إن أمر الشارع المقدس بالقیام بعمل ما، یکشف عن وجود المصلحة فیه؛ و نهیه عن أمر آخر یکشف عن وجود المفسدة و الضرر فیه اللذین یعودان على العباد أنفسهم. و لکن قد یعجز العقل عن اکتشاف تلک المصالح و المفاسد الکامنة وراء تلک التشریعات.
فربما یکون للعب بآلات القمار - فی حد نفسه و مع خلوه من المراهنة- مفاسد لا یدرکها الا الحکیم العلیم، و من هنا قام بتحریمها، و من تلک المفاسد ما اشارت الیه الآیة المبارکة من الصد عن ذکر الله تعالى و ایقاع العداوة بین الناس، و هذه الحالة قد لا تختص بالمقامرة و المشارطة فقط، بل قد تحصل بمجرد اللعب بتلک الآلات.
و قد استدل على حرمة اللعب بالآلات المعدة للقمار خاصة باطلاق الآیات و الروایات، تجد تفصیل ذلک فی الجواب التفصیلی.
الاجابة عن السؤال تقتضی بیان بعض المفاهیم:
الف: مفهوم القمار و المقامرة
یظهر من خلال التأمل بکلمات الفقهاء و أرباب اللغة أنهم ذکروا ثلاث نظریات لتعریف القمار، هی:
1. القمار بالکسر المقامرة. و تقامروا: لعبوا بالقمار، و اللعب بالآلات المعدة له على اختلاف أنواعها نحو الشطرنج و النرد و غیر ذلک، و أصل القمار الرهن على اللعب بالشیء من هذه الأشیاء.[1]
2. القمار اللعب بالآلات المعدة له على اختلاف أنواعها، و أصل القمار: الرهن على اللعب بشیء من هذه الأشیاء، و إن لم یکن رهن.[2]
3. القمار بکسر الفاء (على وزن فِعال من باب المفاعلة) مصدر قامر إذا غالب و المراد اللعب بالآلات المعدة للمغالبة کالنرد و الشطرنج و الأربعة عشر و غیرها حتى الجوز و الخاتم.[3]
ب. آلات القمار
الآلات و الوسائل التی تتم بها المقامرة على نحوین:
1. تارة تکون الآلة مصنوعة خصیصا للمقامرة کالشطرنج و النرد.
علما أن وصف الآلة بکونها آلة قمار لا یعنی بحال بقاء الوصف ملازما لها دائماً، فقد تخرج عن کونها آلة قمار عرفاً، من هنا نرى بعض الاعاظم افتى بحلیة الشطرنج اذا خرج عن کونه آلة قمار عرفا و تحول الى آلة فکریة ریاضیة صرفة و کان اللعب خالیاً من المراهنة و المقامرة.[4]
2. و تارة أخرى لم تکن الآلة مصنوعة للمقامرة و لکن قد یستعملها المتقامرون لهذه الغایة، کالخاتم و الجوز و الکرة و غیر ذلک.
ج. اللعب بآلات القمار فی کلمات الفقهاء
صحیح اننا ذکرنا ثلاث نظریات فی تعریف القمار، الا اننا لا نقصد من آلات القمار مطلق الآلات و الوسائل التی یمکن الاستفادة منها فی المقامرة، و انما المراد من آلات القمار ما تداول التقامر بها و لو فی عصرنا الراهن.[5]
أدلة حرمة اللعب بآلات القمار
نحاول هنا الاشارة الى الادلة التی ساقها الفقهاء لتحریم اللعب بآلات القمار.
إن أمر الشارع المقدس بالقیام بعمل ما، یکشف عن وجود المصلحة فیه؛ و نهیه عن أمر آخر یکشف عن وجود المفسدة و الضرر فیه اللذین یعودان على العباد أنفسهم. و لکن قد یعجز العقل عن اکتشاف تلک المصالح و المفاسد الکامنة وراء تلک التشریعات.
فربما یکون للعب بآلات القمار - فی حد نفسه و مع خلوه من المراهنة- مفاسد لا یدرکها الا الحکیم العلیم، و من هنا قام بتحریمها، و من تلک المفاسد ما اشارت الیه الآیة المبارکة "ُرِیدُ الشَّیْطانُ أَنْ یُوقِعَ بَیْنَکُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ فِی الْخَمْرِ وَ الْمَیْسِرِ وَ یَصُدَّکُمْ عَنْ ذِکْرِ اللَّهِ وَ عَنِ الصَّلاةِ".[6] و الآیة واضحة الدلالة بان من المردودات السلبیة لتلک العملیة، الصد عن ذکر الله تعالى و ایقاع العداوة بین الناس، و هذه الحالة قد لا تختص بالمقامرة فقط بل قد تحصل بمجرد اللعب بتلک الآلات.
