من الواضح ان ثورة الامام الحسین (ع) تعرضت للتعتیم و المحاصرة الاعلامیة من جمیع الجهات و لم یصل لنا الکثیر من احداث و وقائع المعرکة و خاصة الجزئیات منها، و منها قضیة عطش الامام و اصحابه، الا ان الشیء الذی یمکن قوله ان قضیة عطش الامام و اصحابه ثابتة و ذلک لانه قد ورد الحدیث عنها فی الزیارات و الاحادیث الکثیرة التی اشارت الى ان الامام قتل عطشانا، منها: " ما رواه العلامة المجلسی (ره) من اخبار جبریل (ع) النبی (ص) بما یجری على و لده الحسین (ع) قائلا:"...... وَلَدُکَ هَذَا یُصَابُ بِمُصِیبَةٍ تَصْغُرُ عِنْدَهَا الْمَصَائِبُ! فَقَالَ (ص): یَا أَخِی وَ مَا هِیَ؟ قَالَ: یُقْتَلُ عَطْشَاناً غَرِیباً وَحِیداً فَرِیداً لَیْسَ لَهُ نَاصِرٌ وَ لَا مُعِین" و غیرها من الروایات الکثیرة.
نعم قضیة عطش الامام الحسین (ع) مسلمة و لکن التفاصیل بقیت مجهولة لنا هل حفر بئرا ام لا؟، و کم هی المدة التی عطش فیها و.... و قد وردت روایات تشیر الى ان الامام حفر بئرا و اخرى تقول ان الامام ارسل اخاه العباس (ع) الى المشرعة و کذلک ارسل ولده علیا الاکبر (ع) مع خمسین فارسا لجلب الماء، واما فی یوم العاشر من المحرم فقد انقطعت الطرق و لم یتمکن من جلب الماء.
من الواضح ان ثورة الامام الحسین (ع) حدثت فی ظروف خاصة کانت فیها السطوة و القدرة بید الامویین الذین عرفوا بکم الافواه و تحریف الحقائق، من هنا تعرضت الثورة لتعتیم اعلامی قل نظیره، و هکذا فی عصر العباسیین حیث مارسوا نفس السیاسة الامویة بل فی بعض الاحیان کانت اشد لؤما و قسوة مع العلویین و کل ما یمت الیهم بصلة و لذلک بقی الکثیر من احداث الثورة مخفیا علینا خاصة التفاصیل فمن الواضح ان ثورة الامام الحسین (ع) انطلقت قبل یوم عاشوراء بفترة طویلة انطلاقا من المدینة المنورة الى مکة المکرمة مرورا بعدد من المنازل ثم حط الرحال فی کربلاء، و نحن اذا راجعنا تاریخ الثورة لانراه یذکر کثیرا من تفاصیل تلک الرحلة بل حتى احداث یوم العاشر خفی منها الکثیر.
