التکبر؛ أي أن المرء يرى نفسه متفوقًا على الآخرين، ويعتقد أنه أعلى منهم، ويحتقرهم. هذه الرذیلة الاخلاقیة قد تقود الإنسان احیانا إلى التمرد على الله وأنبيائه الله ورسله، وأحيانًا تؤدّي به الی طلب التفوق علی بنی نوعه من البشر وعباد الله.
ومن أهم أسباب التکبر: "العلم" و"الأعمال الصالحة" و"النسب" و"الجمال" و"القوة والقدرة" و"الثروة" و"کثرة الاصحاب والتلاميذ والأتباع". تظهر علامات التکبر على وجه الانسان وكلام وايماءاته وأفعاله. من الواضح أن اسباب التکبر لا تقتصر على هذه الامور، بل قد یکون له اسباب اخری؛ مثل الشعور بالنقص والحقارة؛ قال الإمام الصادق(ع): "ما من رجل تكبّر أو تجبّر إِلا لذلّة وجدها في نفسه".
للتکبر آثار وعواقب مدمرة للغاية على روح ومعتقدات وأفكار الافراد وكذلك على مستوى المجتمعات البشرية.
قدمت الكتب الأخلاقية طريقين لعلاج التکبر: طريق العلمي والطريق العملی". یجب علی المتکبرون أن یتفکروا في أنفسهم من هم؟ وأين كانوا؟ وأين سيذهبون؟ وماذا سيحدث لهم في النهاية؟ وأن یتفكروا أيضًا في عظمة الله. وعلیهم أن یقوموا باعمال المتواضعین حتى تتأصل فضيلة التواضع في أعماق وجودهم. بالطبع، يجب عليهم أيضًا مراعاة ظروف الزمان والمكان والشخصية الاجتماعية.
"التکبر" في اللغة؛ يعني التعظّم والاعجاب بالنفس.[1] و في مصطلح علم الأخلاق؛ التکبر یعني أن يرى المرء نفسه متفوقًا على الآخر، ویعتقد بأن له مزیة ورجحانا علیه، ویعتبر الآخر أدنى منزلة منه.[2] بعبارات أخرى؛ أساس الکبر هو أن يشعر الإنسان بالراحة في رؤية نفسه أعلى من الآخر.[3] لذلك، یتكوّن الکبر من ثلاثة عناصر: أولاً؛ إعطاء الشخص مكانة لنفسه، وثانيًا؛ إعطاؤه مكانة للآخر، وفي المرحلة الثالثة، أن یری مكانته أعلى من مکانة غیره، ویشعر بالسعادة والطمأنینة والهدوء. لذلک؛ یختلف التکبر عن العجب، فليس فی العجب مقارنة مع آخر، بل هناک يرى نفسه عظيمًا بسبب العلم أو الثروة أو القدرة أو حتى العبادة، وإن كان من المفترض ألا يكون في العالم إلا هو، ولكن في التکبر لابد ان یقارن نفسه بآخر ويرى نفسه أعلى منه.[4]
"الكبر والتکبر"؛ قد یطلق أحيانًا علی الحالة النفسیة التی اشیر الیها، وأحيانًا علی الفعل أو الحركة الناتجة عنها؛ على سبيل المثال، عندما يجلس المرء أو يمشي أو يتكلم بطريقة یظهر منها أنه يرى نفسه متفوقًا على كل من حوله، تسمى هذه الأفعال والحركات تکبرا ایضا.[5]
ذم التكبّر
نقرأ في القرآن الكريم: "سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذينَ يَتَكَبَّرُونَ....".[6] و"....إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرين".[7] و"الَّذينَ يُجادِلُونَ في آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَ عِنْدَ الَّذينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّار".[8]
