یقول الله سبحانه و تعالى فی الآیة 101 من سورة التوبة: «وَ مِمَّنْ حَوْلَکُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِینَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَیْنِ ثُمَّ یُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِیمٍ»[1].
و یقول فی الآیة 105: «وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَیَرَى اللَّهُ عَمَلَکُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ سَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَیْبِ وَ الشَّهَادَةِ فَیُنَبِّئُکُمْ بِمَا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»[2].
و للإجابة عن السؤال عن رفع احتمال التناقض بین هاتین الآیتین نقول:
أولاً: فی الآیة الأولى یخاطب الله نبیه و یخبره بوجود منافقین من حوله و أنه لا یعملهم.
من المسلم أن المنافق یعمل بطریقة لا یمکن لأحد أن یعرفه، إذن فعدم معرفة المنافق أمرٌ عادی، و أما فی الآیة الأخرى فیقول، کل عمل یصدر منکم یعلمه الله و رسوله و المؤمنون.
و لا بد من التوجه إلى أن الکلام فی الآیة عن رؤیة العمل لا رؤیة النیات، و أن نفاق المنافق لیس أمراً ظاهراً و إنما یخفیه فی نیته، فما نسب فی الآیة الأولى إلى النبی من عدم المعرفة هو النفاق المخفی، و ما نسب إلى الرسول من المعرفة یختص بعمل العباد.
ثانیاً: و الجواب الأدق هو أن نبی الإسلام و کل واحد من أولیاء الله و الأئمة المعصومین (ع) لا یعلمون من الغیب شیئاً من لدن أنفسهم، و إنما کل ما یعلمونه من خزائن علم الله یلهمهم الله علمه، و بعبارة أخرى أنهم لا یعلمون شیئاً على وجه الاستقلال، و إنما کل ما لدیهم من تعلیم الله. فمعرفة الرسول بالمنافقین فی زمن متأخر أمرٌ صحیح و لکن الله یخاطبه أنک ما کنت تعلمهم فی الزمان الماضی. و على هذا الأساس، ففی البدایة لیس ما یخفى علیه علم المنافقین و حسب، بل هناک أمورٌ أخرى ما کان یعلمها، و لکنه علمها بواسطة الإلهام الإلهی.
یخاطب الله سبحانه رسوله فیقول: «وَ کَذَلِکَ أَوْحَیْنَا إِلَیْکَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا کُنْتَ تَدْرِی مَا الْکِتَابُ وَ لَا الْإِیمَانُ وَ لَکِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِی بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَ إِنَّکَ لَتَهْدِی إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِیمٍ»[3].
و فی آیة أخری یقول: «لَا تَدْرِی لَعَلَّ اللَّهَ یُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِکَ أَمْرًا»[4]
و لکن فی الآیات الأخرى یأتی الکلام عن الآیات الکبرى التی یعلمها الله لنبیه الأکرم(ص)، الآیات التی لم یرها أحد: "لَقَدْ رَأى مِنْ آیاتِ رَبِّهِ الْکُبْرى".[5]
إذن مع أن النبی لم یکن فی بدایة الأمر یعلم شیئاً، و لکن التعلیم الإلهی أطلعه على الآیات الکبرى التی لم یطلع علیها أحد.
نأمل أن تکون هذه التوضیحات أعطت إجابة لسؤالکم و للاطلاع یراجع 5460 (الموقع :5690) و 2119 (الموقع 2226) و 339 (الموقع 607) و 579 (الموقع 631).