لا إشکال فی حفّ الحاجب بالنسبة للنساء بحد ذاته. لقد أکّد الإسلام علی زینة المرأة لزوجها و جعلها من المستحبات و قد ذمّ المرأة التی تقصر فی تزیین نفسها لزوجها. لذلک نجد فقهاء الشیعة فی الوقت الذی لا یجیزون فیه إظهار المرأة لزینتها أمام غیر المحارم لکنهم فی الوقت نفسه یحثون النساء على الإهتمام بهذه المسألة و التزین لزوجها و مراعاة حقوق الزوجیة انطلاقا من الروایات التی صدرت عن المعصومین علیهم السلام.
زینة المرأة لزوجها لا انها لا إشکال فیها فحسب، بل اعتبرها الإسلام من المستحبات و قد ذمّ المرأة التی تقصر فی تزیین نفسها لزوجها.[1] و هذا الأمر مما یؤدی إلی استحکام العلاقات العائلیة و الزوجیة. و بالطبع هؤلاء العلماء الذین یحرمون زینة المرأة (بما فیها حفّ الحاجب) بشکل مطلق (حتی لو کان للزوج)، ینطلقون من بعض الأحادیث، مثل الروایة التی تنقل عن الرسول الأکرم (ص) حیث تنص علی انه (ص) لعن ثمانیة طوائف من النساء و هم:
"النامصة و المنتمصة و الواشرة و المستوشرة و الواصلة و المستوصلة و الواشمة و المستوشمة".
یقول الراوی: «النامصة» التی تنتف الشعر من الوجه و «المنتمصة» التی یُفعل ذلک بها و «الواشرة» التی تَشُرّ أسنان المرأة و تفلجها و تحدّدها و «المستوشرة» التی یُفعل ذلک بها و «الواصلة» التی تصل شعر المرأة بشعر إمرأة غیرها و «المستوصلة» التی یفعل ذلک بها و «الواشمة» التی تُشُم وشماً فی ید المرأة أو فی شیء من بدنها و هو أن تغرز یدها أو ظهر کفها أو شیئاً من بدنها بإبرة حتی تؤثر فیه ثم تحشوه بالکحل أو بالنورة فیخضر و «المستوشمة» التی یفعل ذلک بها.[2]
بشکل عام إن هذه الروایة لوحدها ناطقة بهذا الأمر و هو ان النساء لا یمکنهن التزیّن علی الإطلاق –لکن عند الرجوع لکلام أهل بیت رسول الله (ص) النورانی، یتضح المراد من هذه الأحادیث- فمثلاً سُئل أبو جعفر "الإمام الباقر" عن القرامل التی تضعها النساء علی رؤوسهن یصلنه بشعورهن [3] فقال: "لا بأس علی المرأة بما تزینت به لزوجها قال الروای: فقلت له بلغنا أن رسول الله (ص) لعن الواصلة و الموصولة فقال: لیس هناک – أی لیس الامر کما تتصورون- إنما لعن رسول الله (ص) الواصلة التی تزنی فی شبابها فلمّا کبرت قادت النساء إلی الرجال فتلک الواصلة و الموصولة.[4]
و فی روایة أخری عن أبی بصیر عن الإمام الباقر (ع) قال: سألته عن قصة النواصی ترید المرأة الزینة لزوجها و عن الحفّ و القرامل و الصوف و ما أشبه ذلک؟ قال: لا بأس بذلک کلّه.[5] إذن لا یمکن تحریم کل زینة للمرأة، بل الزینة المحرمة و التی تعتبر معصیة هی التی لا تکون للزوج و التی تجرّ للفساد و تفسّخ المجتمع. لذلک نجد فقهاء الشیعة فی الوقت الذی لا یجیزون فیه إظهار المرأة لزینتها أمام غیر المحارم لکنهم فی الوقت نفسه یحثون النساء على الإهتمام بهذه المسألة و التزین لزوجها و مراعاة حقوق الزوجیة انطلاقا من الروایات التی صدرت عن المعصومین علیهم السلام.[6]
کما تجدر الإشارة إلی إن حفّ الحواجب بالنسبة للنساء فی حدّ ذاته لا إشکال فیه.[7] أما هل یعتبر هذا العمل زینة (حتی یجب ستره عن غیر المحارم) أم لا؟ فآراء الفقهاء فی هذا الأمر مختلفة:
1- فبعض الفقهاء [8] یجیز إظهار هذا المقدار المتعارف من الزینة حیث یقول: لا یجب ستر الحاجب عن غیر المحارم.[9]
2- البعض الآخر [10] یعتبر حفّ الحاجب من الزینة و یوجب سترها عن غیر المحارم.[11]
3- و هنا عدة من المراجع [12] أرجعوا هذه المسألة الى العرف حیث قالوا: إذا کان حف الحاجب یعتبر زینة فیجب ستره عن غیر المحارم، و الا فلا.[13]
ملاحظة: إذا کان حف الحاجب و الوجه ملفت للنظر بحیث یؤدی إلی مفسدة، فیجب عندئذٍ ستره.[14]
[1] الجعفریان، رسول، الرسائل الحجابیة، ج 2، ص 1128، دلیلنا، قم، الطبعة الثانیة، 1428 ق؛ لمزید من الاطلاع فی هذا المجال یمکنکم مراجعة الموضوع: 2918 (وظائف النساء فی قبال الرجال) الموجود فی نفس هذا الموقع.
