الخجل بمعنی الانکفاء علی الذات و الخوف من مواجهة الآخرین. و لیس الخجل مرادفاً للحیاء، فالحیاء هو بمعنی القدرة علی السیطرة و هو أمر إرادی و إیجابی و قد ورد مدحه فی الروایات و الآیات، و اما الخجل فهو ظاهرة لا ارادیة تماماً، و سلبیة و تکشف عن الضعف النفسی للانسان.
و جذور الخجل هی عبارة عن: مقارنة النفس مع الآخرین، و استصغار النفس، و الشعور بالوحدة، و الخوف من الفشل و السخریة و عدم النجاح، و استعظام العیوب الجسمانیة أو الداخلیة، الخلط بین التواضع و الخجل، و عدم الثقة بالنفس و ... .
قبل الاجابة عن السؤال، ینبغی التعرف علی مفهوم و معنی الخجل و من ثم نتعرض للبحث حول جذور الخجل.
لم ترد کلمة (الخجل) فی القرآن. و علیه فیجب الاستعانة بکتب اللغة و علم النفس لمعرفة معناها الواقعی.
و قد ذکرت معان متنوعة للخجل، و یبدو أن الافضل هو أن یکون معنی الخجل هو (الاضطراب من مواجهة الآخرین)، و ذلک ما تراه اکثر کتب علم النفس، و علیه فنحن فی هذا الجواب نبحث من وجهة النظر هذه.
الخجل هو انکفاء مضطرب علی الذات فی موقف اجتماعی یسبب للشخص ردود فعل نفسیة و عضلیة تؤثر علی إدراکاته و عواطفه و تؤدی الی ظهور تصرفات رکیکة غیر موزونة و ردود فعل غیر مناسبة.
و بعبارة بسیطة: الخجل یعنی الانکفاء علی الذات و الخوف من مواجهة الآخرین.
افتراق الحیاء عن الخجل:
جعل البعض الخجل مرادفاً للحیاء و شجع علی وجود ذلک عند البنات و أیده.
و هذا الفهم لیس صواباً فهما لیسا مترادفین، فقد ورد فی حدیث عن النبی الاکرم (ص) أنه قسم الحیاء الی قسمین: 1. الحیاء النابع من العقل، 2. الحیاء النابع من الحق. و علی هذا الاساس یقول أمیر المؤمنین علی (ع) أیضاً: من استحیی من قول الحق فهو أحمق. و فی قبال ذلک فان الحیاء من الناس بسبب العمل القبیح هو أمر حسن و محبّذ.[1] و بناء علی هذا فان الحیاء النابع من العقل هو أحد أبرز الصفات الانسانیة و هو علامة الایمان و دلیل علی قوة الشخصیة. و بعبارة اخری: ان القدرة علی السیطرة هی أمر ارادی و ایجابی و قد ورد مدحه فی الروایات و الآیات.[2]
و فی قبال ذلک یقع الخجل فهو سلوک غیر ارادی تماماً و هو مذموم و یکشف عن العجز و الفشل الاجتماعی. و الخجل عند الاطفال یعنی امتناع الطفل من الحضور و التحدث أمام الآخرین. اما الحیاء فیعنی التزام الطفل بالقیم النبیلة و الآداب الاسلامیة.
فان کان الطفل متحرزاً عن ارتکاب المنکرات و عمل المعاصی و التفاهة فهو لا یعد خجولا. و ان تعود الطفل علی احترام الکبار و تجنب المحرمات، و منع سمعه من الاستماع الی الأسرار فان مثل هذا الطفل لا یعتبر خجولاً، فان ذلک من مصادیق الحیاء الذی حثت علیه الأدیان الالهیة و السماویة.[3]
رأی الاسلام حول الخجل:
ان الاسلام یرفض الخجل، و یعلم ذلک من حثه علی تحمل المسؤولیات و أداء التکالیف الفردیة و الاجتماعیة.
