مصطلح المجتمع المدنی من المصطلحات التی راجت فی الثقافة الغربیة بعد عصر التنویر، و قد عرّفها فلاسفة السیاسة الغربیة بتعریفات و تفسیرات متنوعة لکن و من خلال النظر فی طیّات تلک التعاریف و التفاسیر یمکن اکتشاف المعالم الأساسیة و السمات الکلیة و البارزة للمجتمع المدنی، و الذی یلاحظ هنا أن هذه المعالم و السمات لا أنها لاتتنافى مع الإسلام فحسب، بل أن الفکر السیاسی الإسلامی ابتنى على أساس تلک القواعد و المشخصات و کان السباق فیها، و هی:
1- حکومة القانون.
2- صیانة الحقوق الفردیة.
3- تساوی جمیع أفراد المجتمع أمام القانون.
4- الحریات المدنیة.
من هنا یمکن القول و بکل اقتدار و صلابة بأن مجتمع المدینة المنورة و الذی أشاد بنیانه الرسول الأکرم (ص) یمثل النموذج الحقیقی للمجتمع المدنی و أن الدین الإسلامی قد سبق جمیع الفلسفات و النظریات السیاسیة فی إقامة مثل هکذا مجتمع فی العالم.
مصطلح المجتمع المدنی من المصطلحات التی راجت فی الثقافة الغربیة بعد عصر التنویر، و لقد عرّفها و فسّرها فلاسفة السیاسة الغربیة بتفسیرات متنوعة.
فمن هؤلاء الفلاسفة السیاسیین نجد الفیلسوف "وبز" صاحب النظرة التشاؤمیة تجاه الإنسان و المجتمع الإنسانی و الذی کان یرى أن المجتمع البشری قائم على: القوة و التسلط، و الخداع، و الأنانیة، و الخوف و الرعب، و انعدام الثقة، و الطمع، و الموبقات و... و یعد ذلک من فضائل المجتمع البشری[1]
انطلاقاَ من هذه الرؤیة التشاؤمیة و السوداویة للإنسان و المجتمع نجده یعرف المجتمع المدنی بقوله: "المجتمع المدنی هو المجتمع الذی یحکمه التنین للسیطرة على الوحوش الکاسرة و الحیوانات المفترسة].[2]
فالمجتمع المدنی لدى هوبز هو مجتمع غابة لا یمکن السیطرة علیه إلاّ من خلال حکومة مستبدة و قویة تمثل دور التنین. و لکننا إذا تابعنا الفکر السیاسی الغربی نصطدم برؤیة معتدلة للمجتمع المدنی تتمثل فی النظریة المعتدلة للمفکر الغربی الشهیر جان جاک روسو حیث یرى أن المجتمع المدنی هو ولید العقد الاجتماعی. الذی تنازل من خلاله کل فرد عن حریاته الطبیعیة فی مقابل الحریة المدنیة، و یعنی بالحریة الطبیعیة هی الحریة المفترضة التی یستفید منها الإنسان و یستغلها فی تحقیق رغباته فی حال لو خلی و طبعه أو عاش منفرداَ بعیداَ عن المجتمع العام، و أما الحریات المدنیة فیراد منها حریة التملک لما هو واقع تحت سلطته و فی حدود المجتمع، فلا حدود للحریة الطبیعیة، و أما الحریة المدنیة فإنها محدّدة و مقیّدة بحدود الإرادة العامة للمجتمع.
فإذا کانت هذه التفسیرات الخاصة هی الملاک فی تعریف المجتمع المدنی. فلا شک أنها لا تنسجم بحال من الأحوال مع الإسلام و الفکر السیاسی الإسلامی و مفاهیمه. و لکن و من خلال البحث و النظر فی طیّات التفاسیر المختلفة الأخرى و التی ذکرت للمجتمع المدنی یمکن التعرف على المعالم الأساسیة و السمات الکلیة البارزة للمجتمع المدنی و اکتشافها.
و الملاحظ هنا إن تلک المعالم و السمات لا أنها لا تتنافى مع الإسلام فحسب، بل إن الفکر السیاسی الإسلامی قائم على أساس تلک القواعد و المشخصات و کان السباق فی الدعوة الیها و ترسیخها فی المجتمع، و التی هی عبارة عن:
1. حکومة القانون: المجتمع المدنی هو المجتمع الذی یخضع لسلطة القانون و إن القانون یمثل محور العلاقات و الأواصر الاجتماعیة. و لا ریب إن هذه الخصوصیة هی من السمات البارزة فی الفکر السیاسی الإسلامی حیث إنه یسعى و بکل جهد لتثبیت النظام القانونی فی المجتمع.
2. صیانة الحقوق الفردیة: إن الحقوق الفردیة لا بدّ أن تصان فی المجتمع المدنی، و من الملاحظ أن هذه الحقیقة و السمة قد رکّز علیها الفکر السیاسی الإسلامی، حیث الزم الحکومة الإسلامیة صیانة هذه الحقوق و رعایتها فی المجتمع الإسلامی على أکمل وجه و أتمّه.
3. تساوی جمیع الأفراد أمام القانون: یکون الأفراد فی المجتمع المدنی متساوین أمام القانون، و هذه الخاصیة هی الأخرى من الخصائص التی أکّد علیها الفکر الإسلامی و أولاها أهمیة خاصة کما هو واضح لمن راجع مصادر التقنین فی الفکر الإسلامی.
4. الحریات المدنیة: و یعنی بالحریة الفردیة هی الحریة فی إطار القانون. و هذا الأمر أیضا قبله الفکر الإسلامی و أکّد علیه.
من هنا نرى أن التفسیرات الخاصة التی ذکرت لتفسیر المجتمع المدنی و ان کانت جمیعها لا تنسجم مع مفاهیم الفکر السیاسی الإسلامی. إلاّ إن المعالم و الخصوصیات و السمات الکلیة للمجتمع المدنی تتطابق تطابقاَ کاملاً مع المجتمع الإسلامی. لذلک یمکن القول و بجدارة أن مجتمع المدینة المنورة الذی أسسه الرسول الأکرم محمد بن عبد الله صلّى الله علیه و آله و سلّم یمثل نموذجاً واقعیاً و حقیقیاً و معلماً بارزاً للمجتمع المدنی فی الإسلام، کما یمکن القول و بکل صلابة و اقتدار أن الفکر الإسلامی قد سبق جمیع الفلسفات و النظریات السیاسیة فی هذا المضمار.
نعم إن المدنیة التی أقام أسسها و شیّد بنیانها الرسول الأکرم (ص) و إن انحرفت عن مسارها الأصلی و العینی فی الواقع، إلاّ إن مبانیها الفکریة و أسسها و النظریة کانت و ما زالت تحظى باستحکام و إتقان لا نظیر له.
لمزید الإطلاع انظر:
1-هادوی الطهرانی، ولایت و دیانت مؤسسه فرهنگی خانه خرد [أی مؤسسة دار العقل الثقافیة] الطبعة الثانیة، 1380 هـ ش.