إن أهمیة مراعاة حقوق الوالدین فی القرآن بلغت حداً أن الأمر بها جاء بعد النهی عن الشرک فی بعض الآیات القرآنیة، و کذلک ذکرت فی الروایات باعتبارها من أفضل الأعمال و أما ما جاء من مصادیق هذه الرعایة فی القرآن و الروایات فیتمثل بالآتی:
1ـ التحدث مع الوالدین بکل أدب و التواضع أمامهما.
2ـ طلب الرحمة لهما من الله.
3ـ إطاعتمها فی غیر معصیة الله.
لقد اهتم القرآن و الأحادیث الشریفة بحقوق الوالدین بشکل کبیر فی جمیع المصادر الاسلامیة قرآنا و سنة:
أهمیة حقوق الوالدین فی نظر القرآن الکریم
لقد بلغ اهتمام القرآن بحقوق الوالدین إلى أبعد مدى من الاهتمام حتى أنه فی الکثیر من الآیات یؤکد على حفظ هذه الحقوق و رعایتها بعد النهی عن الشرک بالله.
و على سبیل المثال یقول تعالى: «وَ إِذْ أَخَذْنَا مِیثَاقَ بَنِی إِسْرَائِیلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَ بِالْوَالِدَیْنِ إِحْسَانًا»[1].
و من الواضح أن أخذ العهد على الإحسان إلى الوالدین یشیر إلى أهمیة هذا الأمر، و فی آیات أخرى یقول تعالى «وَ قَضَى رَبُّکَ» أی أن الله حکم حکماً قطعیاً، ثم یأمر بالإحسان إلى الوالدین بعد أن ینهى عن الشرک[2]. و قد تکررت هذه المطالب مرات عدیدة فی الآیات 36 من سورة النساء، 151 سورة الأنعام، 8 من سورة العنکبوت و 15 من سورة لقمان و الأحقاف.
إضافة إلى ذلک ما ورد من ذکر إحسان الأنبیاء إلى والدیهم فإنه یشیر بنحو آخر إلى أهمیة هذه المسألة ففی سورة مریم یذکر القرآن فضائل یحیى (ع) و عد منها الإحسان إلى والدیه[3].
أهمیة حقوق الوالدین فی الروایات:
فی روایة عن الإمام الصادق (ع) أنه أجاب عن السؤال القائل، أی الأعمال أفضل؟ قال: «الصلاة أول وقتها، و بر الوالدین و الجهاد»[4]. إن ذکره بر الوالدین بعد الصلاة فی أول وقتها و قبل الجهاد دلیل على اهتمام الأئمة ببر الوالدین، و فی روایة أخرى عن الإمام الصادق (ع) الإحسان إلى الأب و الأم صالحین کانا أو طالحین، من الأمور التی لا عذر لأحد فیها.
مصادیق حقوق الوالدین فی القرآن و الروایات:
لقد وردت فی القرآن و الروایات أمثلة و مصادیق لرعایة حقوق الأب و الأم من قبل الأبناء نشیر إلى بعضها:
أ ـ الکلام اللطیف.
جاء فی القرآن الکریم: «وَ قَضَى رَبُّکَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِیَّاهُ وَ بِالْوَالِدَیْنِ إِحْسَانًا إِمَّا یَبْلُغَنَّ عِنْدَکَ الْکِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ کِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَ لا تَنْهَرْهُمَا وَ قُلْ لَهُمَا قَوْلاً کَرِیمًا»[5]، [6].
ب ـ التواضع أمامهما و یضیف القرآن: «وَ اخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا کَمَا رَبَّیَانِی صَغِیرًا»[7]. إن استعارة جناح الذل للتعبیر عن نوع التواضع یدل على أنه الواجب إظهار أعلى درجات التواضع للوالدین.
ج ـ إطاعتهما.
وردت الروایة عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: «یجب للوالدین على الولد ثلاثة أشیاء: شکرهما على کل حال، و طاعتهما فیما یأمرانه و ینهیانه عنه فی غیر معصیة الله، و نصیحتهما فی السر و العلانیة»[8].
