القوانین و الأحکام الموضوعة للناس من قبل الله سبحانه تنسجم و تتطابق مع النظام التکوینی و الحقائق الموجودة فی عالم الوجود و طبیعة وجود الإنسان.
و حیث ان طبیعة وجود المرأة الجسمیة و الروحیة تختلف عنها فی الرجل لذلک اختلفت الوظائف و التکالیف المناطة بکل واحد منهما عن الآخر، و من هذه التکالیف أداء الشهادة بین یدی القاضی التی ینبغی أن تکون مطابقة للواقع بعیداً عن کل العواطف و الأحاسیس و العوامل غیر الواقعیة حتى لا یضیع حق أحد. و لذلک السبب فإن شهادة المرأة لا تقبل فی بعض الموارد من الأساس، و تارة لاتقبل شهادة الرجل من الاساس، و فی حالة ثالثة تکون شهادة امرأتین بدلاً من شهادة رجل واحد و... إضافة إلى ذلک لابد من التوجه إلى أن أداء الشهادة تکلیف و مسؤولیة و لیس حقاً من الحقوق، فإذا أردت شهادة أحد فی المحکمة أو قبلت بدرجة أقل فمعنى ذلک أن مسؤولیته أقل و تکلیفه أخف، و لیس فی ذلک تضییع لحقه إطلاقاً. و قد یحاول البعض اثارة القضیة من زاویة اخرى حیث یصور للآخرین ان التفاوت فی الشهادة یاتی من باب الفکر الذکوری فی الاسلام و من باب النظرة الدونیة و الاحتقار للمرأة! الا ان هذا الکلام لا اساس له من الواقعیة لان النظرة التکریمیة للمرأة فی الاسلام واضحة جداً و فی اکثر من مکان بالاضافة الى ان الاختلاف فی التکلیف لایدل على التفاضل بحال من الاحوال لانه فی کثیر من الاحیان- کما ذکرنا- تکلف المرأة بامور لایکلف بها الرجل فهل یکشف ذلک عن التفاضل.
إن التوجه إلى بعض النقاط یساعدنا على التوصل إلى الحقیقة، منها:
1. فی الکثیر من الحقوق و القوانین لدى الإسلام نجد الفروق العدیدة بین الرجل و المرأة، فمثلاً إذا ارتد الرجل فحکمه القتل مع ملاحظة بعض الشروط فی حین لا یحکم على المرأة بالقتل حال ارتدادها، أو ما نلاحظه من تکلیف الرجل من قبل الإسلام ببعض الواجبات التی لم یکلف بها المرأة أو یکلف المرأة ببعض التکالیف و الواجبات و لم یکلف الرجل بها، و العلة فی هذا الاختلاف ترجع إلى الاختلاف فی الخلق ما بین الرجل و المرأة، لأن روحیة الرجل و المرأة و أخلاقیاتهما لیسا على حدٍ سواء، و لذلک ما یطلبه الخالق سبحانه من الرجل غیر ما یطلبه من المرأة، لقد خلق الله المرأة لهدف معین و خلق الرجل لهدفٍ آخر و وظیفة أخرى، و مع أن الاثنین من جنسٍ واحد إلا أنهما لیسا متساویین بتمام التساوی، و لذلک فالعدالة تقتضی أن لا یتساوى تکلیف الاثنین و لا تتحد وظائفهما، لأن التساوی هنا خلاف العدالة الإلهیة.
2. إن الحضور بین یدی القاضی و الإدلاء بالشهادة لا یعتبر امتیازاً فی نظر الإسلام، و إنما هو وظیفة و تکلیف و مسؤولیة، و من أجل أن لا تضیع حقوق الآخرین، فإن الإسلام جعل هذا التکلیف بعهدة أناس لهم شهود و حضور و اطلاع على الحوادث و الوقائع فیدلون بشهادتهم حال الاختلاف، فیبینون الواقع کما رأوه أمام القاضی، و من هنا حرّم القرآن کتمان الشهادة.[1]
و علیه فإذا لم تقبل شهادة شخصٍ فی المحکمة أو تقبل بدرجة أقل فمعنى ذلک أنه مخفف علیه من أعباء المسؤولیة، لا انها تضییع لحقوقه.
3. من المسلم أن التکلیف بأداء الشهادة له ارتباط مباشر بخلق المرأة و الرجل و خصائصهما الروحیة و النفسیة و مع ذلک لا علاقة له بنقص أحدهما و کمال الآخر، و ذلک لأننا نجد فی بعض الموارد الخاصة بالنساء لا تقبل فیها شهادة الرجال، لأن الرجل لا یمکن أن یکون شاهداً فی مثل هذه الموارد من الأساس، کما أن النساء تعفى من الشهادة فی بعض الموارد و ینحصر أداؤها بالرجال فقط، و فی بعض الموارد تقبل شهادة المرأة على أنها نصف شهادة الرجل.
و أن جمیع هذه الأحکام و التشریعات مردها إلى الحکمة و انسجام القوانین التشریعیة[2] مع قوانین الخلقة و التکوین[3]، و أما إذا قیل بأنها لا تطابق نظام التکوین فمعنى ذلک أنها فاقدة لأی قیمة، لأن قیمة نظام التشریع تکمن فی انطباقه و انسجامه مع وعاء وجود الموجود و استعداده وفقاً لنظام التکوین.