قال رسول الله(ص): "لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ عَبْدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ وَ لَا يَدْخُلُ النَّارَ عَبْدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ".[9]
قال الإمام علي(ع): "اقبح الخُلق التکبر". لأنه يسبب غضب الله وعداوة الناس ولا تترتب علیه فائدة مطلقا.[10]
حالات التکبر
التکبر و العجب يقودان الإنسان احیانا إلى التمرد والعصيان على الله وأنبيائه ورسله، وأحيانًا یؤدّیان به الی الترفع علی العباد وعلی بنی نوعه من البشر:[11]
أ) التکبر علی الله: وهي أبشع واقبح أنواع التکبر، وینبع من الجهل المطلق. بمعنی أن الانسان یدعي الألوهية، ولا يعتبر نفسه عبداً مخلوقاً لله فحسب، بل یسعی جاهداً لدعوة الناس الی عبودية نفسه.[12]
الشكل الآخر من أشكال التکبر امام الله إبليس وأتباعه حیث استکبر ورفض طاعة الله من موقع الافضلیة لنفسه واعترض علی الالهي وامره وقال باستکبار: "لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُون!".[13] و"أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَني مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طين".[14] أحيانًا يكون حجاب التکبر والغطرسة أمام أعين عقل الانسان لدرجة أن موجودا ضعيفا يعتبر نفسه أكثر وعياً من الحكيم المطلق. مثل هذا الانسان یتمرد علی خالق الكون ولا يطيع أوامره.
ب) التکبر علی أنبياء الله ورسله: معناه أن المرء یری نفسه أعلى من أن یطیعهم.[15] انّ جماعة من المتکبرین کانوا یرفضون طاعة الأنبياء، ويقولون من موقع التكبر کالفراعنة: "أَ نُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَ قَوْمُهُما لَنا عابِدُون؟".[16] وأحيانًا مثل قوم نوح قالوا لبعضهم البعض: "وَ قالَ الَّذينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا في أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبيرا!».[17]
ج) التکبر علی الناس: يعني أن يرى المرء نفسه عظيمًا ویستصغر الناس. وهذا النوع من التکبر من حیث أنه یؤدي إلى معارضة الله تعالى یعتبر من أعظم المهلکات. لأن المتکبر يرفض قبول الحق إذا سمعه من أحد، وبإنكاره يبدي كراهيته وانزعاجه منه، وأيضًا لأن العزة والعظمة والسمو لله تعالی، فكل عبد تکبر فانه قد عارض صفة من صفات الله،[18] وقد ادینت هذه الحالة من التکبر من قبل قادة الدین بصور مختلفة. [19]
أسباب التکبر
تعود أسباب التکبر و دوافعه إلى أنّ الإنسان يتصور لنفسه كمالًا معيناً، وبسبب حبّه لذاته فإنه يرى نفسه أكبر من واقعها ويحتقر الآخرين. يمكن تلخيص الأسباب المهمة للکبر في سبعة اسباب: "العلم"، "الأعمال الصالحة"، "النسب"، "الجمال"، "القوة "، "الثروة" و"کثرة الاعوان والاصحاب والتلاميذ والتابعين".[20]
نكتفي هنا بشرح ثلاثة منها. من الواضح أن الأمر لا يقتصر على هذه الحالات، ویمکن أن تکون هناک اسباب اخری للتکبر؛ مثل الشعور بالنقص والحقارة؛ قال الإمام الصادق(ع): "مَا مِنْ رَجُلٍ تَكَبَّرَ أَوْ تَجَبَّرَ إِلَّا لِذِلَّةٍ وَجَدَهَا فِي نَفْسِه".[21]