ومن تلک الامور التفصیلیة مسالة عطش الحسین (ع) و اصحابه المیامین، الا ان المراجع للمصادر الحدیثیة و کتب الزیارات و التاریخ یجد ان اصل قضیة تعرض الامام للعطش و انه استشهد عطشانا قد وردت فی الکثیر من المصادر و بطرق معتبرة یعضد بعضها البعض الآخر، منها:
روى کل من العلامة النوری و العلامة المجلسی: " إِنَّ الْحُسَیْنَ بْنَ عَلِیٍّ (ع) قُتِلَ مَظْلُوماً مُضْطَهَداً نَفْسُهُ وَ عَطْشَاناً هُوَ وَ أَهْلُ بَیْتِهِ وَ أَصْحَابُهُ ".[1]
کذلک روى صاحب المستدرک: "عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ الباقر (ع) قَالَ:" إِنَّ الْحُسَیْنَ (ع) صَاحِبَ کَرْبَلَاءَ قُتِلَ مَظْلُوماً مَکْرُوباً عَطْشَاناً [عَطْشَانَ] لَهْفَانا"[2]
و روى العلامة المجلسی (ره) اخبار جبریل (ع) النبی (ص) بما یجری على ولده الحسین(ع) التی منها تعرضه للعطش:"...... وَلَدُکَ هَذَا یُصَابُ بِمُصِیبَةٍ تَصْغُرُ عِنْدَهَا الْمَصَائِبُ! فَقَالَ(ص): یَا أَخِی وَ مَا هِیَ؟ قَالَ: یُقْتَلُ عَطْشَاناً غَرِیباً وَحِیداً فَرِیداً لَیْسَ لَهُ نَاصِرٌ وَ لَا مُعِین" .[3]
و جاء فی کامل الزیارات: روى الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ (ع) قَالَ:" إِنَّ الْحُسَیْنَ صَاحِبَ کَرْبَلَاءَ قُتِلَ مَظْلُوماً مَکْرُوباً عَطْشَاناً لَهْفَاناً فَآلَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لَا یَأْتِیَهُ لَهْفَانٌ وَ لَا مَکْرُوبٌ وَ لَا مُذْنِبٌ وَ لَا مَغْمُومٌ وَ لَا عَطْشَانٌ وَ لَا مَنْ بِهِ عَاهَةٌ ثُمَّ دَعَا عِنْدَهُ وَ تَقَرَّبَ بِالْحُسَیْنِ بْنِ عَلِیٍّ (ع) إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَّا نَفَّسَ اللَّهُ کُرْبَتَهُ وَ أَعْطَاهُ مَسْأَلَتَهُ وَ غَفَرَ ذَنْبَهُ وَ مَدَّ فِی عُمُرِهِ وَ بَسَطَ فِی رِزْقِهِ "[4]
و کذلک جاء فی کتاب ثواب الاعمال:" إذا زرت أبا عبد الله (ع) فزره و أنت حزین مکروب شعث مغبر جائع عطشان فإن الحسین (ع) قتل حزینا مکروبا شعثا مغبرا جائعا عطشانا و اسأله الحوائج و انصرف عنه و لا تتخذه وطنا"[5]
کما روى فی الکافی و کامل الزیارات بالسند التالی[6]: عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّیِّ قَالَ: کُنْتُ عِنْدَ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ (ع) إِذَ اسْتَسْقَى الْمَاءَ فَلَمَّا شَرِبَهُ رَأَیْتُهُ قَدِ اسْتَعْبَرَ وَ اغْرَوْرَقَتْ عَیْنَاهُ بِدُمُوعِهِ ثُمَّ قَالَ لِی:" یَا دَاوُدُ لَعَنَ اللَّهُ قَاتِلَ الْحُسَیْنِ (ع) فَمَا مِنْ عَبْدٍ شَرِبَ الْمَاءَ فَذَکَرَ الْحُسَیْنَ وَ لَعَنَ قَاتِلَهُ إِلَّا کَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِائَةَ أَلْفِ حَسَنَةٍ وَ حَطَّ عَنْهُ مِائَةَ أَلْفِ سَیِّئَةٍ وَ رَفَعَ لَهُ مِائَةَ أَلْفِ دَرَجَةٍ وَ کَأَنَّمَا أَعْتَقَ مِائَةَ أَلْفِ نَسَمَةٍ وَ حَشَرَهُ اللَّهُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ ثَلِجَ الْفُؤَادِ " [7]
ومن الواضح ان تذکر الامام الصادق (ع) لجده الامام الحسین (ع) و بکاءه علیه کلما شرب الماء دلیل على ان الامام الحسین (ع) قتل عطشانا محروما من الماء.
