تنقسم الأحکام التکلیفیة إلى خمسة أقسام، الواجب، الحرام، المستحب، المکروه و المباح. و هذا التقسیم على أساس الملاک الخاص الموجود فی کل حکم. بمعنى آخر شدة و ضعف المصلحة أو المفسدة المترتبة على فعل العمل أو ترکه. و من البدیهی أن القول بالاستحباب أو میزان شدة الملاک و ضعفه یحتاج إلى دلیل و حجة معتبرة.
و لکن توجد قاعدة متداولة بین العلماء یطلق علیها «التسامح فی أدلة السنن» و هذه القاعدة ثمرة للاخبار الصحیحة و المشهورة التی وردت فی مصادر الحدیث و المسماة «أخبار من بلغ». و بحسب هذه الأخبار إذا وجدنا روایة تدل على ثواب عمل ما، و لا یوجد دلیل على حرمة الإتیان به، و قد أتى به الإنسان بنیّة الحصول على ثوابه، فإنه سوف یعطى هذا الثواب.
و من الجدیر بالذکر أن بعض الفقهاء ذهب الی استحباب مثل هذا العمل حیث قالوا: إذا دلت «أخبار من بلغ» على ثواب عمل ما فإن هذا العمل یکون مستحباً. لکن هذه النظریة انتقدت من قبل البعض الآخر من الفقهاء حیث قالوا انها تدل علی ان العبد یعطى الثواب الذی یقدم على العمل رجاءً للثواب تفضلاً من الله، لا أن واقع العمل مستحب.
تنقسم الأحکام التکلیفیة فی الشریعة إلى خمسة أقسام: الوجوب، الحرمة، الاستحباب، الکراهة و الإباحة،و لکل حکم تکلیفی من هذه الأحکام الخمسة ملاک خاص، فملاک حکم الوجوب المصلحة التی تصل إلى حدها الأعلى، بحیث لا یجوز ترکها. و ملاک حکم الحرمة المفسدة الشدیدة التی لا یجیز الشارع المقدس الإتیان بها. و ملاک الحکم الاستحبابی المصلحة التی لم تصل إلى حد الإلزام فلیست تصل إلى حدها الأعلى و لذلک یجوز ترکها، و لکن الإتیان بها أفضل. و ملاک حکم الکراهة المفسدة التی لم تصل حدها الأعلى، و علیه فالإتیان بها جائز و لکن ترکها أفضل. و أما الإباحة فإنها حکم یتساوى فیها لدى الشارع الإتیان و الترک، و یجوز أی رجحان للفعل أو الترک.
و من البدیهی أن وجود روایة صریحة أو ظاهرة و معتبرة فی الاستحباب[1] أو فی میزان شدة و ضعف الملاک[2] یجعل من الإتیان بالعمل أمر مستحب. و لکن لا بد من الالتفات إلى مسألة على قدر من الأهمیة و ذلک عندما تأتی روایة ضعیفة و تدل على ثواب عمل ما. حتى و إن کانت ضعیفة السند و کانت غیر قادرة على إثبات استحباب العمل، و لکن بانضمام «أخبار من بلغ» یمکن القول بأن الله سبحانه یعطی الثواب لعامل هذا العمل الوارد فی هذه الروایة الضعیفة.
و توضیح ذلک: هناک قاعدة بحثها العلماء بعنوان «التسامح فی أدلة السنن»[3] استادا الی «أخبار من بلغ»[4].
لکن الجدیر بالذکر انه قد وقع الاختلاف بین الفقهاء فی مفاد هذه الأخبار، و أن بحث هذه المسألة بصورة فنیة یوکل إلى محله، و لکن یمکن أن یقال کخلاصة للکلام: یقول البعض إذا وضعنا أخبار من بلغ إلى جانب الأخبار الضعیفة فبالإمکان الحکم باستحباب العمل. و ذلک من خلال القول أن أخبار من بلغ تثبت الثواب للعمل الذی دلت علیه الأخبار الضعیفة، و أن ترتب الثواب على أی عمل دلیل على استحبابه[5]. و لکن البعض الآخر یقول أن هذه الأخبار لا تثبت إلا وجود الثواب المذکور فی الخبر الضعیف و أن الله یعطی العامل الثواب بفضله و منّه لا من جهة کون هذا العمل مستحباً[6].