من هنا نرى آراء الفقهاء فی حرمة اللعب بآلات القمار تعددت و توزعت على أربعة اقوال:
1. تحریم ما کان اللعب فیه مع الرهن و بالآلات الخاصة: فعلى هذا الفرض یکون اصل اللعب محرما بالاضافة الى حرمة المقامرة؛ دلیله الاجماع و تواتر الاخبار[7]؛ لان القدر المتیقن من حرمة القمار فی الآیات[8] و الروایات[9] اللعب بآلات القمار الخاصة مع المراهنة.[10]
2. اللعب بآلات القمار المتداولة بدون رهن: و قد اختلفت کلمة الفقهاء فی هذا القسم، فذهبت طائفة منهم الى القول بحرمته مطلقاً یستوی فی ذلک الشطرنج و النرد و غیرها من آلات القمار.[11] مستندین فی ذلک الى الروایات المانعة من اللعب بالشطرنج و النرد و ما شابه ذلک مطلقاً.[12] فإنها تشمل بإطلاقها اللعب بالآلات المعدة للقمار بدون الرهن.[13] و هناک من ناقش فی اطلاق الآیات و الروایات المذکورة.[14]
وعلى کل حال اذا خرج الشطرنج عن کونه آلة قمار فلا تشمله الروایات الناهیة و لا یحرم اللعب به.
3. و أما سائر آلات اللعب التی لم یتعارف الناس فیها على ذلک أو لم یکن ذلک غالبا فیها فهی خارجة عن الصدد. و من هنا کان اللعب بها بدون جائزة جائزاً بلا إشکال. و لا أقل من جریان الأصل المؤمن.[15]
[1] انظر: الطریحی، فخرالدین، مجمع البحرین، تحقیق: الحسینی، سید احمد، ج 3، ص 463، مکتبة مرتضوی، طهران، الطبعة الثالثة، 1375 ش؛ الشیخ الانصاری، المکاسب المحرمة و البیع و الخیارات، ج 1، ص 371، مؤتمر الشیخ الاعظم الانصاری، قم، الطبعة الاولى، 1415ق.
[2] المحقق الکرکی، علی بن حسین، جامع المقاصد فی شرح القواعد، ج 4، ص 24، مؤسسه آل البیت (ع)، قم، الطبعة الثانیة، 1414ق.
[3] انظر: الشهید الثانی، زین الدین بن علی، الروضة البهیة فی شرح اللمعة الدمشقیة، حاشیة: السید کلانتر، محمد، ج 3، ص 216، مکتبة الداوری، قم، الطبعة الاولى، 1410ق؛ جزائری، عبد اللّٰه بن نور الدین، التحفة السنیة فی شرح النخبة المحسنیة، تحقیق و تصحیح: ریحان مدرس، سید علیرضا، ص 55، الناشر محقق الکتاب، طهران، الطبعة الاولى.
[4] انظر: الإمام الخمینی، الاستفتاءات، ج 2، ص 10، س 21، مکتب الاعلام الاسلامی، قم، الطبعة الخامسة، 1422ق؛ السید الخامنئی الحسینی، سید علی، أجوبة الاستفتاءات، ص 245 و 246، نشر مکتب سماحة القائد، قم، الطبعة الاولى، 1424ق؛ مکارم الشیرازی، ناصر، رساله توضیح المسائل، ص 485، انتشارات مدرسه الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام، قم، الطبعة 52، 1429ق.
[5] الإیروانی، باقر، دروس تمهیدیة فی الفقه الاستدلالی على المذهب الجعفری، ج 2، ص 99، قم، الطبعة الثانیة، 1427ق.
[6] المائدة،91.
[7] المکاسب المحرمة و البیع و الخیارات، ج 1، ص 372؛ الحسینی الروحانی، سید صادق، فقه الصادق علیه السلام، ج 14، ص 397، دار الکتاب، مدرسة الإمام الصادق علیه السلام، قم، الطبعة الاولى،1412ق؛ الصدر، سید محمّد محمد صادق، ماوراء الفقه، تحقیق و تصحیح: الدجیلی، جعفر هادی، ج 3، ص 171، دار الاضواء للطباعة و النشر و التوزیع، بیروت، الطبعة الاولى، 1420ق.
[8] " یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَیْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّیْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُون". المائدة، 90.
[9] من قبیل المروی عن الامام الصادق (ع): "َ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ (ص) عَنِ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ وَ النَّرْد". الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، تحقیق و تصحیح: غفاری، علی أکبر، ج 6، ص 437، دارالکتب الإسلامیة، طهران، الطبعة الرابعة، 1407ق
[10] دروس تمهیدیة فی الفقه الاستدلالی على المذهب الجعفری، ج 2، ص 101.
[11] منهم: الشیخ بهجة، محمد تقی، استفتاءات، ج 4، ص 552، نشر مکتب سماحته، قم، الطبعة الاولى، 1428ق؛ التبریزی، جواد بن علی، صراط النجاة، ج 9، ص 240، دار الصدیقة الشهیدة، قم، الطبعة الاولى، 1427 ق؛ حسینی الشیرازی، سید محمد، إیصال الطالب إلى المکاسب، ج 3، ص 147، منشورات اعلمی، طهران، الطبعة الاولى.
[12] انظر: الشیخ الحرّ العاملی، محمد بن حسن، هدایة الأمة إلى أحکام الأئمة (منتخب المسائل)، ج 6، ص 60 و 61، مجمع البحوث الإسلامیة، مشهد، الطبعة الاولى، 1412ق.
[13] مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج 1، ص 370.
[14] دروس تمهیدیة فی الفقه الاستدلالی على المذهب الجعفری، ج 2، ص 101 – 103.
[15] دروس تمهیدیة فی الفقه الاستدلالی على المذهب الجعفری، ج 2، ص 99؛ ماوراء الفقه، ج 3، ص 171.