1. قاعدة اليد أو ذي اليد: و هي من القواعد الفقهية المتسالم عليها بين فقهاء المسلمين، بل تسالم عليها جميع العقلاء، و المقصود منها في المقام: كون الاستيلاء و السلطنة على الشيء خارجاً يعد أمارة على ملكية صاحب اليد لذلك الشيء، و انما تعد قرينة على الملكية ما لم يقم دليل على خلافها. و اليد بهذا المعنى تشمل يد المسلم و الكافر على حد سواء. و دليل حجيتها الروايات و الاجماع و تسالم الفقهاء بالاضافة الى بناء العقلاء.
2. قاعد السوق: و المقصود منها أمارية سوق المسلمين للطهارة و الذكاة عند الشكّ فيهما بالنسبة إلى البضائع التي توجد في أسواق المسلمين، من اللحوم و الجلود و غيرهما فإن نفس كونها في سوق المسلمين يكفي للطهارة و الحلية و إن كان من يعرضها مجهول الحال. و استدل لها بالروايات و اجماع الفقهاء و سيرة المتشرعة.
3. قاعدة أرض المسلمين: و تعني أن ما يؤخذ من يد المسلم من اللحم و الشحم و الجلد، إذا شك في تذكية حيوانه فهو محكوم بالطهارة ظاهرا ، و كذا ما صنع في أرض الإسلام، أو وجد مطروحا في أرض المسلمين إذا كان عليه أثر الاستعمال منهم الدال على التذكية. و قد اختلفت كلمة الاعلام في استقلالية القاعدة أو تبعيتها لقاعدة اليد. فذهب البعض الى القول بانها من مصاديق قاعدة اليد، و منهم من ذهب الى استقلاليتها.
تعرض الفقهاء للبحث حول القواعد الفقهية المطروحة في متن السؤال تارة بصورة مستقلة و اخرى ضمن البحث عن القواعد الفقهية الأخرى و تحت عنوان "القواعد الفقهية"، و قد خاضوا في ذلك بصورة مفصلة، فمن أراد التفصيل عليه الرجوع الى تلك المطولات لمعرفة المراد منها و دليل حجيتها. و سنحاول هنا الاشارة اليها بصورة مختصرة:
قاعد اليد او ذي اليد[1]
تعتبر قاعدة اليد من القواعد الفقهية المعتبرة التي تسالم عليها جميع فقهاء المسلمين، بل كافة العقلاء يستندون اليها.
و ليس البحث هنا عن معنى "اليد" لغة؛ إذ المهم هنا البحث المفهومي و معرفة مفاد القاعدة عرفاً. و المقصود منها في المقام: كون الاستيلاء و السلطنة على الشيء خارجاً يعد أمارة على ملكية صاحب اليد لذلك الشيء، و انما تعد قرينة على الملكية ما لم يقم دليل على خلافها، و ذلك حينما تكون شؤون العين و إدراتها بيد المتسلط و تكون له القدرة على أنحاء التصرف فيه، فلا يصدق عنوان ذي اليد الا اذا كان العرف و العقلاء يرونه مسلطاً و مستولياً على العين خارجاً.[2] و اليد بهذا المعنى تشمل يد المسلم و الكافر على حد سواء.[3]
قاعدة السوق
من القواعد الفقهية المهمة و التي تترتب عليها نتائج ايجابية على المستوى الاجتماعي هي "قاعدة سوق المسلمين"، و تعد موضوعا لكثير من الاحكام الفقهية.
و معنى القاعدة هو أمارية سوق المسلمين للطهارة و الذكاة عند الشكّ فيهما بالنسبة إلى البضائع التي توجد في أسواق المسلمين، من اللحوم و الجلود و غيرهما فإن نفس كونها في سوق المسلمين يكفي للطهارة و الحلية و إن كان من يعرضها مجهول الحال.[4] و الهدف من إجراء القاعدة المحافظة على سوق المسلمين و إزالة كل ما من شأنه تعطيل معاملاتهم، فهي وسيلة لرفع العسر و الحرج التي تعترض حركة السوق.[5]
و لا يخفى أنّ المراد من السوق (سوق المسلمين) مطلق الأمكنة التي تكون في سيطرة المسلمين لا السوق بالمعنى الخاص، و المراد من المسلمين هو كونهم أغلب الأفراد في المنطقة، فلا عبرة بالسوق الذي يكون كل رجاله أو أغلبهم من غير المسلمين.[6]
و يترتب على ذلك مجموعة من الفروع:
الأوّل: لا شكّ في أمارية السوق بالنسبة إلى الأشياء التي تكون في معرض تصرف المسلمين و أمّا إذا كان شيء خارجا عن ذلك كالجلد الذي كان مطروحا في الصحارى- داخل بلاد الإسلامية- فهل يكون من موارد القاعدة أو لا؟ قال السيّد اليزدي رحمه اللَّه: ما يؤخذ من يد المسلم من اللحم أو الشحم أو الجلد محكوم بالطهارة و إن لم يعلم تذكيته و كذا ما يوجد في أرض المسلمين مطروحا إذا كان عليه أثر الاستعمال لكن الأحوط الاجتناب[7]. و التحقيق عدم قصور الدليل عن شمول المقام كما يستظهر من صحيحة إسحاق بن عمّار المتقدّمة و أمّا الاحتياط فحسنة واضح.