قد یسبب العلم الکبر والاعجاب بالنفس لبعض العلماء، كما جاء في الحديث النبوي: "آفة العلم الخیلاء".[22] انّ بعض الناس غير مؤهلین لدرجة أنهم عندما يقرؤون شیئا قلیلا من العلوم، يعتبرون أنفسهم عظماء ویستحقرون الآخرين، وينظرون إلیهم بازدراء ويتوقعون الاحترام والخدمة والتواضع من الجميع. لکن العلماء الحقيقيون كلما زادت معرفتهم، وجدوا أنفسهم أكثر جهلًا؛ لأنهم يرون أنفسهم أمام محيط ضخم لا يوجد عندهم سوى قطرات منه. انهم یشعرون بثقل المسؤولية وتزداد خشیتهم بسبب ما اكتسبوه من العلم، فانه قیل "من ازداد علمه ازداد خوفه وتواضعه".[23]
ان فعل الحسنات والعبادة قد یسبب الكبر والغرور لبعض القائمین بها. لأنهم لهذا السبب يعتبرون أن انفسهم متفوقين على الآخرين ویتوقعون من الناس الاسراع الی زیارتهم، وإبداء احترام خاص لهم في المجالس والأماكن العامة، والتحدث عن صلاحهم وزهدهم وتقواهم، وكأنهم یرون عبادتهم منة علی الآخرين. إنهم يعتبرون أنفسهم ناجین والآخرين هالکین، وهذا يدفعهم إلى تصور امتيازات خاصة لانفسهم والی التفاخر علی الآخرين سرّاً وعلانية.[24]
قال النبی الاكرم(ص): "إِذَا سَمِعْتُمُ الرَّجُلَ يَقُولُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ".[25] وهذه آفة قل ما ینفک عنها العباد، فكلما استخف به أحد، استنکر ذلک كان على يقين بأن من استخف به صار مبغوضا عند الله و استبعد ان یغفر الله له، ولکنه إذا آذى الآخرین، لم یستنکر ذلک الاستنکار وهذا هو نوع من الجهل.
ان احتمال استیلاء الکبر علی المسؤولين والحكام کثیرا جدا. فی تعبیر جمیل للإمام علي(ع) انه قال: "آفَةُ الرِّيَاسَةِ الْفَخْرُ." و فی کلام آخر له(ع) يعتبر التكبر والتفاخر من أسوأ الصفات للحكام والولاة، ويقول: "أَسْخَفِ حَالاتِ الْوُلَاةِ عِنْدَ صَالِحِ النَّاسِ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ حُبُّ الْفَخْرِ وَ يُوضَعَ أَمْرُهُمْ عَلَى الْكِبْرِ وَ قَدْ كَرِهْتُ أَنْ يَكُونَ جَالَ فِي ظَنِّكُمْ أَنِّي أُحِبُّ الْإِطْرَاءَ وَ اسْتِمَاعَ الثَّنَاءِ وَ لَسْتُ بِحَمْدِ اللَّهِ كَذَلِك". [26]
لن ينخدع الإنسان ذو النفس الشریفة بالمقام والمنزلة الدنيوي ولن یبتلی بآفة العجب والتکبر. على حد قول الإمام علي(ع): "ذُو الشَّرَفِ لَا تُبْطِرُهُ مَنْزِلَةٌ نَالَهَا وَ إِنْ عَظُمَتْ كَالْجَبَلِ الَّذِي لَا تُزَعْزِعُهُ الرِّيَاحُ وَ الدَّنِيُّ تُبْطِرُهُ أَدْنَى مَنْزِلَةٍ كَالْكَلَاءِ الَّذِي يُحَرِّكُهُ مُرُّ النَّسِيمِ".[27]
هذه هی الامور التی قد يتباهى ویتفاخر بها الناس علی الآخرين بسببها كلها أو بعضها، وبالطبع لا تقتصر على هذه الأشياء، فکل صفة کمال وقدرة معنویة کانت او مادیة او حتی وهمیة یمکن ان تسبب الکبر والعجب لصاحبها.
