الکفر لغة یعنی الستر. اما اصطلاحا فقد عرف الفقهاء الکافر بمن انکر الله تعالى او قال بوجود الشریک له سبحانه، و غیر ذلک من الامور التی ذکرت فی الرسائل العملیة.
و استدل على نجاسة الکافر بقوله تعالى"انما المشرکون نجس".
و قد اجمع فقهاء الشیعة تقریبا على نجاسة الکافرین؛ لکنهم اختلفوا فی نجاسة أهل الکتاب (الیهود و النصارى و...) فذهب فریق منهم الى نجاساتهم و فریق تبنى الطهارة الذاتیة، یعنی على فرض عدم ملامستهم للنجاسات الاخرى لا یحکم بنجاستهم.
و على کل حال، لو قیل بان ذلک یعنی تحقیرا لهم و مساسا بشخصیتهم.
نقول: اولا، یمکن ان تکون احدی حکم هذا التشریع سیاسیة، تهدف الى عزلتهم و عدم اختلاط المسلمین بهم حتى یصان المجتمع المسلم من افکارهم المنحرفة خاصة الطبقة العادیة من المسلمین التی لا تمتلک الوعی الفکری اللازم لتصون نفسها من الانحراف و التاثر بهم.
ثانیا: ان هذه الحکم یمثل نوعا من العقوبة و المجازات؛ فقد یرى الشخص ان اجراء القانون و العقوبة بحقه یمثل تحقیرا و اهانة له لکنه یتغافل ان ذلک حصل نتیجة فعله هو لا القانون الذی سن انطلاقا من سلسلة من المصالح.
الاجابة عن السؤال المطروح تستدعی ان نتعرض لبعض الامور المهمة، منها:
اولا: معنى الکفر و مصادیقه
ان الکفر لغة یعنی الستر، و هذا معنى کلی له مصادیق متعددة مستفاة من المعنى الکلی، من قبیل:
الف- الکفر مقابل الایمان؛ و هذا یعنی انکار الحقائق کانکار الباری تعالى و القیامة و النبوة و...
ب- کفران النعم، و هذا مقابل شکر النعم، و یعنی عدم الالتفات الى النعم و اهمالها.[1]
و قد استعمل فقهاء الشیعة مفردة الکفر فی خمسة معان؛ و ان سبع مجموعات- حسب الاختلاف فی الفتاوى- تدخل تحت عنوان الکافر، منها:
1- منکر الباری تعالى.
2- المشرکون (یعنی الطائفة الذین جعلوا لله تعالى شریکا).
3- اتباع الدیانات السماویة الاخرى؛ کأهل الکتاب( و هذه مسالة مختلفة فیها کما سیتضح)
4- المنکر عن علم ضرورة من ضروریات الدین.
5- من انکروا نبوة النبی الاکرم محمد بن عبد الله (ص).
6- اعداء الائمة المعصومین و ناصبیهم (ع) کالخوارج و النواصب.
7- الغلاة؛ یعنی الذین قالوا بالوهیة احد الائمة او ان الله تعالى حل فیه.[2]
الثانی: استدل على نجاسة الکافرین بقوله تعالى" انما المشرکون نجس".[3]
قال صاحب مجمع البیان: لما تقدم النهی عن ولایة المشرکین أزال سبحانه ولایتهم عن المسجد الحرام و حظر علیهم دخوله فقال «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِکُونَ نَجَسٌ» معناه أن الکافرین أنجاس «فَلا یَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا» أی فامنعوهم عن المسجد الحرام؛ و العام الذی أشار إلیه هو سنة تسع الذی نادى فیه علی (ع) بالبراءة و قال: "لا یحجن بعد هذا العام مشرک".[4]
فقوله تعالى" انما المشرکون نجس" یثبت نوع نجاسة للمشرکین على اساسه لا یمکنهم دخول المسجد الحرام.