د ـ الدعاء لهما.
و قد ورد فیما یتلو الآیات المتقدمة قوله: «وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا کَمَا رَبَّیَانِی صَغِیرًا»[9].
إضافة إلى ذلک فقد ذکرت أمور جزئیة، کما ورد عن الإمام موسى بن جعفر (ع) أنه قال سئل النبی (ص) عن حق الوالد على الولد فأجاب: «لا یسمیه باسمه، و لا یمشی بین یدیه، و لا یجلس قبله و لا یستسب له»[10].
کما جاء فی آیة من آیات القرآن تقدیم الإنفاق على الوالدین على جمیع أنواع الإنفاق: «یَسْأَلُونَکَ مَاذَا یُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَیْرٍ فَلِلْوَالِدَیْنِ وَ الأَقْرَبِینَ...»[11].
حدود رعایة حقوق الوالدین:
قد توحی المطالب المتقدمة بإن إطاعة الوالدین مطلقة فی جمیع الأمور، و لکن لا بد من القول أن القرآن لا یرى التعامل معهم بهذه الطریقة صحیحاً، و على أساس ما جاء فی آیات القرآن فإن احترام الوالدین و إطاعة أوامرهما عندما لا تکون هذه الطاعة و الاحترام مفضیةً إلى الخروج عن طاعة الله و عدم امتثال أوامره و نواهیه و الخروج عن دائرة الحق و العدل فقد ورد فی القرآن التوصیة برعایة الحق و العدل و الإنصاف، حتى إذا کان على حساب الأقرباء و الوالدین[12].
إضافة إلى أن القرآن یصرح بشکلٍ جلی و ینهى الإنسان عن الامتثال لطاعة والدیه عندما یدعوانه إلى الشرک بالله، یقول تعالى: «وَ وَصَّیْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَیْهِ حُسْنًا وَ إِنْ جَاهَدَاکَ لِتُشْرِکَ بِی مَا لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا»[13].
و أخیراً فإن القرآن یشیر إلى قضیة هامة کما فی قوله تعالى: «وَ صَاحِبْهُمَا فِی الدُّنْیَا مَعْرُوفاً»[14] أی أنه یعصیهما فی مسألة الشرک و لکن لا ینبغی أن یؤدی ذلک إلى الإساءة لهما.
و یعلل القرآن التأکید على هذه الوصایا و الإرشادات للأبناء برعایة حقوق الوالدین بما کانا یبذلانه من جهد و عناء و خصوصاً الأمهات فی تربیة الأولاد و رعایتهم[15]،[16].
لمزید الاطلاع انظر:
أوامر الدین و واجب الأولاد، السؤال 1951 (الموقع: 2700).
[1]البقرة، 83.
[2]«و قضى ربک ألا تعبدوا إلا إیاه و بالوالدین إحسانا». الإسراء، 23.
[3]«و برّاً بوالدیه و لم یکن جباراً عصیا» مریم، 14.
[4]الشیخ الطوسی، التهذیب، ج6، ص350، دار الکتب الإسلامیة،طهران، 1365 ش.
[5]الإسراء، 23.
[6]انظر الکلینی، الکافی، ج2، ص349.
[7]الإسراء، 24.
[8]العلامة المجلسی، بحار الأنوار، ج75، ص236، مؤسسة الوفاء، بیروت، لبنان، 1404 ق.
[9]الإسراء، 24.
[10]الکلینی، الکافی، ج2، ص158، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1365 ش.
[11]البقرة، 215.
[12]«و کونوا قوامین بالقسط شهداء لله و لو على أنفسکم أو الوالدین و الأقربین..» النساء، 135.
[13]العنکبوت، 8.
[14]لقمان، 15.
[15]لقمان، 14؛ الأحقاف، 15؛ الإسراء، 24.
[16]بالاستفادة من مقالة الموقع أجوبة المسائل الدینیة.