بعض المواصفات و الآداب المهمة لأي طالب علم سواء أكان طالبا في المدرسة أو طالبا جامعيا أو طالبا حوزويا هي عبارة عن: تزكية النفس و بناء الذات، النشاط و الجهد العلميين، إكرام الأستاذ، الوعي السياسي الصحيح و… .
و أهم خصائص الطالب الجيد و كذلك أهم آداب طلب العلم هو أن يحظى الطالب في حركة طلبه للعلم و ارتقائه العلمي بالنية الطاهرة و أن يخطو باتجاه هدف إلهي و إنساني. كما لابد في طريق طلب العلم من السعي المستمر في المطالعة و الكتابة و المذاكرة و التفكر و حفظ المسائل و … و أن يستأنس بأشغاله العلمية و يعتبرها من رأس مال حياته.
نذكر المواصفات و الآداب المهمة التي يجب أن يحظى بها طلاب الجامعة و جميع طلبة العلم بمختلف أنواعهم، من خلال الأقسام التالية بشكل موجز، و إذا أردت المزيد راجع المصادر المرتبطة:
أ. تزكية النفس و بناء الذات
يمكن بناء الذات و تزكية النفس أي التخلص من الرذائل و نيل الفضائل الأخلاقية، عن طريق بعض الأعمال الخاصة التي نشير إلى بعض نماذجها في هذا المقام:
1. الإخلاص و تطهير النية
من أولى صفات و آداب طلب العلم التي يجب أن يعير الطلاب بها اهتماما بالغا هي أن يحملوا نية طاهرة أثناء حركتهم العلمية و تطورهم العلمي و يخطوا خطواتهم في هذا الدرب باتجاه هدف إلهي و إنساني؛ فإن مدار الأعمال على النيات و بسببها يكون العمل تارة خزفة لا قيمة لها و تارة جوهرة لا يعلم قيمتها لعظم قدرها و تارة وبال على صاحبه مكتوب في ديوان السيئات و إن كان بصورة الواجبات.[1] كما ورد عن النبي الأعظم (ص) أنه قال: إِنَّمَا يُبْعَثُ النَّاسُ عَلَى نِيَّاتِهِم.[2]
"لَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ و تُجَادِلُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ و لِتَصْرِفُوا و جُوهَ النَّاسِ إِلَيْكُمْ و ابْتَغُوا بِقَوْلِكُمْ مَا عِنْدَ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَدُومُ و يَبْقَى و يَنْفَدُ مَا سِوَاهُ…"[3]
إذن لابد لطلاب العلم أن يهدفوا في جهودهم العلمية و العملية إلى رضا الله و طاعته و تهذيب أنفسهم من الرذائل الأخلاقية و إرشاد عباد الله المتعال إلى حقائق الدين و خدمة الإسلام، و أن يتجنبوا عن الأهداف الدينية السقيمة التي لا قيمة لها. كما لا ينبغي أن يكون هدف طلب العلم الاستعلاء و التفاخر على الآخرين.
2ـ عدم الاختلاف بين القول و الفعل في العلوم المعنوية
الميزة الأخرى التي يجب على طلبة العلوم المعنوية و المعارف الدينية أن يهتموا بها هي أن يطبقوا هذه المعارف شيئا فشيئا إلى جانب تعلمها و التعرف عليها. إن العلم و المعرفة بمثابة الشجرة و العمل به بمثابة ثمرة هذه الشجرة.
يقول الإمام الصادق (ع): َ إِنَّ الْعَالِمَ إِذَا لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ زَلَّتْ مَوْعِظَتُهُ عَنِ الْقُلُوبِ كَمَا يَزِلُّ الْمَطَرُ عَنِ الصَّفَا.[4]
3. تصفية القلب من الرذائل الأخلاقية
لابد للإنسان الذي يسلك طريق طلب العلم أن يطهر قلبه من الرذائل الأخلاقية التي تجرّ شخصية الإنسان الروحية و المعنوية إلى السقوط و الانحطاط، و يتحلّى بالفضائل الأخلاقية.[5]
4. الاهتمام بأداء الواجبات و ترك المحرمات
يجب على أهل العلم أن يهتموا كباقي الناس بأداء الواجبات من الصلاة و الصيام و … و أن يجتنبوا الذنوب؛ إذ أن لأعضاء الإنسان و جوارحه أحكاما خاصة ذكرت و درست في محلها من قبيل الكتب الفقهية و الرسائل العملية. و لابد لكل مسلم أن يتعلمها و يسلّم لهذه الضوابط.