الثاني: قال السيد اليزدي رحمه اللَّه: ما يؤخذ من يد الكافر، أو يوجد في أرضهم محكوم بالنجاسة، إلّا إذا علم سبق يد المسلم عليه[8].
الثالث: ما يؤخذ من الجلود من أيدي المسلمين، أو من أسواقهم محكوم بالتذكية، و إن كانوا ممن يقول بطهارة جلد الميتة بالدبغ. [9]
قاعدة أرض المسلمين
ما يؤخذ من يد المسلم من اللحم و الشحم و الجلد، إذا شك في تذكية حيوانه فهو محكوم بالطهارة ظاهرا ، و كذا ما صنع في أرض الإسلام، أو وجد مطروحا في أرض المسلمين إذا كان عليه أثر الاستعمال منهم الدال على التذكية مثل ظرف الماء و السمن و اللبن، لا مثل ظروف العذرات و النجاسات.[10] و قد اختلفت كلمة الاعلام في استقلالية حجية القاعدة أو تبعيتها لقاعدة اليد. فذهب البعض الى القول بان قاعدة ارض المسلمين من مصاديق قاعدة اليد.[11] ومنهم من ذهب الى استقلالية قاعدة أرض المسلمين مستنداً في ذلك الى رواية السكوني.[12]
دليل حجية القواعد الثلاثاء
أقام الفقهاء مجموعة من الادلة على حجية تلك القواعد الفقهية، من قبيل:
1. الروايات الواردة في مختلف الأبواب، منها ما روي عن أبي عبد اللّه (ع) قال: قال له رجل: إذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي أن أشهد أنّه، له؟ قال: نعم، قال الرجل: أشهد أنّه في يده و لا أشهد أنّه له فلعلّه لغيره، فقال أبو عبد اللّه (ع): «أ فيحلّ الشراء منه»؟ قال: نعم. فقال أبو عبد اللّه (ع): «فلعلّه لغيره فمن أين جاز لك أن تشتريه و يصير ملكا لك ثم تقول بعد الملك هو لي و تحلف عليه و لا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك؟ ثم قال أبو عبد اللّه (ع): لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق»[13]. و منها: صحيحة فضيل و زرارة و محمّد بن مسلم أنّهم سألوا أبا جعفر (ع) عن شراء اللحوم من الأسواق و لا يدري ما صنع القصابون، فقال: «كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين و لا تسأل عنه».[14]
2. بناء العقلاء: فقد استقرّ بناء العقلاء في العالم على أماريّة اليد بالنسبة إلى الملك.
3- التسالم[15]: قد تحقق التسالم عند الفقهاء على مدلول القاعدة فلا خلاف فيه بينهم.[16]
4. سيرة المتشرعة في قاعدة السوق: فقد استقرت سيرة المسلمين القطعية على الاعتماد بالسوق الإسلامي، بالنسبة إلى الطهارة و الذكاة و غيرهما، كما قال السيد الخوئي: أنّ اعتبار السوق هو الذي جرت عليه سيرة المسلمين؛ لأنّه لم يعهد منهم السؤال عن كفر البائع و إسلامه في شيء من أسواقهم[17]. و الأمر كما أفاده.[18]
[1] الجدير بالذكر ان هناك قاعدتين محورهما اليد، الاولى "قاعدة على اليد" و الثانية "قاعدة ذي اليد" التي ينصب البحث حولها هنا. و بين قاعدة على اليد و ذي اليد فوارق ؛ منها فرق موضوعي، بمعنى ان وصف اليد في احدهما يختلف عن الوصف الآخر، فمعنى قاعدة على اليد هو مؤاخذة اليد العادية، و المراد من اليد هو الاستيلاء، فاذا تحقق الاستيلاء على مال الغير بدون الإذن و الإحسان تصبح اليد عادية، و موجبة للضمان فيستقرّ عليها الضمان، حتى تؤدّي ما عليها (المال المأخوذ) لمالك المال. أما قاعدة اليد فيراد منها: إثبات الملكية بواسطة وضع اليد، و المقصود من اليد هو الاستيلاء و التسلط على المال، فاذا كان شيء ما تحت سلطة يد معينة و شككنا هل المال ملك لهذه اليد أو لا؟ نقول ان اليد أمارة على الملكية فيمكن التعامل معه معاملة المالك الا اذا قامت البينة على خلاف ذلك. (انظر: كاظم مصطفوي، مائة قاعدة فقهية).
