بالالتفات الی أن ملاک الحلیة فی الموضوعات لیس متوقّفاً علی کونها مصداقاً للّذة -فی مقابل کونها مصداقاً للشهوة- و باعتبار أن جمیع مصادیق الشهوة لیس لها حکم واحد فکذلک لیس لجمیع مصادیق اللذة حکم واحد أیضاً؛ بل أن مفردات هذین الأمرین الکلّیین و مصادیقهما لکل منها حکمه الخاص به بحسب اقتضاء النوع و الظروف.
و بناء علی هذا فالنتیجة التی ذکرتها فی سؤالک لا تحصل بمجرد بیان الفرق بین اللذة و الشهوة. و تفصیل ذلک یأتی فی الجواب التفصیلی.
نظرا لعمومیة السؤال، نذکر بعض التوضیحات التی تکون نافعة ان شاء الله. من اجل فهم صحیح للموضوع یجب أولاً أن نعرف ما هو تعریف اللذة و الشهوة؟ ثم نری ما هی العلاقة بین هذین الاثنین؟ و فی هذه الحالة و مع ملاحظة الأحکام الشرعیة المختلفة فی الموضوع، یمکننا أن ندرس بشکل منطقی انه هل یمکن وضع قاعدة یمکننا عن طریقها أن نصل الی نتیجة فی الموارد التی یصعب تشخیص کونها فی أی من القسمین؟
1. التعریف:
ورد فی تعریف اللذة: أن اللّذة عبارة عن ادراک ما یلائم الطبع، فی قبال الألم الذی هو عبارة عن ادراک ما ینافر طبع الإنسان.
یقول شهاب الدین السهروردی فی تعریف اللذة: اللذة عبارة عن الشعور (ادراک) بالکمال الحاصل من حیث إنه کمال و إنه حاصل للشخص. و بناء علی هذا فکل لذّة للملتذّ بمقدار الکمال الحاصل له و إدراکه لکمال نفسه ... .
و تنقسم اللذة و الألم علی أساس قوة المدرک الی أربعة أقسام:
1. العقلیة 2. الوهمیّة 3. الحسّیة 4. الخیالیّة
و تنقسم اللذة و الألم من حیثیة اخری الی نوعین:
1. الجسمانیة 2. الروحانیة.[1]
تعریف الشهوة: الشهوة لغة بمعنی الرغبة و المیل و الإرادة و خصوصاً الرغبات النفسیة. و قد وردت هذه الکلمة بهذه المعانی و مشتقّاتها 13 مرة فی القرآن.[2]
ورد فی سورة آل عمران فی الآیة 14 قوله تعالی: "زیّن للناس حب الشهوات من النساء و البنین و القناطیر المقنطرة من الذهب و الفضة و الخیل المسوّمة و الأنعام و الحرث ذلک متاع الحیاة الدنیا و الله عنده حسن المآب".[3]
و الشهوة فی الاصطلاح الأخلاقی و العرفانی تطلق علی المیل المفرط، و قد قسّمها القدماء الی ثلاثة أقسام رئیسیّة:
1. شهوة الأکل 2 شهوة الکلام 3. شهوة النظر و قد جعلوا الشهوة الجنسیة فی ضمن شهوة النظر.[4]
2. العلاقة المنطقیّة:
بناء علی ان تعریف اللذة هو عبارة عن: ادراک ما یتلاءم مع طبع الإنسان؛ فإذا کانت الشهوة عبارة عن الرغبة و المیل المفرط الی امور نفسیة، نستنتج ان موضوع اللذة ینطبق تارة مع موضوع الشهوة و اخری لا ینطبق. و من ناحیة اخری ان افراد الشهوة إذا لاحظناها نراها تنطبق جمیعاً مع مصادیق اللذة.
و بناء علی هذا فإنه یصدق علی جمیع الأقسام التی تقع تحت الشهوة، إنها لذة أیضاً، و لکن لا یصدق علی جمیع أقسام اللذة أنها شهوة.[5]
3. بیان الحکم الشرعی لمصادیقها:
و لنلاحظ الآن ما هو حکم مصادیق اللذات و مصادیق الشهوات فی الإسلام؟
اما الشهوات و من أبرز مواردها الشهوة الجنسیة، فنجد أن تلبیة الشهوات لیس حراماً بشکل مطلق، بل هی فی کثیر من الموارد لا اشکال فیها أو راجحة. و کمثال علی ذلک نری القرآن الکریم حین یذکر صفات المؤمنین یذکر حدود الشهوات الجنسیة و یقول:(و الذین هم لفروجهم حافظون الا علی أزواجهم أو ما ملکت أیمانهم فإنهم غیر ملومین فمن ابتغی وراء ذلک فاولئک هم العادون).[6]
فهذه الآیات الشریفة قد بیّنت أولاً الموارد الجائزة من الاستمتاع الجنسی للرجل و المرأة و منعت من غیرها و هی التی تضرّ بالفرد و المجتمع.[7]
و یقول فی موضع آخر حول موارد الجواز:(نساؤکم حرث لکم فأتوا حرثکم أنّی شئتم ...)[8]
و تدل هذه الآیة علی عدم وجود اشکال فی تلبیة الشهوة الجنسیة فی هذه الموارد.
