لم تكن مهمة الدين مهمة خلق و ابداع الآليات و المخترعات المكيانيكية و غير الميكانيكية، بل القيت هذه المهمة على كاهل العقل البشري و توقع ذلك من الدين في غير محله؛ و ذلك لان الدين ليس مسؤولا عن ابداع و اختراعات اجهزة الكهرباء و النقل و الطباعة و سائر الصناعات الاخرى، و انما مهمة الدين تصحيح الحياة و اعطاء الحياة بعدا معنويا ليصل الانسان في نهاية المطاف الى الخلود و الفلاح.
و اما بالنسبة الى الابداعات و الابتكارات الاسلامية فقد كان لعلماء المسلمين الكبار من الفلاسفة و المتكلمين و الفلكيين و الاطباء و الشعراء و... الدور البارز في الرقي العلمي و المعرفي، و كان الدور الذي اضطلع به علماء و مفكروا الشعية كبيرا و رائدا في هذا المضمار، ففي الفلسفة برز الفيلسوف الكبير ابن سينا و الفارابي فقد ترك الرجلان بصماتهم العلمية على التفكير الغربي الى الحد الذي بقيت فيه مصنفات ابن سينا تدرس في الجامعات الغربية حتى القرن السابع عشر الميلادي. كذلك تمكن المفكرون المسلمون من ابداع منهج عقلي للدفاع عن الدين و الذي اطلق عليها عنوان علم الكلام كان للشيعة و المعتزلة دور مهم في ارساء قواعده و قد تمكن هذا المنهج من وضع بصماته على الكثير من الابحاث و الدراسات و التسلل الى عقول الكثير من العلماء و الباحثين.[i]
علما ان الشيعة من بين الفرق الاسلامية القليلة التي أولت العقل أهمية كبرى و كانت و ما زالت توصي بالاهتمام باعتماده و الاستفادة من تلك النعمة الكبرى و اعلاء مكانة العلماء و الباحثين و المخترعين الذين قدموا للانسانية خدمات جليلة.
[i] انظر: رضاپور، محمد مهدي، تاثیرات فکري معتزله بر الاهیان یهود در قرن دهم میلادي= تاثيرات الفكر المعتزلي على الالهيات اليهودية في القرن العشار الميلادي، رسالة ماجستير، دانشگاه ادیان و مذاهب= جامعة الاديان و الفرق، قم، 1390
يمكن الاجابة عن السؤال المطروح من خلال بعض النقاط التالية:
الف: لم تكن مهمة الدين مهمة خلق و ابداع الآليات و المخترعات المكيانيكية و غير الميكانيكية، بل القيت هذه المهمة على كاهل العقل البشري و توقع ذلك من الدين في غير محله؛ و ذلك لان الدين ليس مسؤولا عن ابداع و اختراعات اجهزة الكهرباء و النقل و الطباعة و سائر الصناعات الاخرى، و انما مهمة الدين تصحيح الحياة و اعطاء الحياة بعدا معنويا ليصل الانسان في نهاية المطاف الى الخلود و الفلاح.
و من الواضح ان هذه القضية ترجع الى بحث آخر و هو "توقع البشر من الدين" من هنا تقتضي الضرورة تسليط الضوء قليلا على هذه الموضوع.[i] فان التوقع المشترك من الدين يكمن في كون الدين طريقا و وسيلة نستطيع من خلالها و من خلال ما رسمه الله تعالى لنا، الوصولَ الى الحياة السعيدة و الخالدة و ان الدين يتكفل في هذا المجال بتوفير الضروريات التي تساعدنا في تحقيق الهدف المذكور و لا يوجد طريق آخر يوضح لنا معالم الطريق و يضع بين أيدينا تلك القوانين و القواعد المساعدة في هذا المجال، و أما الاختراعات و المبتكرات المادية التي نشاهد اليوم الكثير منها و التي ساعدت في تسهيل الحياة و توفير قسط من الراحة للانسان، فتنحصر فائدتها في الحياة المادية و لا تعد ضرورة في وصول الانسان الى الفلاح و السعادة.
و الجدير بالذكر ان الاشتهار بين الناس لا يضفي على الشخص المشهور او الحاجة المشهورة بعدا قيميا و معياريا فلا يعد ذلك هو المعيار الاساسي في التقييم، فعلى سبيل المثال مشهورية لاعب كرة القدم و معروفيته في الاوساط الشبابية لا تعد دليلا على تقدمه على ذلك العالم الذي لم يحظ بنفس المشهورية؛ و ذلك لان الناس قد يولون بعض الاشياء أهمية كبرى لا تنسجم عن واقعها و لا يعكس ما هي عليه من قيمة واقعية، و قد يعرضون عن اشياء و لا يهتمون بها او يعتبرونها من الامور الثانوية و الهامشية مع كونها ذات أهمية قصوى تفوق تلك التي اهتموا بها اضعافا مضاعفة. من هنا ندرك ان مشهورية المخترع بسبب ما قدمه من اختراع علمي مهم، لا تعد دليلا على تقدمه على الانبياء و الصالحين. فالشهرة إذن ليست ميزانا لمعرفة قيمة الناس و التفاضل بينهم.