و توضیح ذلک کالآتی:
1. من جهة الأعضاء و الجوارح: هناک اختلاف بین جنسی الرجل و المرأة بلحاظ الأعضاء و الجوارح، سواء کان على مستوى الأعضاء التناسلیة أم غیرها. فالاختلافات کثیرة و عدیدة بین الرجل و المرأة. منها: کثافة الشعر فی مناطق الجسم، الدهون الموجودة تحت الجلد، الدقة و السمک بالنسبة للجلد، شکل العظام و حجمها و ضخامتها، مقدار المواد فی نخاع العظم، حجم العضلات و قوتها، الشکل الهندسی و الحجم و الوزن بالنسبة إلى الدماغ، وزن القلب و عدد نبضاته، ضغط الدم، حرارة الجسم، میزان و عدد التنفس فی الدقیقة، الاهتزازات الصوتیة، ما یترشح من البدن، میزان الکریات البیض و الحمر فی الدم، حجم الرئة، نمو الجسم لدى الجنسین و غیر ذلک من الفروقات الجسمیة التی تصل إلى أدق التفاصیل.[4]
2. الاختلاف بلحاظ المشاعر و الأحاسیس و العواطف، و المیول و الأخلاق: طبقاً لما یراه علماء النفس فإن للمرأة الکثیر من الخصائص التی تمیزها عن الرجل. منها: الحب، سرعة الانفعال، التهاب العواطف و المشاعر و الرغبة فی الحمایة، و فی مقابل ذلک للرجل ما یمیزه أیضاً: الاستقلال، الرقابة، السلطة، و الحاکمیة و الخشونة.[5]
و کما قیل: من خصائص المرأة القلب الملیء بالحب و العاطفة و التهاب المشاعر، حب المظهر، الجاذبیة، التجمل، التعلق باللباس و التجمل و کل ما یرتبط بالجمال و الزین.[6]
کما أن المرأة متقدمة على الرجل فی أمورٍ منها: التقلید، المیل إلى التجمل، و فی الضحک و البکاء.[7]
و لأن النساء یتمتعن بقدر کبیر من العاطفة و قوة الأحاسیس، فإنهن أکثر تأثراً لدى مشاهدة المواقف الحساسة و العاطفیة و أسرع إلى هیجان المشاعر و التهابها.[8]
و فی الوقت الذی نجد کل هذه الفروقات و الاختلافات فی عالم التکوین، فلابد من أخذ الحیطة و الحذر فی عالم التشریع فیما یتعلق بحقوق الناس على الأقل، حتى لا تضیع حقوق الناس بسبب الشهادة، و فی هذا الإطار یمکن تصور ثلاث صور:
أ. إذا کانت العاطفة هی الغالبة على المرأة و السرعة و الانفعال و التأثر التی تسبب فی النسیان و عدم الدقة فی بعض الأمور الانفعالیة، و کما قیل أن النساء أسرع إلى الوثوق و الاطمئنان فی بعض المسائل و أقرب إلى التصدیق و أسهل فی تلقی التأثیر و التأثر. من هنا تکون شهادة النساء فاقدة للقیمة حتی لا تضیع الحقوق عن طریق تلک الشهادة. نعم فی بعض الموارد قد تضیع الحقوق کما لو انحصرت الشهادة بالنساء فقط، من هنا یجب قبول شهادتهن.
ب. أن نقول أن شهادة المرأة مساویة لشهادة الرجل تماماً و فی جمیع الموارد. هذا مما یضعف الثقة بالقضاء و أحکامه إذا لاحظنا الخصائص التی تقدم ذکرها بالنسبة إلى المرأة، و ذلک لون من ألوان ضیاع حقوق الآخرین.
ج. طریق الحل المعتدل: أن الله تعالى خلق الإنسان و هو أعلم بأسراره الخفیة، و لذلک قال فی الأمور المتعلقة بحقوق الناس (لا بحق الله)، إن شهادة النساء لها قیمة و اعتبار، و لکن إحکام الأمر و ضبطه یقتضی وجود شاهدین من النساء فی المورد الذی یلزم فیه شهادة رجل واحد، و أربعة شهود من النساء فی المورد الذی یلزم فیه شاهدان من الرجال ضمن شروط و ضوابط معینة.
و طریق الحل الثالث هو عین العدل و یطابق نظام التکوین، و لذلک تبناه الإسلام و أقره.
[1] البقرة، 283.
[2] نظام التشریع: القوانین المرتبطة بمیدان عمل الإنسان الاختیاری.
[3] نظام التکوین یعنی القوانین التی فرضت على الإنسان ضمن قوانین الخلق و لا علاقة لها فی ساحة اختیاره، و فی هذا المیدان عین لکل من الجنسین الذکر و الأنثى ما یتناسب مع طبیعة تکوینه من التکالیف و الوظائف، بکیفیة لا یمکن لأحدٍ أن یرفضها أو ینکرها.
[4] باک نجاد، السید رضا، أول جامعة و آخر نبی، ج 19، ص280 ـ 293.
[5] علم نفس الرشد، الجزء الأول، ص330، انتشارات سمت.
[6]باک نجاد، السید رضا، المصدر نفسه، ص 281.
[7] المصدر نفسه، ص 295.
[8] کتاب النقد، ش12، ص 59.