[2] انظر: بحر العلوم، محمد بن محمد تقي، بلغة الفقیه، ج 3، ص 301 و 302، منشورات مكتبة الصادق، طهران، الطبعة الرابعة، 1403ق؛ موسوي بجنوردي، سید حسن بن آقا بزرگ، القواعد الفقهیة، تحقيق و تصحيح: مهریزي، مهدي، درایتي، محمد حسن، ج 1، ص 133 و 134، نشر الهادي، قم، الطبعة الاولى، 1419ق؛ الامام خمینى، القواعد الفقهیة و الاجتهاد و التقلید (الرسائل)، ج 1، ص 257، مؤسسه مطبوعاتى اسماعیلیان، قم، الطبعة الاولى، بلا تاريخ.
[3] آملي، میرزا هاشم، القواعد الفقهیة و الاجتهاد و التقلید (مجمع الأفكار)، ج 4، ص 235، المطبعة العلمیة، قم، الطبعة الاولى، 1395ق؛ طاهري، حبیب الله، حقوق مدني، ج 1، ص 208، مكتب الاعلام الاسلامي، قم، الطبعة الثانية، 1418ق.
[4] انظر: مائة قاعدة فقهية، ص 143؛ و انظر: الایرواني، باقر، دروس تمهیدیة في القواعد الفقهیة، ج 2، ص 77 و 78، دار الفقه للطباعة و النشر، قم، الطبعة الثالثة، 1426ق؛ سیفي مازندراني، علي اكبر، مباني الفقه الفعال في القواعد الفقهیة الأساسیة، ج 1، ص 181 و 182، قم، الطبعة الاولى، بلا تاريخ.
[5] انظر موضوع: «نجاسة الجلود المستوردة»، سؤال 1573.
[6] مائة قاعدة فقهية، ص144؛ مباني الفقه الفعال في القواعد الفقهیة الأساسیة، ج 1، ص 182 و 183.
[7] العروفة الوثقى، ص42.
[8] نفس المصدر.
[9] نفس المصدر، ص41؛ وا نظر: مائة قاعدة فقهية.
[10] منهاج الصالحين (المحشى للحكيم)، ج1، ص: 147
[11] منهم: آصف محسني قندهارى، محمد، الفقه و مسائل طبیة،ج 1، ص 293، مكتب الاعلام الاسلامي، قم، الطبعة الاولة، 1424ق؛ جمع من الباحثين، و اشراف: هاشمي شاهرودي، سید محمود، معجم فقه الجواهر، ج 2، ص 57، الغدیر للطباعة و النشر و التوزیع، بیروت، الطبعة الاولى، 1417ق؛ شبیری زنجاني، سید موسى، المسائل الشرعیة، ص 30، مؤسسة نشر الفقاهة، قم، الطبعة الاولى، 1428ق.
[12] نفس المصدر؛ فاضل لنكراني، محمد،القواعد الفقهیة، ص 506 – 508، بلا تاريخ؛ مصطفوي، سید محمد كاظم، مائة قاعدة فقهیة، ص 145، مكتب الاعلام الاسلامي، قم، الطبعة الرابعة، 1421ق؛ الطباطبائي الیزدي، سید محمد كاظم، العروة الوثقى، ج 1، ص 60 و 61، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بیروت، الطبعة الثانية، 1409ق.
[13] وسائل الشيعة: ج 18 ص 215 باب 25 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ح 2.
[14] الوسائل: ج 16 ص 294 باب 29 كتاب الصيد و الذبائح ح 1.
[15] القواعد الفقهیة، ج 1، ص 139؛ مبانیي الفقه الفعال في القواعد الفقهیة الأساسیة، ج 1، ص 185.
[16] انظر: مائة قاعدة فقهية، ص: 319؛
[17] التنقيح: ج 2 ص 538.
[18] مائة قاعدة فقهية، ص: 144.