اما فی ما یتعلّق باللذة فنلاحظ أنها لیست جائرة بشکل مطلق، فمثلاً نظر الرجل الی مناطق من وجه و ید المرأة الأجنبیة و التی لم یؤمر بسترها، إذا کان بلذة فلا یجوز.[9]
و ینبغی التذکیر مجدّدا بأن هذا الکلام مبنی علی الفرق بین اللذة و الشهوة کما مرّ فی تعریفهما.
النتیجة: و الآن و بعد ملاحظة النتیجتین الحاصلتین من البیان الثالث، أی:
1. أن بعض الشهوات لیست محرمة.
2. بعض اللذات لیست حلالاً، و بملاحظة ما تقدّم من امور مذکورة فی العنوانین السابقین أی (التعریف) و (العلاقة المنطقیة)، لا یمکننا أن نصل الی ملاک واحد فی جمیع أقسام هذین الأمرین الکلیین، و هو الملاک الذی یدل علی أن اللذات حلال و الشهوات حرام، بل یجب التوصل الی نتیجة و إطار صحیح للمجامیع الأصغر التی تقع تحت هذه المجموعة الکبیرة عن طریق الرجوع الی الآیات و الروایات. و بناء علی هذا فالمناسب توجیه البحث الی مصادیق أحد اللذات و الشهوات، و نجعل المثال فی الامور الجنسیة حیث إن لذهننا أنساً فی اطلاق الشهوة علی الامور الجنسیة، فإذا اطلقت کلمة شهوة عادة من دون قرینة خاصة تکون بمعنی الرغبة الجنسیة. و یمکننا الحصول علی مثل هذا التقسیم فی المواضیع و المصادیق الجنسیة بمراجعة المصادر الشرعیة: 1.موارد الجواز القطعی 2. موارد الحرمة القطعیة 3. الجواز و الحرمة المشروطة.
الجواز القطعی:
کما ذکرنا فی ذیل عنوان (بیان الحکم الشرعی لمصادیقها) فإن کل الاستمتاعات الجنسیة فی الموارد التی ذکرت فی القرآن و الروایات جائزة.
الحرمة القطعیة:
و یستفاد من نفس تلک المصادر ان الاستمتاع بالموضوعات الخارجة من الدائرة التی حدددها الشرع یعتبر تعدّیاً و هو لا یجوز. و هذا التعدّی یمکن أن یکون استمتاعاً بمستوی اللذة أو بالمستوی الذی یطلق علیه الشهوة بمعنی المیل المفرط، و کمثال علی ذلک فإن النظر الی جزء من بدن المرأة الأجنبیة و الذی یجب ستره علیها، لا یجوز للرجل سواء کان من مصادیق اللذة أو الشهوة.[10]
الجواز و الحرمة المشروطة:
ربّما نواجه فی الخارج مصداقاً و مورداً لم یرد فی الشرع أمر بتحریمه، و یکون ذلک المصداق بحیث یمکن جعله فی ضمن افراد اللذة بمعناها العام أی الأعم من اللذة الجنسیة، و یمکن أیضاً جعله ضمن افراد اللذة أو الشهوة الجنسیة إذا نظر الیه نظراً جنسیاً فیکون تابعاً للاستمتاع الجنسی خارج دائرة الجواز الشرعی، و کمثال علی ذلک فإن النظر الی صغار السن فی أکثر الأحیان و لأکثر الأشخاص لا یحدث تأثیراً خاصاً و لکن لیس معنی ذلک إنه لا یؤثر، فقد یمکن أن یلتذّ بسلوک شخص صغیر یتمیّز بالبساطة و السذاجة الطفولیة و بوجهه الطفولی الجمیل، ان احساس اللذّة و البهجة هذا ناشئ من إدراک کمال یرتبط بالطهارة و الصدق و لطافة الروح و الجسم و هو لیس ممنوعاً و غیر مرضی لدی العقل و الشرع، و لکن إذا کان هناک شخص -و لعلّة فیه- ینتقل من هذه الصورة الی تصوّر جنسی فیکون ذلک مثیرا جنسیّاً بالنسبة له، فإن هذا الاستمتاع الجنسی عن طریق النظر لا یجوز له.
و ما ذکرناه من امور هو من أجل توضیح الجوانب المختلفة للبحث. و هناک تفریعات أخری ترتبط باللذّة و نوعها و حکمها، و حیث إن السؤال قد طرح بشکل عام فلا نتعرّض الی التفصیلات الاخری.
[1] السجادی، السید جعفر، قاموس المعارف الإسلامیة، ج 3، ص 1634، الطبعة الرابعة، منشورات کومش، بتصرف.
[2] لاحظ: دائرة معارف التشیع، ج 10، ص 143.
[3] آل عمران، 14.
[4] السجادی، السید جعفر، قاموس المعارف الإسلامیة، ج 2، ص 1078، الطبعة الرابعة، منشورات کومش.
[5] و تسمی هذه النسبة فی اصطلاح المنطق بالعموم و الخصوص المطلق (و إذا عرفنا الشهوة بأنها مطلق الرغبة و المیل فسوف تختلف هذه النسبة).
[6] المؤمنون، 5-7؛ المعارج، 29-31.
[7] لمزید من الدراسة حول الضرر الفردی و الاجتماعی للذنوب الجنسیة یراجع: المیزان، ج 13، ص 86، ذیل الآیة 32 من سورة الاسراء.
[8] البقرة، 223.
[9] توضیح المسائل للمراجع، ج 2، ص 485، أحکام النظر.
[10] نفس المصدر.