یجب ان یقال؛ ان هذا الکلام لا یعنی ان الإنسان یجب علیه للتوقي من التکبر ان یبتعد عن اسباب الكمال کالعلم، وأن یقتل فی نفسه عناصر الخیر والصلاح حتى لا تصبح مصدرا للتکبر، بل الغرض من ذلک ان یتعلم أسلوب وطريقة الحياة الاجتماعية وکلما ازداد في علمه ومعرفته وعبادته وقوته وقدرته وثروته، فعلیه ان یسعی لیکون أكثر تواضعًا ویتفکر أن هذه الکمالات لیست ثابتة ولا یدوم شیء منها وأنها لاشيء مقابل قدرة الله وعظمته.
مفاسد التکبر وعواقبة
للتکبر آثار ونتائج مدمرة للغاية على روح ومعتقدات وأفكار الأفراد وكذلك على مستوى المجتمعات البشرية، ونذكر فيما يلي بعضا منها:
- التلوث بالشرك والكفر: هل لكفر إبليس وانحرافه عن طريق التوحيد وحتى اعتراضه على حكمة الله، مصدر غير الکبر؟ هل ان الفراعنة والنمرودیین وكذا العديد من الاقوام الطاغیة الذین رفضوا دعوة الأنبياء کان لهم دافع غير التکبر؟ ان التکبر لا یبیح للإنسان ان یستسلم للحق؛ لأن الکبر حجاب سمیک علی بصیرة الإنسان ویحجبه عن رؤية جمال الحق، كما جاء عن الإمام الصادق(ع) عند ما سئل عن ادنی الالحاد انه قال: ".... إِنَّ الْكِبْرَ أَدْنَاهُ..".[28]
- الحرمان من العلم والمعرفة: يصل الإنسان إلى حقيقة العلم عندما یسعی لتحصیله من ای شخص وفی ای مکان کما یبحث الشخص عن جوهرة ثمینة مفقودة، بينما الاشخاص المتکبرون لا يقبلون بسهولة تحصیل أفضل العلوم والمعارف وأعلى الحكم ممن یرونه فی مرتبتهم او ممن هو دونهم. قال الإمام الكاظم(ع): "سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ أَدْنَى الْإِلْحَادِ فَقَالَ إِنَّ الْكِبْرَ أَدْنَاهُ. فَكَذَلِكَ الْحِكْمَةُ تَعْمُرُ فِي قَلْبِ الْمُتَوَاضِعِ وَ لَا تَعْمُرُ فِي قَلْبِ الْمُتَكَبِّرِ الْجَبَّارِ لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ التَّوَاضُعَ آلَةَ الْعَقْلِ وَ جَعَلَ التَّكَبُّرَ مِنْ آلَةِ الْجَهْلِ".[29]
- المصدر لکثیر من الذنوب: لو تأملنا فی حالات بعض الاشخاص الذین یعیشون الحسد والحرص وبذاءة اللسان وأنواع الذنوب، نرى المصدر الاساسی لجمیع هذه الرذائل الاخلاقیة هو التکبر. إنهم لا يرغبون أبدًا أن يروا أحدًا افضل منهم، لذلک عندما ينعم وينجح الآخرون یحسدونهم علی ذلک. إنهم یحرصون علی جمع الاموال واکتنازها من أجل توطید وارکان حالة فوقیتهم. وللتعبير عن علوهم على الآخرين، يبیحون لأنفسهم بإذلال الآخرين وتحقیرهم ویلوثون ألسنتهم بشتمهم واهانتهم، وبهذا الطریق یقومون بإخماد النار المستعرة في وجودهم.[30] يقول الإمام علي(ع): "...الْحِرْصُ وَ الْكِبْرُ وَ الْحَسَدُ دَوَاعٍ إِلَى التَّقَحُّمِ فِي الذُّنُوبِ وَ الشَّرُّ جَامِعُ مَسَاوِئِ الْعُيُوبِ".[31] و"التَّكَبُّرُ يُظْهِرُ الرَّذِيلَة".[32]