ثم ان القضیة لم تنحصر بالروایات بل نجد ان الشعراء تلقوا القضیة بالتسلیم و من هنا نجد شاعر أهل البیت "دِعْبِل الخزاعی" حینما انشد تائیته المعروفة فی مجلس الامام الرضا (ع) حیث قال فیها بعد ان اسْتَعْبَرْت عیناه وَ أَنْشَأ:
أَ فَاطِمُ لَوْ خِلْتِ الْحُسَیْنَ مُجَدَّلًا وَ قَدْ مَاتَ عَطْشَاناً بِشَطِّ فُرَاتٍ
إِذاً لَلَطَمْتِ الْخَدَّ فَاطِمُ عِنْدَهُ وَ أَجْرَیْتِ دَمْعَ الْعَیْنِ فِی الْوَجَنَات[8]
و من المعلوم ان هذه القصیدة انشدت فی مجلس الامام الرضا (ع) و ان سکوت الامام علی ما ذکره الشاعر من عطش الحسین (ع) دلیل علی صحته و الا لاعترض الامام علیه.
اذاً قضیة عطش الامام الحسین (ع) مسلمة و لکن التفاصیل بقیت مجهولة لنا هل حفر بئرا ام لا؟ و کم هی المدة التی عطش فیها و....
نعم هناک روایات فی هذا الخصوص یمکن الاشارة الى بعضها:
1- نقلت بعض الروایات ان الامام الحسین (ع) حفر بنفسه بئرا خلف الخیام بمقدار تسع خطوات باتجاه جنوب الخیام نبعت منه ماء عذبة شرب منها الامام (ع) و اصحابه و ملاؤا قربهم ... .[9]
2- ذکرت الکتب التاریخیة ان الخبر وصل الى عبیدالله بن زیاد فارسل رسالة الى عمر بن سعد یامره بمنع الامام (ع) و اصحابه من حفر الآبار لکی لا یتمکن أهل البیت من الوصول الى الماء لانه سیؤثر على مسیر المعرکة فقام ابن سعد بما امر به و منع الحسین (ع) من الحفر.[10]
3- جاء فی المناقب ان الامام الحسین (ع) و أهل بیته منعوا الماء ثلاثة أیام بلیالیها فحفروا بئرا من اجل الحصول على الماء لغیر الشرب الا ان الاعداء طمّوا ذلک البئر، و تارة اخرى ارسل الامام اخاه ابا الفضل العباس لکسر الحصار المضروب على المشرعة واخرى ارسل ولده علیا الاکبر مع خمسین من اصحابه من أجل جلب الماء، الا ان مسالة جلب الماء فی یوم العاشر من المحرم اصبحت غیر ممکنة[11] و هذا ما کان یرومه الاعداء من منع الامام و اصحابه من شرب الماء لاضعاف قدراتهم القتالیة بسبب شدة العطش[12].
[1] مستدرکالوسائل ج : 10 ص : 238، بحارالأنوار ج : 98 ص : 27.
[2] مستدرکالوسائل ج : 10 ص : 240.
[3] بحارالأنوار ج : 44 ص : 246.
[4] بحارالأنوار ج : 98 ص : 46، کامل الزیارات الباب الثامن و الأربعون کیف یحب أن یکون زائر الحسین بن علی ص 131.
[5] ثوابالأعمال ص : 89.
[6] هذا سند کامل الزیارات.
[7] بحارالأنوار ج : 44 ص : 304،الکافی ج : 6 ص : 392، کاملالزیارات ص : 107.
[8] دیوان دعبل الخزاعی ، القصیدة التائیة.
[9] مدینة المعاجز، الباب الثالث فْ معاجز الامام ابی عبدالله الحسین (ع)، ص 245.
[10] الفتوح، ابومحمد احمد بن علی بن اعثم الکوفی، الطبعة الاولی، 1372، القسم الثانی، الفصل السادس، ص 893.
[11] منتهی الآمال، الشیخ عباس القمی (ره)، الطبعة الثانیة، 1381، الباب الخامس، المقصد الثالث، الفصل الاول، ص 427، الحاشیة.
[12] انظر حیاة الامام الحسین (ع)، سید هاشم رسولی محلاتی، الطبعة الرابعة، 1378، ص 387.