القدر المتیقن أن هذا النوع من الزواج کان مشروعاً فی زمن النبی (ص)، و لا یوجد أی دلیلٍ معتمد على أن حکم هذا الزواج قد نسخ فی زمن النبی (ص). و علیه فلا بد من الحکم ببقائه طبقاً للقاعدة الأصولیة التی ثبتت فی علم الأصول.
و من الجدیر بالذکر و الأهمیة أنه لا یحق لأحدٍ نسخ الأحکام غیر رسول الله (ص)، و أنه الوحید الذی یصدر حکم نسخ الأحکام بعد أن یتلقى الأمر من الله سبحانه بذلک. و قد أغلق باب النسخ تماماً بعد رحلة النبی (ص)، و لولا ذلک لکان یحق لأی شخصٍ أن ینسخ بعض الأحکام باجتهاده و عندها لا یبقى شیء من الشریعة الإلهیة. و الحقیقة هی أن الاجتهاد مقابل کلام رسول الله اجتهاد مقابل النص و لذلک یکون فاقداً کل اعتبار.
یقضی اتفاق جمیع المسلمین، بل تقضی ضرورة الدین أن الزواج المؤقت کان مشروعاً فی صدر الإسلام، و أن الکلام و النقاش حول دلالة قوله تعالى: «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةً»[1] لا ینافی مشروعیة المتعة بأی شکل من الأشکال و لا التسلیم بأصل مشروعیته، لأن المثبتین یعتقدون أن الحکم ثابت عن طریق السنة النبویة و قد عمل بذلک المسلمون الأوائل فی صدر الإسلام الأول، و العبارة المنقولة عن عمر مشهورة و معروفة و ذلک حین قال: «متعتان کانتا على عهد رسول الله و أنا محرمهما و معاقب علیهما، متعة النساء و متعة الحج»[2]، فالمراد متعة النساء المعروفة و یقصد بمتعة الحج «حج التمتع» و هو نوعٌ خاص من أنواع الحج[3].
و هذه العبارة دلیل بیّن على وجود هذا النوع من الزواج فی زمن رسول الله (ص)، غایة الأمر أن المخالفین یدعون أن هذا الزواج نسخ فیما بعد و حرم.
و من الجدیر بالذکر أن الروایات المدعاة دلالتها على نسخ الحکم مختلفة و مرتبکة، فالبعض یقول أن الحکم نسخ من قبل النبی نفسه. و علیه فالناسخ هو حدیث النبی و سنته، و البعض الآخر یقول أن الناسخ آیة الطلاق: «إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ» فی حین لا علاقة لهذه الآیة بالمسألة مورد البحث و الدراسة، لأن هذه الآیة تعنى بمسألة الطلاق فی حین لا طلاق فی الزواج المؤقت، و إنما یکون الفراق بین الزوجین بانقضاء المدة.
إذن فأصل تشریع هذا الزواج من المقطوع به فی زمن النبی الأکرم (ع)، و لا یوجد أی دلیل یعتمد علیه فی الدلالة على نسخ حکم هذا الزواج.
و علیه و طبقاً لقاعدة مسلمة فی علم الأصول[4] فإن هذا النوع من الزواج باقٍ و مستمر. و من البدیهی و الواضح أن لیس لأی أحدٍ حق نسخ الأحکام ما عدا رسول الله (ص). و أنه الوحید صاحب الصلاحیة فی نسخ بعض الأحکام بأمرٍ یتلقاه من الله سبحانه. و لذلک فإن باب النسخ أغلق تماماً بعد رحلة النبی (ص). و إلا لاستطاع کل أحدٍ أن ینسخ ما یرید من الأحکام وفقاً لاجتهاده، و یترتب على ذلک عدم بقاء شیء من شریعة الله و أحکامه الخالدة.
و أساساً فإن الاجتهاد مقابل کلام النبی (ص) هو اجتهاد مقابل النص و فاقدٌ لکل اعتبار.