ب. الجهد و الحركة و النشاط العلمية
1. لابد في طريق طلب العلم من السعي المستمر في المطالعة و الكتابة و المذاكرة و التفكر و حفظ المسائل و… و أن يستأنس الطالب بأشغاله العلمية و يعتبرها من رأس مال حياته.[6] قال الرسول الأعظم (ص): "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ و جَلَّ يَقُولُ تَذَاكُرُ الْعِلْمِ بَيْنَ عِبَادِي مِمَّا تَحْيَا عَلَيْهِ الْقُلُوبُ الْمَيْتَةُ إِذَا هُمُ انْتَهَوْا فِيهِ إِلَى أَمْرِ"[7]
2. الدخول في أجواء الدرس و المدرسة تحمّل الإنسان مسؤولية تعليم ما تعلمه للآخرين. إن تكويم المعلومات و البخل بها على الغير عمل غير مطلوب. إذن لا ينبغي لأهل العلم أن يبخلوا على من دونهم في العلم بنقل معلوماتهم إليهم، بل مكلفون بتعليم الآخرين بحسب استيعابهم و أن يزيدوا من علمهم. يقول الإمام الباقر (ع): "زَكَاةُ الْعِلْمِ أَنْ تُعَلِّمَهُ عِبَادَ اللَّهِ"[8]
3. أن يجتنب معاشرة الأشخاص الذين يحرفون و يلهون الطالب عن مسير الدراسة و أهدافه، خاصة أولئك الذين يقضون عمرهم بلا فائدة.[9]
4. أن يكون راضيا بالدراسة غير قانع بمقدار علمه. فإذا استطاع أن يستوعب مزيدا من العلم و المعلومات لا ينبغي أن يقنع بالقليل من العلم. و لا يكل العمل و النشاط العلمي إلى المستقبل و لا يؤخر ذلك؛ إذ خلال التأخير في أي عمل قد تحدث آفات و حوادث ضارة. كما قال أمير المؤمنين (ع): "إِضَاعَةُ الْفُرْصَةِ غُصَّةٌ"[10] كما يستطيع أن يستغل باقي فرصه لتعلم المسائل المفيدة الأخرى.
ج. إكرام مقام الأستاذ و المعلم
كل من اشتغل بالدراسة و طلب العلم يجب عليه أن ينظر إلى الأستاذ بنظرة التبجيل و الاحترام؛ إذ إن نظر التلميذ إلى أستاذه بهذه النظرة يستطع أن يستفيد من الأستاذ و نفوذ شخصيته و ثبات بيانه و كلامه و يدخرها في ذهنه.[11] إذن لابد للطالب أن يعرف حق أستاذه و بعد ذلك يؤدّيها.[12]
لقد أوصى الأئمة الأطهار (ع) كثيرا في احترام التلميذ إلى الأستاذ و الحقوق التي يجب أن يراعيها تجاه معلمه، و ذكروا بعض المصاديق لتحقق هذا الاحترام و الأدب. فعلى سبيل المثال قد ذكر الإمام السجاد (ع) هذه الموارد بصفة حقوق الأستاذ على الطالب حيث قال:
"و أما حق سائسك بالعلم فالتعظيم له و التوقير لمجلسه و حسن الاستماع إليه و الإقبال عليه و المعونة له على نفسك فيما لا غنى بك عنه من العلم بأن تفرغ له عقلك و تحضره فهمك و تزكي له قلبك و تجلي له بصرك بترك اللذات و نقص الشهوات…"[13]
د. الوعي السياسي و الاجماعي الصحيحين
لابد لطلبة العلم و بصفتهم الشريحة المثقة في المجتمع أن يكون لديهم وعي و رؤية تجاه المسائل السياسية و الاجتماعية بقدر أن لا يضرّ هذا الاهتمام بدراستهم و لا يبعد الطالب عن أهدافه العلمية.
يقول أمير المؤمنين (ع): "مَنْ عَرَفَ الْأَيَّامَ لَمْ يَغْفُلْ عَنِ الِاسْتِعْدَاد"[14]
إن إحصاء مواصفات طالب العلم الجيد و آداب طلب العلم يقتضي مزيدا من الأبحاث و يمكن مراجعة المصادر الخاصة بآداب التعليم و التعلّم من قبيل كتاب "منية المريد في آداب المفيد و المستفيد"[15]
[1] الشهيد الثاني، منية المويد، ص 131، نشر مكتب الإعلام الإسلامي، قم، 1409ق.
[2]. العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 67، ص 249، دار إحياء التراث العربی، بيروت، الطبعة الثانية، 1403ق؛ الشهيد الثاني، زين الدين بن على، منية المريد فی أدب المفید و المستفید، محقق و مصحح: مختارى، رضا، ص 133، مكتب الإعلام الإسلامی، قم، چاپ اول، 1409ق.
[3]. بحار الأنوار، ج 2، ص 38؛ منية المريد فی أدب المفید و المستفید، ص 135.
[4]. الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، حققه و صححه: غفارى على اكبر و آخوندى، محمد، ج 1، ص 44، دار الكتب الإسلامية، طهران، الطلعة الرابعة، 1407ق.
[5]. لقد ذكرت و درست الحقائق و المصاديق المرتبطة بالرذائل و الفضائل الأخلاقية في مختلف الكتب الأخلاقية فراجعها. كذلك راجع موضوع «الإرشاد لاستئصال الرذائل»، السؤال 4729 (الموقع: ar5011).
[6]. راجع: آداب التعليم و التعلم في الإسلام (آداب تعلیم و تعلّم در اسلام) ص 208 و 209، الكتاب باللغة الفارسية.
[7]. الکافي، ج 1، ص 41.
[8]. المصدر نفسه.
[9]. آداب التعليم و التعلم في الإسلام (آداب تعلیم و تعلّم در اسلام)، ص 342 و 343.
[10]. بحار الأنوار، ج 68، ص 217.
[11]. آداب تعلیم و تعلّم در اسلام، ص 369 و 370.
[12]. راجع موضوع «تعلم العلم و الحكمة»، السؤال 6797 (الموقع: 6986).
[13]. ابن شعبة الحراني، حسن بن علي، تحف العقول عن آل الرسول (ص)، حققه و صححه: الغفاري، على أكبر، ص 260، جماعة المدرسين، قم، الطبعة الثانية، 1404ق.
[14]. الكافي، ج 8، ص 23.
[15]. للشهید الثاني، زین الدین بن علی العاملي (استشهد في 966ق).