ان أسهم الارث و کیفیة حسابها هی من أعقد الأحکام الفقهیة حیث ذکر فی القرآن و الروایات قوانین و تعلیمات مهمة فی تقسیمها فیجب الإلتفات الیها. و فی الآیات المذکورة ورد سهم إرث أفراد مختلفین من الوارث، و لیس معنی ذلک انه ممکن أن یجمع بین هذه الفروض کما انه لم ترد أی اشارة الی الجمع بین السهام و إن کان من الممکن أن یجتمع عدد منها مع البعض الآخر.
و بعد اجتماع عدة مجامیع فی الارث، یتّفق احیاناً أن یزید مجموع الأسهم علی مقدار ترکة المیت و أحیاناً یظهر خلاف ذلک. و علی أی حال فطریق الحل یستفاد من القرآن نفسه فإنه قد اعتبر فی الوراث تقدم و تأخر من جهة أخرى فإن السهام ربما اجتمعت فتزاحمت بالزیادة على أصل الترکة فمنهم من عین له عند الزحام سهم آخر کالزوج یذهب بالنصف فإذا زاحمه الولد عاد إلى الربع بعینه و مثله الزوجة فی ربعها و ثمنها و کالأم تذهب بالثلث فإذا زاحمها ولد أو إخوة عادت إلى السدس و الأب لا یزول عن سدسه مع وجود الولد و عدمه و منهم من عین له سهم ثم إذا زاحمه آخر سکت عنه و لم یذکر له سهم بعینه کالبنت و البنات و الأخت و الأخوات یذهبن بالنصف و الثلثین و قد سکت عن سهامهم عند الزحام، و یستفاد منه أن أولئک المقدمین لا یزاحمون و لا یرد علیهم نقص فی صورة زیادة السهام على الأصل و إنما یرد ما یرد من النقص على الآخرین المسکوت عن سهامهم عند الزحام.
ان مبحث المیراث من أعقد الأحکام الإسلامیة الفقهیة، حیث ذکر فی القرآن و الروایات قوانین و تعلیمات مهمة فی تقسیمها فیجب الإلتفات الیها. و للإطلاع علی کیفیة تقسیم الارث یجب أن نتعرض أولاً الی بیان معانی الآیات:
1. یوصیکم الله فی أولادکم للذکر مثل حظ الانثیین و إن کن نساء فوق اثنتین فلهن الثلثان مما ترک و ان کانت واحدة فلها النصف و لأبویه لکل واحد منهما السدس ان کان له ولد، و ان لم یکن له ولد و ورثه أبواه فلامه الثلث فان کان له اخوة فلامه السدس من بعد وصیة یوصی بها أو دین، آباؤکم و أبناؤکم لا تدرون أیهم أقرب الیکم نفعاً فریضة من الله إن الله کان علیماً حکیما.[1]
و قد ذکرت هذه الآیة ستة قوانین و تعلیمات رئیسیة فی تقسیم الارث:
الف. أن سهم کل ولد من مال أبیه و امه هو ضعف سهم البنت (اخت الوارث).
ب. إذا کان للمیت عدة بنات فقط و لم یکن له وارث آخر غیرهن فانه سهمهن هو ثلثا المال.
ج. إذا کان للمیت بنت واحدة فقط فان سهمها نصف المال.
د. ان سهم کل من الأب و الام. إذا کان للمیت ولد، هو سدس المال.
هـ. ان سهم الام إذا لم یکن للمیت ولد و لا أخ، هو الثلث، و باقی المال للأب، فان کان للمیت أخ فان سهم الام هو سدس المال.
و. أن أداء الدیون و دفع التکالیف المالیة للوصیّة (إذا لم تکن الوصیة أکثر من ثلث المال) مقدم علی تقسیم الارث بین الوارثین.
2. (و لکم نصف ما ترک أزواجکم ان لم یکن لهن ولد فإن کان لهن ولد فلکم الربع مما ترکن من بعد وصیة یوصین بها أو دین، و لهن الربع مما ترکتم إن لم یکن لکم ولد فإن کان لکم ولد فلهن الثمن مما ترکتم من بعد وصیة توصون بها أو دین، و ان کان رجل یورث کلالة أو امرأة و له أخ أو أخت فلکل واحد منهما السدس فإن کانوا أکثر من ذلک فهم شرکاء فی الثلث من بعد وصیة یوصی بها أو دین غیر مضار وصیة من الله و الله علیم حکیم).[2]
و قد ذکر فی هذه الآیة أیضاً أربعة قوانین رئیسیة فی تقسیم الارث:
الف.إذا کان المیت امرأة و لم یکن لها ولد فإن حصة زوجها نصف أموالها، و ان کان لها ولد فإن حصة زوجها ربع أموالها.
