یستفاد من القرآن الکریم و روایات أهل البیت (ع) أن الذنوب متفاوتة من ناحیة العقاب و الجزاء الاخروی و الدنیوی، فلکل ذنب مرتبة خاصة، فقد إعتبر القرآن الکریم الشرک اعلى درجات الذنب و انه ظلم عظیم، و کذلک وعد بالعقوبة على ارتکاب بعض الذنوب مما یکشف عن کونها من الکبائر.
کذلک الامر بالنسبة الى العقوبة الدنیویة فقد جعل الشارع المقدس عقوبة الجلد لمن اقترف بعض الذنوب و لبعضها الآخر القتل و للثالث الکفارة و الجزاء النقدی و... .
لقد سن الشارع المقدس مجموعة من القوانین و الدساتیر لاسعاد البشریة، فمن التزم بها نال السعادتین الدنیویة و الاخرویة و من تمرد علیها حرم نفسه من السعادة الواقعیة.
الذنب و المعصیة بمعنى العصیان و التمرد على الاوامر الالهیة و الخروج من دائرة الطاعة.[1] و لاریب ان الذنوب متفاوتة سواء على مستوى العقوبة الدنیویة او الاخرویة.
فقد عد القرآن الکریم الشرک من الذنوب العظیمة: "إِنَّ الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِیم".[2] و فی آیة اخرى نرى الباری تعالى یقسم الذنوب الى قسمین، الذنوب التی هی دون الشرک و الذنوب التی فوق الشرک: "إِنَّ اللَّهَ لا یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَکَ بِهِ وَ یَغْفِرُ ما دُونَ ذلِکَ لِمَنْ یَشاءُ وَ مَنْ یُشْرِکْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعیداً".[3] و فی آیة اخرى یقول الباری تعالى: "الَّذینَ یَجْتَنِبُونَ کَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّکَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِکُمْ إِذْ أَنْشَأَکُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فی بُطُونِ أُمَّهاتِکُمْ فَلا تُزَکُّوا أَنْفُسَکُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى".[4] بمعنى ان الانسان اذا اجتنب کبائر الذنوب یغفر له الله تعالى مایقترفه من الذنوب الصغیرة المعبر عنها "باللمم"، و لکن هذا متوقف على عدم اصرار العبد على الصغیرة فقد ورد فی الحدیث "عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: "لا صَغِیرَةَ مَعَ الإِصْرَارِ وَ لا کَبِیرَةَ مَعَ الاسْتِغْفَارِ".[5]
تقسیم الذنوب فی الروایات
تقسم الروایات الواردة عن اهل البیت (ع) الذنوب الى کبائر و صغائر، فقد عد الامام الصادق (ع) - استنادا الى الآیات- من الذنوب الکبیرة و هی: الیأس من رحمة الله،[6] الأمن من مکر الله،[7] عقوق الوالدین،[8] قتل النفس المؤمنة،[9] رمی المحصنات،[10] اکل مال الیتیم،[11] الفرار من الجهاد،[12] اکل الربا،[13] الزنا،[14] الخیانة،[15] منع الزکاة الواجبة،[16] السحر،[17] الیمین الکاذبة من اجل الذنب،[18] نقض العهد.[19]
کذلک الامر بالنسبة الى العقوبة الدنیویة حیث نرى الذنوب متفاوتة من جهة العقوبة، فنرى ان الشارع قد سن لبعضها عقوبة الاعدام لمن یقترف جریمة القتل العمد او الزنا بذات البعل و ... و لبعضها الآخر الجلد کجریمة الزنا بغیر المحصنة و شرب الخمر و ...[20] کما سن لبعضها عقوبة مالیة مثل کفارة الافطار و نقض العهد و القسم و ...[21]
اما بالنسبة الى المقارنة بین الزنا و استماع الموسیقى فلاشک ان مرتبة الزنا اکثر بکثیر من مرتبة استماع الموسیقى، الا اننا اذا رجعنا الى الروایات الواردة عن الرسول الاکرم (ص) و اهل بیته (ع) نراها تعد استماع الموسیقى عاملا مساعدا لاقتراف جریمة الزنا، فقد روی عن النبی الاکرم (ص) انه قال: "الْغِنَاءُ رُقْیَةُ الزِّنَا".[22] و روی عن الامام الصادق (ع) ما مضمونه: "ان البیت الذی یکون فیه الغناء و الموسیقى لا یؤمن علیه الفاحشة".[23] فقد بینت الروایتان ان کلا من الغناء و الموسیقى مقدمة لاقتراف جریمة الزنا. لکن مع ذلک انا لم نعثر على دلیل یشیر الى ما ورد فی متن السؤال من کون عقوبة الزنا تضاعف عقوبة استماع الموسیقى باربع و ثلاثین مرة.
و فی الختام نقول: صحیح انه قد ورد فی التراث الاسلامی أن الذنوب لها مراتب متعددة و مختلفة الا انه لابد من الالتفات الى ان الروایات اشارت ایضا الى ان الذنب مهما کان صغیرا الا انه بالنسبة الى مقام الباری تعالى یعد کبیراً، فقد روی عن الامام الباقر (ع) انه قال: "لا تنظر إلى الذنب و صغره و لکن أنظر من تعصی به فإنه الله العلی العظیم".[24]
[1] عصمة الانبیاء و الرسول، العلامة العسکری، ص 78.
[2] لقمان، 13.
[3] النساء، 116.
[4] النجم، 32.
[5] الکافی، ج 2، ص 288.
[6] یوسف، 87.
[7] الاعراف، 99.
[8] مریم، 32.
[9] النساء، 93.
[10] النور، 23.
[11] النساء، 10.
[12] الانفال، 16.
[13] البقرة، 277.
[14] الفرقان، 68- 69.
[15] آل عمران، 161.
[16] التوبة، 35.
[17] البقرة، 102.
[18] آل عمران، 77.
[19] البقرة، 27؛ و انظر: مائة وخمسون موضوعا من القرآن الکریم، اکبر دهقان، ص210-212.
[20] المادة 83 من قانون المجازات الاسلامی، کتاب شرح قانون مجازات اسلامی، مرتضوی، ص 51.
[21] توضیح المسالئل للمراجع، کتاب الصوم، العهد، و... .
[22] بحار الانوار، ج 76، ص247، و الرقیة بمعنى السلّم.
[23] انظر اسئلة الشباب الجامعی، ص 32.
[24] تحف العقول، ص 5.