المراد بالبلوغ الجسمی وصول الشخص إلى مرحلة یکون فیها مؤهلا للزواج جسمیا . و لا یوجد فرق مهم بین الناس من جهة البلوغ الجسمی و عادة ما یصل الرجال إلى البلوغ بعد انقضاء خمسة عشر عاماً قمریاً و تسعة أعوام بالنسبة للنساء. و فی المصطلح العرفی و الشرعی یقال للولد أنه بالغ عندما یحتلم فیتوجه إلیه التکلیف.
أما فیما یخص البلوغ العقلی الذی یعبرون عنه بالبلوغ الفکری و النفسی و الرشد، فإنه عبارة عن بلوغ الإنسان سناً یشخص فیه النفع من الضرر و لا یضع أمواله و ما یتعلق به فی معرض الحیف و الخسارة و الضرر.
لا بد من البحث فی ثلاثة محاور للوصول إلى الجواب عن السؤال:
1ـ معنى البلوغ و الرشد.
2ـ ما المراد بالبلوغ النفسی و الجسمی.
3ـ ما هو الفرق بینهما.
البلوغ مشتق من مادة «بلغ» و معناها فی اللغة «الوصول» إلى المقصد أعم من أن یکون المقصد مکاناً أو زماناً أو أمراً معیناً، و فی بعض الأحیان یکون الاقتراب من المقصد هو المراد و ولو لم یصل إلى النهایة[1].
و المراد بالبلوغ وصول الإنسان إلى سنی الزواج، و أما کلمة «الرشد» فإنها تعنی النضج العقلی، خلافاً للغی التی تدل على معنىً مغایر[2].
و أما بالنسبة إلى الاصطلاح العرفی و الشرعی فیقال للولد اذا احتلم أنه بالغ، و قد توجه إلیه التکلیف. فهو بالغٌ إذن[3].
ثبوت التکلیف:
یشار إلى البلوغ عند ما یراد إثبات التکلیف و بعض الأمور الحقوقیة و الاقتصادیة و الاجتماعیة. و البلوغ من جملة الشروط التی تذکر لتحمل و قبول التکلیف، و من لم یصل سن التکلیف لا تناط به مسؤولیة أداء أی عمل.
و کل مسلم یدخل فی دائرة المکلفین بعد وصوله إلى سن البلوغ و عندها یکون مسؤولاً عن أداء جمیع الواجبات الإلهیة و ترک جمیع النواهی[4].
أقسام البلوغ:
1ـ البلوغ الجسمی: لا یوجد فرق مهم بین الناس من جهة الوصول إلى البلوغ الجسمی، و عادة ما یصل الذکور فی سن الخامسة عشرة بحسب السنین القمریة، و تسع سنوات قمریة بالنسبة إلى النساء[5].
2ـ البلوغ العقلی و الروحی:
یختلف أفراد الإنسان فی مسألة وصولهم سن البلوغ العقلی، فمن الممکن أن یصل البعض فی سن العشرین و البعض فی سن أعلى من ذلک، و لا یعنی الوصول إلى البلوغ العقلی أن نضج الإنسان و رشده قد توقف، و إنما یتکامل یوماً بعد یوم، و سن البلوغ العقلی عادة ما یکون بین العشرین و الأربعین. و قد أشار القرآن الکریم إلى الأربعین باعتبارها تمثل کمال الرشد بالنسبة إلى نوع الإنسان و هو الوصول إلى البلوغ العقلی: «حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِینَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِی أَنْ أَشْکُرَ نِعْمَتَکَ الَّتِی أَنْعَمْتَ عَلَیَّ»[6]، و تذکر هذه الآیة بأنه عندما وصل یوسف إلى سن الرشد و هو سن الأربعین آتاه الله الحکمة و العلم[7].
3ـ بلوغ الأشد: «الأشد» یعنی استحکام قوة الجسم و الروح «و بلوغ الأشد» یعنی الوصول إلى هذه المرحلة.
و قد أطلق القرآن «بلوغ الأشد» على مراحل متعددة من عمر الإنسان.
ألف: فقد جاء فی بعض الأحیان بمعنى سن البلوغ، کما فی قوله تعالى: «وَ لا تَقْرَبُوا مَالَ الْیَتِیمِ إِلاَّ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ حَتَّى یَبْلُغَ أَشُدَّهُ»[8].
ب ـ کما ورد بمعنى الوصول إلى سن الأربعین مثل قوله: «حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِینَ سَنَةً»[9].
ج ـ کما ورد فی مرحلة ما قبل الشیخوخة مثل قوله: «ثُمَّ یُخْرِجُکُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّکُمْ ثُمَّ لِتَکُونُوا شُیُوخاً»[10].
و الاختلاف فی العبارات یمکن أن یکون من جهة المراحل التی یطویها الإنسان حتى یصل مرحلة قوة الروح و الجسم و التی یکون سن البلوغ أحدها، و سن الأربعین الذی یصاحبه عادةً نوعٌ من النضج و الرشد فی الفکر و العقل، و کذلک بلوغ الإنسان إلى مرحلة ما قبل منحنى النزول و الوهن[11].
کمال الإنسان الفکری «الرشد»:
و خلافاً للبلوغ الجسمی الذی یقابل الطفولة و الصبا، فإن الرشید یقابل السفیه.
السفیه:
و من أجل معرفة أفضل لمعنى الرشد من اللازم أن نعرف معنى السفه الذی یقابل معنى الرشد.
جاء فی کتاب المفردات: السفه نوع من الخفة فی الجسم حتى یفقد الإنسان توازنه حینما یسیر فی الطریق. و کذلک استعمل اللفظ فی الأفراد الفاقدین للنضج الفکری، سواء کانت خفة العقل فی الأمور المادیة أو الأمور المعنویة.
یقول تعالى فی القرآن الکریم: «وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَکُمُ الَّتِی جَعَلَ اللَّهُ لَکُمْ قِیَامًا وَ ارْزُقُوهُمْ فِیهَا وَ اکْسُوهُمْ وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً»[12]. و هذا أمر لکلّ أحد أن لا یخرج ماله إلى سفیه یعلم أنّه یضعه فیما لا ینبغى و یفسده، رجلا کان أو امرأة، قریبا کان أو أجنبیّا[13].
[1]قاموس قرآن، ج 1، ص 228.
[2]الطباطبائی، محمد حسین، ترجمه، موسوى همدانى، سید محمد باقر، ترجمه المیزان، ج4، ص 275، نشر: دفتر انتشارات اسلامى جامعه المدرسین، قم، عام1374 ش،الطبعة الخامسة.
[3]مجمع البحرین، ج 5، ص 6.
[4]توضیح المسائل (المحشى للإمام الخمینی)، ج1، ص: 3
[5] علامات البلوغ ثلاثة: الاول نمو الشعر الخشن على العانة.
الثانی: خروج المنی.
الثالثة: اتمام خمس عشرة سنة هلالیة للذکر و تسع سنین للبنت. و کل واحدة من هذه العلامات کافیة فی ثبوت التکلیف الشرعی.
[6]الاحقاف، 15.
[7]جعفری، یعقوب، تفسیر الکوثر، ج 5، ص 362، توضیح، تفسیر سورة الحمد الی الکوثر.
[8]الاسراء، 34.
[9]الاحقاف، 15.
[10]غافر، 67.
[11]مکارم شیرازى، ناصر، تفسیر نمونه، ج 9، ص 364 و 365، نشر، دار الکتب الإسلامیة، طهران، عام 1374 ش.
[12]النساء 5.
[13]ترجمه جوامع الجامع، ج 1، ص 555 و 554.