و على هذا الأساس فإن العمل وفق الروایات الموجودة فی کتب الدعاء و الزیارة و التی تذکر و تفصل وجود الثواب على بعض الأعمال کالوضوء و قراءة بعض الأدعیة أو الإشارة إلى ثواب بعض الأذکار قبل النوم و غیر ذلک من الروایات یکون العمل بها لیس فقط غیر مشکل، و إنما یکون مورد لفضل الله و رحمته و عطائه بحکم العقل و الروایات الصحیحة المشار إلیها.
و لکن العمل بهذه الروایات و الحصول على الثواب یتطلب مراعاة شرطین لازمین:
الأول: عدم وجود دلیل یدل على حرمة أو کراهة هذا العمل.
الثانی: أن یکون الإتیان بالعمل بنیّة الحصول على ثوابه من الله سبحانه[7].
[1] و یعلم عن هذا الطریق أن الملاک و المصلحة موجودة فی هذا العمل راجحة «کشف میزان الشدة و الضعف بالنسبة إلى المصلحة عن طریق کشف الحکم».
[2] فی بعض الأحیان توصلنا معرفة الشدة و الضعف فی الملاک إلى الاستحباب أو أی حکم من الأحکام الخمسة (کشف الحکم عن طریق کشف میزان الشدة و الضعف بالنسبة للمصلحة و المفسدة)، و فی مثل هذه الموارد، فإن الحجة و الدلیل المعتبر مطلوب أیضاً. و إن الروایات التی لا تحظى بالاعتبار لا یمکن أن توصلنا إلى رأی الشارع و تطلعنا علیه.
[3] هناک اختلاف بین العلماء منهم من ذهب الی کونها فقهیة و منهم من رأی انها قاعدة اصولیة.
[4] ورد هذا الحدیث فی الکافی، ج 2، ص 87، : «عن محمد بن مروان قال سمعت أبا جعفر (ع) یقول من بلغه ثواب من الله على عمل فعمل ذلک العمل التماس ذلک الثواب أوتیه و إن لم یکن الحدیث کما بلغه».
[5] انظر: الموسوی، السید حسن، منتهى الأصول، ج 2، ص 213 مکتبة بصیرتی «و لا شک أن ترتب الثواب على عمل دلیل على استحبابه و المثبت لهذا الاستحباب هو عنوان البلوغ سواء کان بالخبر الموثق أو الضعیف فیکون خبر الضعیف حجة على الاستحباب کالخبر الصحیح و الموثق...»؛ الرسائل والمسائل (للنراقی)، ج 1 ، ص 107؛ نفسه، ج 3، ص 104، و لکن من جهة التسامح فی أدلة السنن و هو أمر مشهور بین علماء الشیعة و کذلک الأحادیث الصحیحة یُستفاد إثبات الاستحباب.
[6] انظر: الخوئی، السید أبو القاسم، مصباح الأصول، ج 2، ص320، مکتبة داوری، الطبعة الخامسة، 1417 هجری قمری، «فإن مفادها مجرد الإخبار عن فضل الله تعالى وأنه سبحانه بفضله ورحمته یعطی الثواب الذی بلغ العامل، وإن کان غیر مطابق للواقع، فهی – کما ترى – غیر ناظرة إلى العمل، و أنه یصیر مستحباً لأجل طرو عنوان البلوغ، ولا إلى إسقاط شرائط...».
[7] انظر: موضوع اعتبار کتب الدعاء، سؤال 4840 (الموقع: 5167).