اولا: صحیح ان بعض الغلاة و المفوضة تمکنوا من وضع بعض الاحادیث بین روایات اصحابنا، الا ان عملیة التصفیة و الغربلة التی تعرض لها الحدیث فی کتب اصحابنا و خاصة فی مجامعنا الروائیة استطاعت ان تنقی تلک المجامیع من الروایات الموضوعة. فعلى کل حال لابد من تحدید معیار الغلو و معرفة احادیث الغلاة (و ان کانت صحیحة).
ثانیا: لایصح الاعتماد على اطلاق صفة الغلو على الشخص من قبل القدماء، و ذلک لانهم اطلقوا هذا الوصف على بعض الرواة من کبار اصحاب الائمة (ع).
ثالثا: اذا عرفنا مفهوم الحدیث المتواتر و شروطه حینئذ یستحیل القول بتطرق الجعل و الوضع علیه؛ و ان الفرق واضح بین المتواتر حقیقیة و بین ادعاء التواتر.
رابعا: الاحادیث و الزیارات التی وردت فیها صفات اهل البیت (ع) کالزیارة الجامعة الکبیرة، انما رویت من قبل اشخاص متشددین فی مواجة الغلو و التفویض؛ من هنا فان صرف وجود روایة تدل على صفة او فضیلة لاهل البیت (ع) فوق البشر لایدل على کون الروایة مجعولة من قبل الغلاة.
ان حقیقة السؤال ترجع الى انه هل استطاع الغلاة و المفوضة التغلغل الى صفوف اصحابنا و وضع الاحادیث بحیث وضعوا روایات صحیحة السند و متواترة؟ و اذا تمکنوا من ذلک ما هو مقدار تاثیرهم على مجامعنا الروایة و ما هو مقدار التاثر بتلک الافکار؟
الاجابة تقتضی ان نسلط الضوء على ان مفهوم الغلو و التفویض یطلق على ای صنف من الرواة، و ما هی النظریات المطروحة فی هذا المجال؟ ثم البحث عن المراد من الحدیث المتواتر و شروطه، بالاضافة الى التعرض لبیان نقاء المجامیع الحدیثیة من هذه الروایات المجعولة.
یطلق الغلو على بعض الشیعة الذین غلوا فی وصف الائمة و اضفوا علیهم الالوهیة او حلول الله فیهم.[1]
اما المفوضة فهو مصطلح اطلق على مر التاریخ على طوائف متعددة منهم المعتزلة من اهل السنة، یقول المرحوم المامقانی فی مقیاس الهدایة: للمفوضة تسعة اسماء سبعة منها لها معنى صحیح و اثنان منها فاسدان،[2] هی:
1- الطائفة الاولى هی التی ذهبت الى ان الله تعالى بعد ان خلق الکون فوض تدبیر امره الى النبی الاکرم (ص)، ثم لعلی (ع) و من بعده للائمة من ولده.
2- الطائفة الثانیة هی التی قالت بالاباحة و التی اعتقدت ان الله تعالى رفع المحرمات عن کاهل العباد، فللعبد ان یفعل ما یشاء.
ان القضیة لم تکن بالامر السهل و الهین على مر التاریخ الشیعی حیث طرحت افکار و نظریات مختلفة فی هذا المجال فی نسبة الغلو و التفویض الى بعض الشخصیات بنحو لابد من التامل فیه و الاحتیاط اتجاهه کما یؤکد ذلک العلماء المتاخرون، یقول العلامة المامقانی (ره): لقد نسبت الغلو الى جماعة هم لیسوا من الغلاة حقیقة فلابد من التامل و البحث فی هذه النسبة.[3] ثم اضاف: لیس من اللائق اسقاط الشخص من الاعتبار بمجرد اتهامه بالغلو، فربما یقول بالتفویض بمعناه الصحیح.[4]
کذلک نرى المرحوم الحائری یقول فی کتابه منتهى المقال: کثیرا ما کان القدماء و خاصة القمیین و ابن الغضائری ینسبون الغلو انطلاقا من عقائدهم الخاصة حیث کانوا یرون تجاوز ذلک الاعتقاد فی الائمة (ع) یعد غلوا و ارتفاعا فی القول، مثلا عدوا القول بنفی السهو و الخطأ غیر العمدی عن النبی (ص) غلوا و ارتفاعا، (الامر الذی یعد الیوم طبیعیا حیث لایختلف احد الیوم بنفی السهو عنه) بل ربما نسبوا التفویض الیه...[5] فقد نقل عن الشیخ المفید ان الشیخ الصدوق کان ینسب الغلو الى کل من ینفی السهو عن الرسول الاکرم (ص).