[2] إبن بابویه، محمد بن علی، معانی الأخبار، ص 249، المصحّح: الغفاری، علی أکبر، نشر: مکتب الإنتشارات الإسلامی، قم، الطبعة الأولی، 1403 ق.
[3] الجزری إبن اثیر، مبارک بن محمد، النهایة فی غریب الحدیث و الأثر، ج 4، ص 51، مؤسسة مطبوعاتی اسماعیلیان، قم، الطبعة الأولی، بی تا.
[4] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، المصحّح، الغفاری، علی أکبر و الآخوندی، محمد، ج 5، ص 118، باب 119، ح 3، نشر دار الکتب الإسلامیة، الطبعة الرابعة، طهران، 1407 ق.
[5] الشیخ الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج 20، ص 189، ح 25390، نشر مؤسسة آل البیت، قم، 1409 ق.
[6] انظر: البهجت، محمد تقی، استفتاءات (البهجت)، ج 4، ص 175، س 5201، مکتب آیة الله البهجت، قم، الطبعة الأولی، 1428 ق.
[7] راجعوا: الموضوع 18717
[8] العلماء الأعلام: الخمینی، السیستانی، المکارم الشیرازی، النوری الهمدانی و التبریزی.
[9] بالرجوع إلی موقع آیة الله السید السیستانی، قسم الاستفتاءات، کلمة الزینة، س 17؛ المکارم الشیرازی، ناصر، الاستفتاءات الجدیدة، ج 2، ص 351، س 151 و 1034، نشر مدرسة الإمام علی بن أبی طالب (ع)، قم، الطبعة الثانیة، 1427 ق؛ آیة الله النوری الهمدانی، الاستفتاءات، ج 1، س 491 و 542؛ الخمینی، سید روح الله، الاستفتاءات، ج 3، ص 257، س 33 و 34، مکتب النشر الإسلامی التابع لجامعة المدرسین، قم، الطبعة الخامسة، 1422 ق؛ التبریزی، جواد، الاستفتاءات الجدیدة، ج 2، ص 360، س 1490، قم، الطبعة الأولی، بی تا.
[10] آیة الله الصافی الگلپایگانی.
[11] الصافی الگلپایگانی، لطف الله، جامع الأحکام، ج 2، ص 163، ص 1683، انتشارات السیدة المعصومة (س)، قم، الطبعة الرابعة، 1417 ق؛ و مکتب آیة الله البهجت.
[12] آیات العظام: الخامنئی، الفاضل، البهجت، و الوحید الخراسانی.
[13] فتوی آیة الله الخامنئی المقتبسة من الموضوع رقم 598؛ الفاضل اللکنرانی، محمد، جامع المسائل، ج 1، ص 451، س 1708، نشر أمیر القلم، قم، الطبعة الحادی عشر، تا؛ البهجت، محمد تقی، الاستفتاءات، ج 4، ص 208، س 534، مکتب سماحة آیة الله البهجت، قم، الطبعة الأولی، 1428 ق؛ استفتاء من مکتب آیة الله الوحید الخراسانی.
[14] الخمینی، سید روح الله الموسوی، الاستفتاءات، ج 3، ص 256، مکتب النشر الإسلامی، قم، الطبعة الخامسة، 1422 ق.