یعد الزنا من الذنوب الکبیرة التی أشار الیها القرآن الکریم فی قوله تعالى " وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ کانَ فاحِشَةً وَ ساءَ سَبِیلًا"و کذلک اشارت الى ذلک الروایات الکثیرة.[1]
و هذه الآیة تشیر إلى ذنب عظیم آخر هو الزنا "وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ کانَ فاحِشَةً وَ ساءَ سَبِیلًا" و فی هذا التعبیر القرآنی تمت الإشارة إلى ثلاث نقاط:
ألف- لم تقل الآیة: لا تزنوا، بل قالت: لا تقربوا هذا العمل الشائن، و هذا الأسلوب فی النهی فضلا عمّا یحمله من تأکید، فإنّه یوضح أنّ هناک مقدمات تجر إلى الزنا ینبغی تجنبها و عدم مقاربتها، فخیانة العین تعتبر واحدة من المقدمات، و السفور و التعری مقدمة أخرى، الکتب السیئة و الأفلام الملوّثة و المجلات الفاسدة و مراکز الفساد کل واحدة منها تعتبر مقدمة لهذا العمل.
کذلک فإنّ الخلوة بالأجنبیة (یعنی خلوة المرأة و الرجل الأجنبی علیها فی مکان واحد و لوحدهما) یعتبر عاملا فی إثارة الشهوة.
و أخیراً فإنّ امتناع الشباب عن الزواج خاصة مع ملاحظة الصعوبات الموضوعة أمام الطرفین، هی من العوامل التی قد تؤدی إلى الزنا. و الآیة نهت عن کل ذلک بشکل بلیغ مختصر، و لکنّا نرى فی الأحادیث و الرّوایات نهیا مفصلا عن کل واحدة من هذه المقدمات.
ب- إنّ جملة إ"ِنَّهُ کانَ فاحِشَةً" بتأکیداتها الثلاثة المستفادة من «إن» و الفعل الماضی «کان» و کلمة «فاحشة» تکشف عن فظاعة هذا الذنب.
ج- إنّ جملة "ساءَ سَبِیلًا" توضح حقیقة أنّ هذا العمل «الزنا» یؤدی إلى مفاسد أخرى فی المجتمع.[2]
و یمکن الإشارة إلى خمسة عوامل فی فلسفة تحریم الزنا، هی:
1- شیاع حالة الفوضى فی النظام العائلی، و انقطاع العلاقة بین الأبناء و الآباء.
2- إنّ إشاعة الزنا فی جماعة ما، ستقود إلى سلسلة واسعة من الانحرافات أساسها التصرفات الفردیة و الاجتماعیة المنحرفة لذوی الشهوات الجامحة.
3- لقد أثبت العلم و دلّت العلم و دلّت التجارب على أنّ إشاعة الزنا سبب لکثیر من الأمراض و المآسی الصحیة (یمکن أن تلاحظ موجات مرض الإیدز فی المجتمعات المعاصرة، و نتائجها الصحیة و النفسیة المدمّرة).
4- إنّ شیاع الزنا غالبا ما یؤدی إلى محاولة إسقاط الجنین و قطع النسل.
5- یجب أن لا ننسى أنّ هدف الزواج لیس إشباع الغریزة الجنسیة و حسب، بل المشارکة فی تأسیس الحیاة على أساس تحقیق الاستقرار الفکری و الأنس الروحی للزوجین.[3]
و على کل حال فالزنا الذی هو ممارسة المقاربة الجنسیة مع المرأة الاجنبیة من دون عقد دائم أو مؤقت، یعد من المحرمات و الذنوب الکبیرة فی الشریعة الاسلامیة الغراء. و کذلک تحرم مقدماته التی توصل الیه؛ غایة ما فی الأمر أن الفرق بینهما هو أن الحالة اذا تجاوزت المقدمات و وصلت الى الممارسة الجنسیة فعلا فقد حدد الشارع المقدس حداً لهذه الجریمة کما فی قوله تعالى "الزَّانِیَةُ وَ الزَّانی فَاجْلِدُوا کُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَ لا تَأْخُذْکُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فی دینِ اللَّهِ إِنْ کُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ وَ لْیَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنینَ".[4] و اما إن لم تصل الحالة الى الممارسة الفعلیة و بقیت القضیة محصورة فی المقدمات فهنا یترک الأمر للحاکم الشرعی یحدد مقدار العقوبة بما یراه مناسباً، و هذا ما یعبر عنه فی الفقه الاسلامی بالتعزیر.
[1] انظر: الفرقان، 68و 69؛ الاعراف، 33؛ الانعام، 151؛ الکلینی، یعقوب،اصول الکافی، ج 3 ، ص 391، انتشارات وفا، 1382 ؛ الحر العاملی، وسائل الشیعه، ج28 ؛ النجفی محمد حسن، جواهر الکلام، ج 41، ص260و 258، کتاب الحدود، دار احیاء التراث العربی لبنان، 1981.
[2] آیة الله مکارم الشیرازی، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج8، ص: 467، نشر مدرسة الامام علی بن ابی طالب (ع)، قم المقدسة،
[3] نفس المصدر.
[4] النور،2.