- مصدر الكراهية والفرقة: من البلایا الهامة التي تصيب المتکبرین هي العزلة والانزواء الاجتماعي وتفرق الناس من حولهم، لأن شرف الانسان وعزته لا تسمح له بالخضوع امام المتکبرین. لذلک فان اقرب اصدقائهم واقربائهم یبتعدون عنهم وعلى فرض أنّ الآخرين يجدون أنفسهم مضطرين لمعاشرتهم بسبب بعض الضرورات الاجتماعیة فانهم یضمرون لهم التنفر والکراهیة في قلوبهم! يقول الإمام علي(ع) في هذا الصدد: "مَنْ تَكَبَّرَ عَلَى النَّاسِ ذَل[33] [في الدنيا والآخرة أمام المقربين إلى الله والخلائق]".[34] "لَيْسَ لِلْمُتَكَبِّرِ صَدِيقٌ".[35] و"مَا اجْتَلَبَ الْمَقْتَ بِمِثْلِ الْكِبْرِ". [36]
علاج التکبر
تقدم الكتب الأخلاقية طریقین لعلاج التکبر: الطريقة "العلمية" والطريقة "العملية".[37]
الطريقة العلمية: یجب علی المتكبرین ان يتفكروا في أنفسهم من هم؟ وأين كانوا؟ وأين سيذهبون؟ وماذا هو مصیرهم في النهاية؟ ویتفكروا أيضًا في عظمة الله و یشاهدوا أنفسهم أمام الله الاحد الذی لا مثیل له. روي في حديث أن لقمان الحكيم قال لابنه: "وَيْلٌ لِمَنْ تَجَبَّرَ وَ تَكَبَّرَ كَيْفَ يَتَعَظَّمُ مَنْ خُلِقَ مِنْ طِينٍ وَ إِلَى طِينٍ يَعُودُ ثُمَّ لَا يَدْرِي إِلَى مَا ذَا يَصِيرُ إِلَى الْجَنَّةِ فَقَدْ فازَ أَوْ إِلَى النَّارِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً وَ خَاب".[38]
لیدرسوا تاريخ العالم كله، ویقرأوا مصير الفراعنة والنمرودیین، وعاقبة كل منهم. لتيفكروا؛ ان الإنسان الذي فی اوّله نطفة مهینة وفي آخره جیفة نتنة، ويعيش بين هلاين عدة أيام، لیس ذلک شیئا يستحق أن یتکبر لاجله. يقول الإمام باقر(ع): "عَجَباً لِلْمُخْتَالِ الْفَخُورِ وَ إِنَّمَا خُلِقَ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ يَعُودُ جِيفَةً وَ هُوَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يَدْرِي مَا يُصْنَعُ بِه".[39]
الطريق العملي: يحاول أن يقوم بأعمال المتواضعین حتى تترسخ فضيلة التواضع في أعماق وجوده. مثلا: یرتدی الملابس البسيطة، ویتناول الطعام البسيط، یجلس على مع خدمه أو عماله علی مائدة واحدة، ویتقدم علی الآخرين فی السلام ویتعامل مع الصغير والكبير من موقع العاطفة والحنان والمحبة، ویتجنب مخاللطة المتکبرین ولا یری لنفسه امتیازا علی الآخرين، وباختصار ان یتخذ فی سلوکه ما هو علامة التواضع أو أحد مظاهره. بالطبع، يجب أيضًا مراعاة ظروف الزمان والمكان والشخصية الاجتماعية. فالهدف هو الوصول إلى مكانة عالية من التواضع والی حياة متواضعة، وتجنب الأعمال التي هي علامة على التکبر والغرور الذاتي والابتعاد عنها.
من ناحية أخرى؛ بما أن للتکبر أسباب وعلل قد اشیر الیها؛ فمن أجل التخلص من كل واحد منها، يجب على المرء أن يتعلم طرق التواضع ویمارسها. فإذا كان سبب التکبر والاعجاب بالنفس العلم والمعرفة؛ فیجب أن یتفکر اصحاب العلم أن القرآن يشبِّه العلماء غير العاملین بالحمار الذی یحمل الكتب والاسفار علی ظهره،[40] وأن یتفکروا أن مسؤولياتهم ستکون ثقیلة بنسبة تفوقهم العلمی علی غیرهم، و یمکن ان يغفر الله سبعين ذنبا للجاهل قبل ان یغفر للعالم ذنب واحد.[41] وينبغي ألا ينسوا أن حسابهم يوم القيامة أصعب و اشد من حساب الآخرین.