فاذا ما اخذ بهذه القاعدة فان الکثیر من الناس یدخلون فی الغلاة ایضا![6] فعلى سبیل المثال نسب الغلو الى داود الرقی الذی وثقه الکشی و ذکره باجلال.[7] قال عنه ابن الغضائری: کان فاسد المذهب ای من الغلاة.[8] و هکذا الکلام فی محمد بن عیسى بن عبید الذی صرح النجاشی بکونه من اعاظم المشایخ و انه ثقة، الا ان ابن بابویة القمی استثناه من رجال کتاب نوادر الحکمة لاتهامه بالغلو فلم یقبل روایاته.[9] ینقل المرحوم التستری موقف القمیین من محمد بن اورمة حیث قال: ذکره القمییون و غمزوا علیه و رموه بالغلو، حتى دس علیه من یفتک به، فوجدوه یصلی من اول اللیل الى اخره فتوقفوا عنه.[10]
اذن هذا هو الموقف من الغلو و لیس من الصحیح ان نلغی روایات الشخص لمجرد اتهامه بالغلو او التفویض، فان الغاءها لایعد عملا علمیا و انه مخالف للحقیقة و ربما ضاع بعض التراث الشیعی بسبب تلک التهمة.
اما الخبر المتواتر فهو الخبر الذی یرویه جماعة کبیرة – فی کل الطبقات - یمتنع عقلا اجتماعهم على الکذب، و یحصل من خلال نقلهم العلم بصحة الخبر.[11]
و ذکروا للحدیث المتواتر شروطا یمکن القول من خلالها کما قال العلامة عبد الهادی الفضلی: ان العلم الذی یحصل من الخبر المتواتر علم ضروری (بدیهی) و لیس علما نظریا کسبیا.[12]
من هنا کیف یمکن ان تنسب الاحادیث المتواترة الى الغلاة او المفوضة مع ان الشرط الاساسی للحدیث المتواتر ان ینقله جماعة کبیرة - فی کل الطبقات - یمتنع تواطؤهم على الکذب؟!
نعم قد یدعی البعض ان ذلک - ای الکذب- یصدق فی الخبر المتواتر تواترا معنویا. نقول: لو سلمنا ذلک الا ان الاحادیث الواردة فی الکتب الاربعة لیست من نوع التواتر المعنوی، اضف الى ذلک انا بینا فی السؤال (1937) الطریقة التی اعتمدت لتنقیة الاحادیث الصادرة عن اهل البیت (ع) و التی نقلها المحدثون الکبار،[13] و ان عملیة التنقیة بدأت من عصر الائمة و استمرت على ید السائرین على نهجهم من العلماء و المحققین.
ان علوم اهل البیت تعرضت للتنقیة و الغربلة کثیرة و بطرق متعددة، فلقد کان الشیخ الصدوق (ره) متشددا فی الغلو کثیرا حتى انه کان یعد القائلین بنفی السهو عن النبی الاکرم (ص) فی زمرة الغلاة، فکیف مع کل ذلک یمکن تصور دخول روایات الغلاة الى مصادرنا الروائیة! بل نرى شدة الموقف تتجلى اکثر حینما نرى ان القمیین اخرجوا البرقی من مدینة قم لانه ینقل عن الضعفاء و لم یشفع له کتابه المحاسن الذی یعتبره البعض افضل من کتاب الکافی.[14]
اذا عرفت هذا نقول: ان هؤلاء القمیین المتشددین فی الحدیث هم انفسهم رووا الزیارة الجامع الکبیرة التی تحتوی على فضائل اهل البیت بصورة کبیرة جدا! هذه الزیارة التی نسبها من لاعلم له بالحدیث انها من صنع الغلاة، مع ان الناقل لها هو الشیخ الصدوق (قدس).[15]
الخلاصة:
اولا: ان تهمة الغلو الصقت بکثیر من اصحاب الائمة (ع) الا ان مجرد التهمة لایمکن ان یثبت انهم من الغلاة او المفوضة حقیقة بحیث ترفع الید عن الاحادیث التی نقلوها لنا.