ثالثا: معنى مصطلح النجاسة
ذکر اللغویون للنجاسة عدة معان نشیر الى المعنى المشهور منها:
القذر، غیر النظیف، الدنس، ضد الطهارة و ضد النظافة.[5]
یقول الراغب الاصفانی: النَّجاسة: القَذَارة، و ذلک ضرْبان: ضرْب یُدْرَک بالحاسّة، و ضرْب یُدْرَک بالبصیرة، و الثانی وصف اللّهُ تعالى به المشرکین فقال: "إِنَّمَا الْمُشْرِکُونَ نَجَس".[6]
الرابع: المراد من النجس فی الآیة الشریفة
ذهب عدد من فقهاء الشیعة و أکثر فقهاء السنة الى أن المراد من نجاسة المشرکین هو القذارة و الخبث الروحی و الباطنی؛ و ذلک باعتبار أن عقائدهم مزیجة بالشرک و ترک العبادة لله تعالى و العناد و اللجاج فی مقابل دعوة الحق المتمثلة برسالة النبی الاکرم(ص) و غیره من الانبیاء؛ الامر الذی ادى الى تلوث فکرهم و أرواحهم و عواطفهم مما سلب عنهم صلاحیة الدخول الى المسجد الحرام الذی هو بیت التوحید و عبادة الخالق تعالى.[7]
و هناک دلائل و شواهد تدل على ان المراد من النجاسة هی القذارة الروحیة و العقائدیة، نشیر الى اثنین منها:
الف- تفریع المنع من دخول المسجد الحرام على قوله انما المشرکون نجس، یعد شاهدا على أن النجاسة هی النجاسة الباطنیة و الروحیة لا النجاسة الظاهریة؛ لانه لو کان المراد من النجاسة هی النجاسة بالمعنى الفقهی لکانت هی الملاک فی المنع من دخول المسجد الحرام؛ و لاشک ان هذا الرأی مردود من قبل اکثر علماء الشیعة.[8] لان طبقا لفتاوى اکثر الفقهاء: لا باس بدخول الإنسان المتنجس و إدخال المتنجّس الى المسجد ما لم یستلزم الهتک.[9]
الشاهد الثانی: ان من الناس الممنوعین من دخول المسجد الحرام، المحدث بالحدث الاکبر؛ الجنب و الحائض وکذلک لا یحق لهم المکث فی المساجد الاخرى، و ملاک حرمة الدخول یختلف تماما مع ما ادعی( استفادة النجاسة الفقهیة و الظاهریة من کلمة النجاسة).[10]
کما ذهب السید الخوئی ( قدس) الى ان المستفاد من الایة هو النجاسة بالمعنى اللغوی و العرفی و هو القذارة الباطنیة دون النجاسة المعنى الفقهی فانه غیر معهود عرفا و لا لغة؛ من هنا رجح المعنى الاول على الثانی.[11]
خامسا: اهل الکتاب کالیهود و النصارى
یجمع فقهاء الشیعة تقریبا على نجاسة الکافرین[12]؛ لکنهم یختلفون بالنسبة الى نجاسة أهل الکتاب( الیهود و النصارى و ...) فقد ذهب بعض الفقهاء الى طهارتهم و قالوا: انهم محکومون بالطهارة الذاتیة؛ بمعنى انا لو لم نعلم بعروض النجاسة علیهم لا نحکم بنجاستهم.
حیث قالوا: النجس فی الایة خاص بالمشرکین. و الایة لیست فی مقام تنزیل اهل الکتاب منزلة المشرکین؛ لان للشرک مراتب و المرتبة العلیا منه هو القول بتعدد الالهة و هو موضوع النجاسة.[13]
و هناک ادلة ذکرها الفقهاء لعدم نجاسة أهل الکتاب.[14]
اذن فی حال ثبوت حکم النجاسة یختص الحکم بالمشرکین (غیر اهل الکتاب).
و على کل حال، قد رجح بعض الفقهاء المعاصرین الروایات الدالة على الطهارة الذاتیة لاهل الکتاب، و قالوا: ان الاجماع على نجاستهم مجمل و لیس معلوما ما هو مراد العلماء بالنجاسة هل النجاسة الذاتیة ام العرضیة؛ من هنا لا یمکن اعتبارالاجماع دلیلا قویا على النجاسة الذاتیة لاهل الکتاب.
ثم ان بعض مراجع التقلید المعاصرین ذهبوا الى طهارة اهل الکتاب؛ و هم کل من آیات الله العظام فاضل اللنکرانی و السید الخامنئی و السید السیستانی.[15]
و لمزید الاطلاع انظر السؤال رقم 2215 نجاسة الکفار و اهل الکتاب.
بقی البحث عن هل ان الحکم بنجاسة الکافر یعنی احتقارا لشخصیته و عواطفه؟
قبل الاجابة عن السؤال لابد من الالتفات الى مقدمتین:
الف- ان جمیع الادیان و المذاهب و الحکومات الاجتماعیة تجعل و تقرر قوانین رادعة فی ضمن قوانینها الثابتة، و هذه القوانین ذات بعد اسنادی و داعم و تمثل ضمانة تنفیذیة، اذ بدون هذه القوانین و المقررات و العقوبات الرادعة یتحول المجتمع البشری الى مجتمع تسوده الفوضى و الهرج و المرج.
ب- ان وضع العقوبات على المجرمین امر تقتضیه المصلحة الاجتماعیة و انه فی الواقع ناظر الى نوع الناس لا الى شخص المجرم؛ على سبیل المثال عند ما یخل انسان بنظم المجتمع و یثیر القلاقل و المشاکل، هنا تقتضی المصلحة الاجتماعیة ان یضرب على ید هذا الشخص و یودع السجن، و ان کان هذا الموقف قد یعتبر نوع اهانة له؛ لکن لا نجد عاقلا منصفا یعترض على هذا النوع من التعامل مع المجرمین.