ویجب علی المتکبرین من المسؤولين والحكام لمحاربة هذه الآفة الخطيرة؛ أن ینظروا الی عظمة الله وکبریائه ویعلموا انه لا مجال للاستعلاء والتکبر من عبد حقیر فی محضر الله تعالی. يقول الإمام علي(ع) في رسالته إلى مالك الاشتر: "وَ إِذَا أَحْدَثَ لَكَ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِكَ أُبَّهَة أَوْ مَخِيلَة فَانْظُرْ إِلَى عِظَمِ مُلْكِ اللَّهِ فَوْقَكَ وَ قُدْرَتِهِ مِنْكَ عَلَى مَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُطَامِن إِلَيْكَ مِنْ طِمَاحِك وَ يَكُفُّ عَنْكَ مِنْ غَرْبِك وَ يَفِيءُ إِلَيْكَ بِمَا عَزَبَ عَنْكَ مِنْ عَقْلِكَ".[42]
وان یلتفتوا الی هذه النقطة وهي أن الحكومة والرئاسة تدوم لاحد وکما تأتي يوما کذلک تذهب. إن الوصول إلى مكانة دنيوية وتولي الرئاسة وحكم منطقة أو مدينة أو مقاطعة او دولة لا يضيف شيئًا إلى قیم الانسان الفردية، بل يزيد فقط من عبء المسؤولية الإنسانية. على حد قول الإمام علي(ع): "مَنِ اخْتَالَ فِي وِلَايَتِهِ أَبَانَ عَنْ حِمَاقَتِهِ".[43]
[1]. ابن منظور، محمد بن مکرم، لسان العرب، ج 5، ص 129، بیروت، دار الفکر، دار صادر، الطبعة الثالثة، 1414ق؛ قاموس اللغة للعمید، كلمة «التکبر».
[2]. النراقی، محمد مهدی، جامع السعادات، ج 1، ص 380، بیروت، اعلمی، الطبعة الرابعة، بیتا؛ فیض الكاشانى، المحجة البیضاء فى تهذیب الإحیاء، ج 6، ص 233، قم، مؤسسه النشر الاسلامى، الطبعة الرابعة، 1376ش؛ امام خمینی، شرح چهل حدیث، ص 79، قم، مؤسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی(ره)، چاپ بیستم، 1387ش.
[3]. مكارم الشیرازى، ناصر، اخلاق در قرآن، ج 2، ص 43 – 44، قم، مدرسه الامام على بن ابى طالب(ع)، چاپ اول، 1377ش؛ راجع: المحجة البیضاء فى تهذیب الإحیاء، ج 6، ص 233.
[4]. راجع: النراقی، ملا احمد، معراج السعادة، ص 287، قم، الهجرة، الطبعة السادسة، 1378ش؛ اخلاق در قرآن، ج 2، ص 44؛ شرح چهل حدیث، ص 82؛ «كيفیة علاج العجب و الغرور في طریق السلوك ، السؤال 15594.
[5]. جامع السعادات، ج 1، ص 380؛ اخلاق در قرآن، ج 2، ص 44.
[6]. الاعراف، 146.
[7]. الاعراف، 146.
[8]. غافر، 35.
[9]. الشیخ الصدوق، معانی الأخبار، ص 241، قم، مكتب النشر الاسلامی، الطبعة الاولی، 1403ق.
[10]. الآقا جمال الخوانساری، محمد، شرح بر غرر الحکم و درر الکلم، ج 2، ص 379 – 380، جامعة طهران، الطبعة الرابعة، 1366ش.
