترح عليه ذلك ـ يجب القول، بعد أن تسلط المأمون على مسند حكم بني العباس بعد هلاك هارون الرشيد و انتهاء الحرب مع اخيه الامين، أرسل رسالة للإمام الرضا (ع) و دعاه فيها إلى القدوم إلى خراسان، فإمتنع الإمام الرضا (ع) لأسباب خاصة عن قبول هذه الدعوة. ثم أعاد المأمون طلبة بإصرار و أكّد على الإمام (ع) بضرورة سفره إلى خراسان، فأضطر الإمام الرضا (ع) بعد إصرار المأمون و أجاب دعوته و عزم السفر إلى خراسان.
بعد وصول الإمام (ع) إلى مرو (خراسان) إقترح المأمون عليه قبول ولاية العهد، فرفض الإمام هذا الإقتراح بشدّة. فهدّده المأمون عندئذ و أصرّ عليه بقبول ولاية العهد، الى ان قبل الإمام بالولاية بشروط معينة.
فقال المأمون: ما هي شروطك؟ قال الإمام الرضا (ع): بشرط عدم التدخل في أمور السياسة و الحكومة، و لا في عزل و نصب الحكام و القادة، فقبل المأمون شروط الإمام (ع).
لما حضر العيد، بعث المأمون إليه في الركوب إلى العيد، و الصلاة بالناس و الخطبة لهم فبعث إليه الإمام الرضا (ع): قد علمت ما كان بيني و بينك من الشروط في دخول الأمر، فاعفني من الصلاة بالناس. فقال المأمون: إنما أريد أن تطمئن قلوب الناس، و يعرفوا فضلك. و لم تزل ـ الرسل ـ تترد بينهما في ذلك، فلما ألحّ عليه المأمون، أرسل إليه: إن أعفيتني فهو أحب إليّ، و إن لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله (ص) و أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) فقال له المأمون: أخرج كما شئت.
يقول الراوي: فقعد الناس لأبي الحسن الرضا (ع) في الطرقات و السطوح، و اجتمع النساء و الصبيان ينتظرون خروجه، و صار جميع القوّاد و الجند إلى بابه فوقفوا على دوّابهم حتى طلعت الشمس، فاغتسل أبو الحسن (ع) و لبس ثيابه و تعمّم بعمامه بيضاء من قطن ألقى طرفاً منها على صدره و طرفاً منها بين كتفيه، و مسّ شيئاً من الطيب، و أخذ بيده عكّازه، و قال لمواليه: إفعلوا مثلما فعلت.
فخرجوا بين يديه و هو حافٍ قد شمّر سراويله إلى نصف الساق، و عليه ثياب مشمّرة، فمشى قليلاً و رفع رأسه إلى السماء و كبّر و كبّر مواليه معه ثم مشى حتى وقف على الباب، فلما رآه القوّاد و الجند على تلك الصورة سقطوا كلهم عن الدواب إلى الأرض، و رموان بخفافهم (و هي من النعل تتخذ من الجلد) و تحفى و كبّر الرضا على الباب أربع مرات قائلاً: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام و الحمد لله على ما أبلانا".
فكبّر الناس معه، فخيل أن السماء و الحيطان تجاوبه، و تزعزت مرو بالبكاء و الضجيج لما رأوا أبا الحسن و سمعوا تكبيره فبلغ المأمون ذلك. فقال له الفضل بن سهل: إن بلغ الرضا (ع) المصلى على هذا السبيل إفتتن به الناس، و خفنا كلنا على دمائنا، فأنفذ إليه أن يرجع، فأنفذ إليه المأمون: قد كلّفناك شططاً و أتعبناك، و لسنا نحب أن تلتحمك مشقة فارجع. فدعا أبو الحسن (ع) بخفه فلبسه و ركب و رجع.[1]
من هنا يتضح أن أهم سبب و دليل للمأمون في إرجاع الإمام الرضا (ع) و منعه من إقامة صلاة عيد الفطر هو الإحساس بالخطر بسبب إظهار الناس لحبّهم للإمام الواضح من طريقة إستقبالهم له، فقد إحتمل المأمون مع مشاوريه بأن إقامة الإمام (ع) للصلاة و قراءة الخطبة قد يؤديان إلى تزعزع حكم المأمون، لأنهم لم يقصدوا من هذه الصلاة إلا التبليغ ضد الإمام (ع) و لم يكن يتصوّروا أبداً أن للإمام (ع) محبوبية في قلوب الناس بل حتى عند رجال الدولة و قوّاد الجيش و الجند. لذلك صدّر أمراً بإرجاع الإمام و منعه من إقامة الصلاة، ليحفظ نفسه و حكومته من الأخطار الإحتمالية من قبل الإمام (ع).
[1] الكليني، الكافي، ج 1و ص 488 ـ 490، ح 7، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1368 ش، العطاردي، عزيز الله، مسند الإمام الرضا (ع)، المقدمة، ص 64، الحرم الرضوي (المؤتمر)، مشهد، الطبعة الأولی، 1406 ق، أخبار و آثار الإمام الرضا (ع)، ص 99 ـ 102.