ثانیا: ان هذه المجعولات على فرض وجودها لیس لها وجود بین الاحادیث المتواترة لفظا.
ثالثا: ان کتبنا الرؤایة قد غربلت و صفیّت اکثر من مرة من قبل الائمة و تلامیذهم و صفیت من لوث الاحادیث المجعولة، و لاتزال عملیة التصفیة و الغربلة جاریة على ید العلماء و المجتهدین. و من الملاحظ انه توجد روایات لایعتمدها العلماء و المجتهدون لکن هذا لایعنی ان سیل الروایات الموضوعة قد انحدر فی مصادرنا الشیعیة بالنحو الذی یحاول البعض ان یصوره.
على کل حال ان تحدید مفهوم الغلو یمیز لنا روایات الغلاة عن غیرهم.
الى هنا کان الجواب مبنیا على مفروض السؤال القائل (هل یوجد احتمال لتعرض الروایات المتواترة للوضع من قبل الغلاة و المفوضة؟) الا ان الظاهر من کلام الشیخ محسن کدیور هو شیء آخر هو: انه لاینبغی الاصغاء الى ما یقال من تواتر روایات الفضائل التی ترتقی بالائمة الى ما فوق البشر، و ذلک لانعدام شرط التواتر و هو انعدام تواطؤ الرواة على الکذب فحسب، بل لاحتمال تواطؤهم علیه فی بعض الاحیان.
فالشیخ کدیور یرکز على ان شرط التواتر و هو (عدم التواطؤ على الکذب) غیر موجود فی روایات الفضائل.
جوابه: اولا: انه اتضح من خلال تعریف الغلاة و المفوضة ان عددهم قلیل جدا.
ثانیا: ان عملیة الغربلة للحدیث و الرجال جعلت من تمکن الغلاة – و هم بهذه القلة - من وضع الاحادیث بصورة متواترة امرا غیر ممکن و غیر معقول و انه بحد من الضعف بحیث لایعتنی به العقل. ان مجرد الاحتمال لایمکن ان یکون دلیلا یمکن الاستناد الیه فی مثل هکذا قضایا.
[1] فرهنگ فرق اسلامی، محمد جواد مشکور، ص 344.
[2] تلخیص مقیاس الهدایة، المامقانی، ص 151 تا 149.
[3] نفس المصدر، ص152.
[4] نفس المصدر.
[5] منتهی المقال، ج 1، ص 77، نقلا عن مقیاس الرّواة، سیفی مازندرانی، ص 238.
[6] تصحیح الاعتقادات، الشیخ المفید، ص 135. طبع دارالمفید، بیروت.
[7] رجال الکشی، ص 402؛ رجال الطوسی ص 336.
[8] رجال الغضائری، ج 1، ص 58.
[9] رجال النجاشی، ص 245.
[10] قاموس الرجال، ج 1، ص 68، 66.
[11] فرهنگ اصطلاحات حدیث "معجم مصطلحات الحدیث"، محمد یوسف حریری، ص 114.
[12] اصول الحدیث، الشیخ عبدالهادی الفضلی، ص 71 – 77.
[13] الکلینی و الصدوق و الطوسی.
[14] کلیات فی علم الرجال، الاستاذ جعفر السبحانی، ص 275.
[15] تلخیص مقیاس الهدایة، تعلیقة الاستاد غفّاری، ص 154.