[11]. المحجة البیضاء فى تهذیب الإحیاء، ج 6، ص 231 – 235؛ شبّر، سید عبد الله، الأخلاق، ص 172، قم، مكتبة العزیزی، 1374ش.
[12]. اخلاق در قرآن، ج 2، ص 46.
[13]. الحجر، 33.
[14]. الاعراف، 12.
[15]. جامع السعادات، ج 1، ص 385.
[16]. المؤمنون، 47.
[17]. الفرقان، 21.
[18]. جامع السعادات، ج 1، ص 386.
[19]. راجع: «معنی الاختيال»، السؤال 34935؛ «تعبیر النزع فی المشی للمشي بتکبر»، السؤال 34933.
[20]. المحجة البیضاء فى تهذیب الإحیاء، ج 6، ص 236 – 245.
[21]. الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 2، ص 312، طهران، دار الکتب الإسلامیة، الطبعة الرابعة، 1407ق.
[22]. المجلسی، محمد باقر، مرآة العقول فی شرح أخبار آل الرسول، ج 10، ص 188، طهران، دار الکتب الإسلامیة، الطبعة الثانیة، 1404ق.
[23]. المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، ج 70، ص 197، بیروت، دار إحیاء التراث العربی، الطبعة الثانیة، 1403ق؛ النسفی، عبد الله بن أحمد، مدارك التنزیل و حقائق التأویل(تفسیر النسفی)، ج 3، ص 86، بیروت، دار الكلم الطیب، الطبعة الاولی، 1419ق.
[24]. المحجة البیضاء فى تهذیب الإحیاء، ج 6، ص 238 – 239؛ اخلاق در قرآن، ج 2، ص 48.
[25]. بحار الأنوار، ج 70، ص 198؛ ابن الاثیر الجزری، مبارک بن محمد، جامع الاصول فی أحادیث الرسول، ج 11، ص 741، مکتبة الحلوانی، مطبعة الملاح، مکتبة دار البیان، الطبعة الاولی.
[26]. الشریف الرضی، محمد بن حسین، نهج البلاغة، المحقق و المصحح، صبحی صالح، الخطبه 216، ص 335، قم، الهجرة، الطبعة الاولی، 1414ق.
[27]. غرر الحكم و درر الكلم، ص 371.
[28]. الكافی، ج 2، ص 309.
[29]. ابن شعبه الحرانی، حسن بن علی، تحف العقول عن آل الرسول(ص)، ص 396، قم، مكتب النشر الاسلامی، الطبعة الثانیة، 1404ق.
[30]. اخلاق در قرآن، ج 2، ص 58.
[31]. نهج البلاغة، الحکمة 371، ص 541.
[32]. غرر الحكم و درر الكلم، ص 36.
[33]. الكافی، ج 8، ص 19.
[34]. السروی المازندرانی، محمد صالح، شرح الکافی (الاصول و الروضة)، ج 11، ص 214، طهران، المکتبة الإسلامیة، الطبعة الاولی، 1382ق.
[35]. غرر الحكم و درر الكلم، ص 557.
[36]. نفس المصدر، ص 685.
[37]. راجع: المحجة البیضاء فى تهذیب الإحیاء، ج 6، ص 252؛ معراج السعادة، ص 292 – 293؛ اخلاق در قرآن، ج 2، ص 60 – 61.
[38]. الشیخ المفید، الإختصاص، ص 338، قم، المؤتمر العالمی لالفیة الشیخ المفید، الطبعة الاولی، 1413ق.
[39]. الكافی، ج 2، ص 329.
[40]. الجمعه، 5: «مَثَلُ الَّذینَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ یحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ یحْمِلُ أَسْفاراً».
[41]. الكافی، ج 1، ص 47.
[42]. نهج البلاغة، الرسالة 53، ص 428.
[43]. غرر الحكم و درر الكلم، ص 633.