ب. إذا کان المیت رجلاً و لم یکن له ولد فإن حصة ارث زوجته ربع أمواله، و ان کان له ولد فإن حصة زوجته ثمن الأموال.
ج. إذا لم یکن للمیت ولد و کان له فقط اخت أو أخ (من الام) فإن حصته سدس المال.
د. إذا لم یکن للمیت ولد و کان له أکثر من أخت أو أخ (من الام) فإن ثلث الأموال یقسّم بینهم.
3. (یسئلونک (حول ارث الأخوات و الإخوة) قل الله یفتیکم فی الکلالة ان امرؤ هلک لیس له ولد و له اخت فلها النصف و هو یرثها ان لم یکن لها ولد فإت کانتا اثنتین فلهما الثلثان مما ترک و ان کانوا اخوة رجالاً و نساء فللذکر مثل حظ الانثیین یبیّن الله لکم ان تضلّوا و الله بکل شیء علیم).[3]
و قد ذکر فی هذه الآیة أیضاً ثلاثة قوانین جدیدة فی تقسیم الارث و هی عبارة عن:
الف. إذا کان المیت رجلاً و لم یکن له ولد، و کان له فقط أخت واحدة(من الأب و الام أو من الأب فقط) فإن حصّتها النصف.
ب.إذا کان المیت امرأة و لم یکن لها ولد و کان لها فقط أخ واحد (من الأب و الأم أو من الأب فقط) فإن الأخ یرث جمیع أموالها.
ج. إذا لم یکن للمیت ولد و کان له فقط اختان فإن حصتهما الثلثان من أمواله.
د. إذا کان ورثة المیت أخواته و إخوانه فقط فإن کل أخ یرث ضعف حصة اخته.
و یستفاد من الآیات المذکورة عدة قوانین نشیر الیها فیما یلی:
1. یستفاد من هذه الآیات أن للإرث طبقاتا فلا تصل النوبة الی أفراد الطبقة اللاحقة مع وجود أفراد فی الطبقة السابقة.
و طبقات الإرث عبارة عن:
الطبقة الاولی: الآباء و الأبناء.
الطبقة الثانیة: الإخوة و الأخوات و الأجداد و الجدّات.
الطبقة الثالثة: الأعمام و العمّات و الأخوال و الخالات.
فالقرآن یری انه إذا کان شخص من الطبقة الاولی (الآباء و الأبناء) حیّاً فلا تصل النوبة الی الطبقة الثانیة (الإخوة و الأخوات)، و مع وجود شخص من الطبقة الثانیة لا تصل النوبة الی الطبقة الثالثة (الأعمام و العمّات و الأخوال و الخالات)، و بالطبع فإن (الزوج و الزوجة) یجتمعان مع کل هذه الطبقات.[4]
و بناء علی هذا فإن الله تعالی قد ذکر فی هذه الآیات قسماً من القواعد الرئیسیة فی تقسیم الإرث و عیّن حصة کلّ من الورثة علی حدة، و لیس معنی ذلک ان جمیع أقسام الورثة یمکنهم أن یجتمعوا فی الخارج، و هذا أمر واضح، فإن بعض الفروض أساساً لا یمکن اجتماعها مع باقی الفروض، لأن للإرث طبقاتا و لا تصل النوبة الی إرث أفراد الطبقة اللاحقة مع وجود أفراد من الطبقة السابقة.[5]
2. و کما ذکرنا فانه ورد فی القرآن فرض نوعین من الأسهم لبعض أقرباء المیت:
أنه قد اعتبر فی الوراث تقدم و تأخر من جهة أخرى فإن السهام ربما اجتمعت فتزاحمت بالزیادة على أصل الترکة فمنهم من عین له عند الزحام سهم آخر کالزوج یذهب بالنصف فإذا زاحمه الولد عاد إلى الربع بعینه و مثله الزوجة فی ربعها و ثمنها و کالأم تذهب بالثلث فإذا زاحمها ولد أو إخوة عادت إلى السدس و الأب لا یزول عن سدسه مع وجود الولد و عدمه و منهم من عین له سهم ثم إذا زاحمه آخر سکت عنه و لم یذکر له سهم بعینه کالبنت و البنات و الأخت و الأخوات یذهبن بالنصف و الثلثین و قد سکت عن سهامهم عند الزحام، و یستفاد منه أن أولئک المقدمین لا یزاحمون و لا یرد علیهم نقص فی صورة زیادة السهام على الأصل و إنما یرد ما یرد من النقص على الآخرین المسکوت عن سهامهم عند الزحام.[6]و توضیح ذلک: أنه فی صورة زیادة السهام على أصل المال یدخل النقص على هؤلاء الذین لم یعین لهم إلا سهم واحد و هم البنات و الأخوات دون غیرهم و هو الأم و الزوج الذین عین الله فرائضهما بحسب تغیر الفروض.[7]