ب. اظهرت الابحاث و الدراسات التي تعرضت في الآونة الاخيرة لابداعات الشيعة و ابتكاراتهم العلمية، الدورَ العلمي الكبير لرجال هذه الطائفة نشير الى بعضها بنحو كلي.
إن اكثر المفاخر الاسلامية تعود الى العهد الذي تمكنوا فيه من تاسيس حضارة كبرى و التي استمرت عدة قرون. حيث تمكن الاسلام و هو الدين الوحيد الذي تمكن من تاسيس الحضارة و توفير الارضية لنشر العلم و المعرفة و توفير الارضية اللازمة لتطور العلوم و الارتقاء المعرفي، و كان لعلماء المسلمين الكبار من الفلاسفة و المتكلمين و الفلكيين و الاطباء و الشعراء و... الدور البارز في الرقي العلمي و المعرفي، و كان الدور الذي اضطلع به علماء و مفكروا الشعية كبيرا و رائدا في هذا المضمار، ففي الفلسفة برز الفيلسوف الكبير ابن سينا و الفارابي فقد ترك الرجلان بصماتهم العلمية على التفكير الغربي الى الحد الذي بقيت فيه مصنفات ابن سينا تدرس في الجامعات الغربية حتى القرن السابع عشر الميلادي. كذلك تمكن المفكرون المسلمون من ابداع منهج عقلي للدفاع عن الدين و الذي اطلق عليها عنوان علم الكلام كان للشيعة و المعتزلة دور مهم في ارساء قواعده و قد تمكن هذا المنهج من وضع بصماته على الكثير من الابحاث و الدراسات و التسلل الى عقول الكثير من العلماء و الباحثين.[ii]
و في الختام نشير الى الى قضية مهمة و هي انه لا يوجد علم من العلوم المادية ينبع من هذا الدين او ذلك و قد برز العلماء و الباحثون في مجال العلوم التجريبية من اوساط جميع الاديان، كذلك لا يوجد دين من الاديان يثبت حقانيته انطلاقا من عدد الباحثين و العلماء المنتسبين اليه، و لكن مع ذلك كله لا يمكن الغفلة عن الدور الكبير الذي لعبه العلماء الشيعة في تشكيل و توفير الارضية المناسبة للعلوم الحديثة.[iii] و لكن المؤسف له ان تلك الانجازات لم تحظ باهتمام كبيرة و لم تعرض في الساحتين العلمية و الاجتماعية بالمستوى اللائق بها، باستثناء ما قام به بعض الباحثين و المحققين في الفترة الاخيرة.
علما ان الشيعة من بين الفرق الاسلامية القليلة التي أولت العقل أهمية كبرى و كانت و ما زالت توصي بالاهتمام باعتماده و الاستفادة من تلك النعمة الكبرى و اعلاء مكانة العلماء و الباحثين و المخترعين الذين قدموا للانسانية خدمات جليلة، و اذا ما وجدنا اليوم تراجعا و نكوصا في الساحة الاسلامية الشيعية و السنية فهذا في الحقيقة يعود الى قصور الشيعة و السنة لا التشيع و الاسلام.
لمزيد الاطلاع انظر:
الدین و أهدافه، 16507 (الموقع: ar16238).
دور الدین في الحياة العصرية، 16615 (الموقع: ar16392).
علاقة العلم و العقل و الدين و القرآن مع سائر العلوم، 592 (الموقع: ar645).
[i] لمزيد الاطلاع في هذا المجال انظر: الدين و التوقع للدكتور عبد الله نصري؛ و احمدي، محمد امین، انتظار بشر از دین = توقع البشر من الدين، پژوهش گاه علوم و فرهنگ اسلامي، قم، 1384 ش.
[ii] انظر: رضاپور، محمد مهدي، تاثیرات فکري معتزله بر الاهیان یهود در قرن دهم میلادي= تاثيرات الفكر المعتزلي على الالهيات اليهودية في القرن العشار الميلادي، رسالة ماجستير، دانشگاه ادیان و مذاهب= جامعة الاديان و الفرق، قم، 1390
[iii] لمزيد الاطلاع انظر: ولایتي، علي اکبر، نقش شیعه در فرهنگ و تمدن اسلام و ایران= دور الشيعة في الحضارة و ا لثقافة الاسلامية و الايرانية، انتشارات امیرکبیر، طهران 1389.