جاء فی صحیح الترمذی «أحد مصادر السنة المعروفة» و عن الدارقطنی أیضاً: «أن رجلاً من أهل الشام سأل عبد الله بن عمر عن التمتع بالعمرة إِلى الحج، فقال ابن عمر: حسن جمیل، قال: فإِن أباک کان ینهى عنها، فقال: ویلک فإِن کان أبی نهى عنها و قد فعله رسول الله (صلى الله علیه و آله و سلم) و أمر به أ فبقول أبی آخذ، أم بأمر رسول الله (صلى الله علیه و آله و سلم) قم عنّی »[5].
و فی محاضرات الراغب، أن أحد المسلمین أقدم على المتعة، فسُئل: بمن اقتدیت فی جواز المتعة؟ قال: بعمر بن الخطاب رضی الله عنه قال: کیف و عمر کان أشد الناس؟قال: لأن الخبر الصحیح أنه صعد إلى المنبر فقال: إن الله و رسوله قد أحل لکما متعتین و إنی محرمهما علیکم أو أعاقبکم علیهما، فقبلنا شهادته و لم نقبل تحریمه.
و نقل فی صحیح مسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاری أنه قال: «فعلناهما مع رسول الله صلى الله علیه و سلم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما».
و فی حدیث آخر فی کتاب (موطأ مالک) و (السنن الکبرى) للبیهقی عن عروة بن الزبیر أن خولة بنت حکیم دخلت على عمر بن الخطاب فقالت: إن ربیعة بن أمیة استمتع بامرأة فحملت منه، فخرج عمر بن الخطاب فزعاً یجر رداءه فقال: هذه المتعة و لو کنت تقدمت فیها لرجمت.
و فی کتاب «بدایة المجتهد» تألیف «ابن رشد الأندلسی» نقرأ أیضاً أنّ جابر بن عبد الله الأنصاری کان یقول: تمتعنا على عهد رسول الله (صلى الله علیه و آله و سلم) و أبی بکر و نصفاً من خلافة عمر ثمّ نهى عنها عمر الناس.[6]
[1]النساء، 24.
[2]نقل الحدیث فی کنز العرفان ج 2، ص 158 عن تفسیر القرطبی و الطبری بألفاظ شبیهة بما ذکر، و ذکر فی السنن الکبرى للبیهقی ج 7 کتاب النکاح، نقلاً عن التفسیر الأمثل لناصر مکارم الشیرازی الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج3، ص: 178، منشورات مدرسة امیر المؤمنین، الطبعة الأولى، قم المقدسة.
[3]المراد من متعة الحج التی حرمها عمر هو ترک حج التمتع، و حج التمتع یعنی أن الحاج یحرم أولاً ثم یأتی بأعمال العمرة فیحل إحرامه و یحل له کل شیء «حتى المقاربة للنساء» ثم یحرم مرة أخرى لأداء أعمال الحج و ذلک فی الیوم التاسع من ذی الحجة، و هذا الأمر لم یراه أهل الجاهلیة صحیحاً، و یتعجبون من الشخص الذی یأتی بالعمرة ثم یحل إحرامه و لم یکن قد أدى أعمال الحج، و لکن الإسلام أجاز هذا العمل بشکلٍ صریح و ذلک فی الآیة 186 من سورة البقرة.
[4]إشارة إلى قاعدة عدم النسخ، أی أننا إذ شککنا فی مورد الحکم الثابت هل أنه نسخ أم لم ینسخ فالأصل عدم النسخ.
[5]تفسیر القرطبی، ج 2، ص 762، ذیل الآیة 195 من سورة البقرة، نقلاً عن التفسیر الأمثل، ج3، ص180.
[6]انظر: التفسیر الأمثل، ج3، ص178-180؛ المیزان فی تفسیر القرآن، ج4، ص: 272-310.