و ذلک مثل ان یترک المیت بنتاً و أباً و اماً و زوجاً. فإن الأسهم ستزاحم بعضها بعضاً فی هذا المورد، لأن الإرث سواء کان قلیلاً أو کثیراً هو عدد صحیح و یجب قسمته علی النسب المتقدمة، لکی یرث أحدهم النصف و اثنان لکل منهما السدس و الزوج یرث الربع، و العدد الصحیح لا یشتمل علی کل هذه النسب لأن مجموع هذه النسب الثلاثة أو الکسور الثلاثة یکون أکثر من العدد الصحیح.
ففی هذا الفرض لا یرد النقص علی الأب و الام و الزوج فإنهم یأخذون حصصهم بشکل کامل.
و فی مقابل ذلک: إذا کان المال أکثر من حصص الإرث، فإن المقدار الزائد یعطی للذین عیّن القرآن لهم سهماً واحداً، أی نفس الذین یرد النقصان علیهم فی صورة النقص. و ذلک حینما یترک المیت بنتاً و أباً فللبنت النصف و للأب السدس یرثانه بالفرض و البقیة و هی سدسان تعطی للبنت بعنوان الرد.
و بعد اجتماع عدة أنواع من الإرث: إذا اتّفق أحیاناً أن تکون مجموع الحصص أکثر من مقدار مال المیت أو مجموع الحصص أقل من مال المیت، فمع الالتفات الی الأصول و القوانین المذکورة یمکننا تقسیم الإرث بین الورثة بسهولة و لا تبقی مشکلة زیادة الحصص علی ترکة المیت، کما یفهم من هذه الآیات و الأحادیث أهل البیت(ع).[8] و علی أی حال فإن الحلول المذکورة تستفاد من نفس هذه الآیات التی تذکر قانون الإرث. و فی النتیجة فإن الشرع نفسه کان ملتفتاً الی انه من الممکن فی بعض الفروض أن تزید الأسهم المعیّنة أو تنقص عن ترکة المیت و هو بنفسه قد وضع قانوناً للحل فی مثل هذه الموارد، و علی هذا فلا یتوجه أی إشکال علی هذه الآیات.
[1] النساء، 11.
[2] النساء، 12.
[3] النساء، 176.
[4] لاحظ: الطباطبائی، محمد حسین، تفسیر المیزان، ج 4، ص213 – 214، مطبع جامعة مدرسی الحوزة العلمیة فی قم؛ الشهید الثانی، اللمعة الدمشقیة، باب المیراث، ص 409.
[5] و الملاحظة المهمة هی ان حصة ارث الأقرباء النسبیین و السببیین تعیّن أحیاناً بالکسر المعیّن (النصف، الربع، الثمن، الثلث، السدس) و یسمی هذا الکسر (فرضاً) و یسمی الوارث الذی یرث بهذا الشکل (صاحب الفرض). و أحیاناً یعیّن سهم الإرث بدون کسر مشخص و الوارث الذی یرث بهذا الشکل یسمی (الوارث بالقرابة). و فی تقسیم الإرث یأخذ أصحاب الفروض أولاً حصصهم ثم یأخذ بقیة الترکة الوارثون بالقرابة، توضیح المسائل المحشی للإمام الخمینی، ج 2، ص 705.
[6]طباطبایی، محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج 4، ص 214.
[7] طباطبایی، محمد حسین، المیزان، ج 4، ص 214.
[8] القمی المشهدی، محمد بن محمد رضا، کنز الدقائق، ج 3، ص 352، نشر وزارة الإرشاد؛ نور الثقلین، ج 1، ص 53 و 54 و 452.