بعد هاتین المقدمتین نقول:
1- ان الحکم بنجاسة الکافر و ان کان من الممکن ان یکون مستندا الى القذارة الفکریة و الروحیة لکن الظاهر ان الحکم انما شرع من أجل قطع العلاقات و الاواصر بنحو یصون الانسان المسلم من التاثر بتلک الافکار و العادات و الاخلاقیات.[16] و بعبارة اخرى: یمکن ان تکون احدی حکم هذا التشریع سیاسیة، تهدف الى عزلتهم و عدم اختلاط المسلمین بهم حتى یصان المجتمع المسلم من افکارهم المنحرفة خاصة الطبقة العادیة من المسلمین التی لا تمتلک الوعی الفکری اللازم لتصون نفسها من الانحراف و التاثر بهم.
2- ان هذا الحکم یمثل عقوبة و مجازات للکافرین؛ لان الکفر بالله تعالى و باحکامه یمثل من وجهة النظر الاسلامیة جریمة کبرى، و ان الکافر جدیر بهذا العقاب؛ شأنه شأن الفساق و مرتکبی الذنوب الکبیرة کشارب الخمر و السارق و الظالم و المرابی و غیرهم، فان القوانین الاسلامیة وضعت بعض الاحکام التی تحد من هؤلاء من قبیل رد شهادتهم و ابعادهم عن المناصب التی یشترط فیها العدالة.[17]
اذن الحکم بنجاسة الکفار و ان کان یظهر منه الاهانة الا ان ذلک لا یتنافى مع کونهم مختارین؛ و قد ذکر هذا الحکم بصورة مفصلة فی مصادر الفقه الاسلامی و انه موضوع منطقی و حکیم تماما و انه یمثل عقوبة للکافرین.
[1] الاصفهانی، الراغب، المفردات فی غریب القرآن ، ص 433، مکتبة مرتضویة؛ لسان العرب، ابن منظور، ج 5 ، ص 144، نشر ادب الحوزة.
[2] رسالة توضیح المسائل للمراجع التسعة، ص71-72، انتشارات پیام عدالت، الطبعة الاولی ، 1385 ش.
[3] التوبة، 28.
[4] الطبرسی، أبوعلی الفضل بن الحسن، مجمع البیان فی تفسیر القرآن، ج 5، ص 32.
[5] الطریحی، مجمع البحرین، ج 4 ، ص 11؛ الفیروزآبادی، محمد بن یعقوب، القاموس المحیط، ج 2 ، ص 253، بیروت، دار الاحیاء التراث العربی.
[6] المفردات فی غریب القرآن، ص 791، مادة نجس.
[7] زمانی، محمد حسن، طهارة و نجاسة اهل الکتاب و المشرکین فی الفقه الاسلامی، مرکز مطالعات و تحقیقات اسلامی و موقع الحوزة بحث نجاست اهل کتاب.
[8] نفس المصدر.
[9] الطباطبائی الیزدی، سید محمد کاظم، العروة الوثقی، ج 1، ص 598 ، قم، مؤسسة اسماعیلیان.
[10] انظر: نفس المصدر، ص 285؛ الامام الخمینی، تحریر الوسیلة، ج 1، ص 380، قم ، مؤسسة النشر الاسلامی.
[11] الخوئی، السید ابو القاسم، دروس فی فقه الشیعة، ج 3 ، ص 78، قم ، دار الهادی للمطبوعات.
[12] توضیح المسائل للمراجع، ج 1، ص 76 و 77.
[13] .الروحانی، سید صادق، فقه الصادق ، ج 3 ، ص 286 و 287 ، و انظر برنامج «موسوعة الامام الروحانی».
[14] انظر: الحکیم الطباطبائی، سید محسن، مستمسک العروة الوثقی، ج 1، ص367- 369، قم ، مکتبة آیة الله مرعشی النجفی، 1404 ق.
[15] أجوبة الاستفتاءات ، ج 1 ، س 324 ، ص 92 ، مؤسسه فرهنگی ثقلین ، الطبعة الثانیة، 1375؛ رسالة توضیح المسائل، السیستانی، سید علی، المسأله 103 ، ص 31 ، انتشارات هاتف مشهد ، 1385.
[16] صافی گلپایگانی، لطف الله، به سوی آفریدگار" نحو الخالق"، ص 143، دفتر النشر الاسلامی التابع لجامعة المدرسین، الطبعة الثالثة ، 1377 ش.
[17] نفس المصدر.