و من الواضح ان تحمل المسؤولیات الاجتماعیة و أداء الوظائف الانسانیة و الاسلامیة لا یتم من دون امتلاک الشجاعة، ففریضة الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر مثلاً و هی التی أکد علیها القرآن کثیراً [4] تحتاج الی شجاعة اخلاقیة و قدرة علی إیجاد علاقة مفیدة و مؤثرة.[5]
عوامل الخجل و جذوره:
یظهر الخجل تدریجاً علی مدی مراحل النمو، فتظهر علامات الخجل فی الاطفال فی الشهر الرابع و تتضح معالمه تماماً فی السنة الاولی، حیث نراه یدیر وجهه عن الشخص الغریب او یغمض عینیه أو یغطی وجهه، و للوراثة دور فی خجل الاطفال و کذلک البیئة فهی تؤثر تماماً فی زیادة الخجل او تلطیفه فالاطفال الذین تربطهم علاقات مع اطفال آخرین یکونون أقل خجلاً.
و من عوامل الخجل لدی الاطفال هو أن الکبار یمنعونهم دوماً من أی کلام أو حرکة أمام الاصدقاء و المعارف و الغرباء و یدعونهم الی السکوت عن طریق إشارات التهدید بالعیون او الشفاه أو الاصابع، و اذا تکلموا فانهم یقمعون بشکل من الاشکال و فی النتیجة یفهم الطفل انه و لکی یبقی مصوناً عن خطر اللوم و الاستهزاء و لأجل أن یرضی عنه الکبار فانه لا طریق أمامه أفضل من السکوت و الخنوع.
و من الممکن طبعاً ان یحصل ذلک فی مرحلة الشباب أیضاً، و یمکن تلخیص عوامل ذلک فی الامور التالیة:
1. ان الشخص الخجول یشک فی قدراته و قابلیاته، و هو لذلک یتخیل انه لا أحد یحترمه (تحقیر الذات).
2. الشخص الخجول لا جرأة له (و لذا قیل فی تعریف الشخص الخجول انه الفاقد للجرأة)
و هو یخاف من ان یکون مورداً لاستهزاء و سخریة الآخرین.
و یری کثیر من المحققین ان السبب الاساسی للخجل هو الخوف او الاضطراب الاجتماعی.[6]
3. انه یبالغ فی بعض العیوب الجسمیة او النفسیة.
4. یخلط البعض بین التواضع و الخجل، فیعتبروه أمراً حسناً، فهو یرید باظهار الخجل ان یعتبره الآخرون متواضعاً، و الحال ان التواضع فضیلة مثل الحیاء، و لکن الخجل الزائد هو من العیب و النقص، فالشخص المتواضع مطلع علی قیمة نفسه و اما الخجول فهو اسیر خیالات واهیة تجعل من نفسة ضحیة لحسابات خاطئة.
5. التلقین الزائف؛ کأن یعتقد و یلقن نفسه ان شکله و صورته قبیحة او منفرة و فیها عیب و نقص، فهو لذلک لا یجعل نفسه امام منظر الآخرین و یمتنع من الحضور فی المجتمع فهو فی خوف من أن ترمقه أنظار الناس فیغادر الاجتماع سریعاً.
6. عدم الثقة بالنفس و هو یؤدی الی الانزواء و ابتعاد الشخص عن المجتمع.
7. و ربما کانت علة الخجل أحیاناً التکبر، حیث یصنع الشخص لنفسه شخصیة کاذبة فهو فی النتیجة یحسب لنفسه حساباً خاطئاً.
و الملاحظة الاخیرة هی ان الخجل لا یعنی ابداً عجز الانسان، فعادة ما یعتقد البعض انه عاجز، و لکنه لیس کذلک فی المواقع. فیجب علی الانسان ان یتعرف علی قدراته و استعداداته و ان یتعرف علی العوامل المؤثرة فی حصول الخجل – کالمراقبة الشدیدة و المفرطة لما یصدر منه من تصرفات و أعمال، و مقارنة النفس بالآخرین، و التکبر و الضعة، و الشعور بالوحدة، و الخوف من الفشل و الاستهزاء و عدم النجاح – فیمحوها من دائرة حیاته و أفق ذهنه.