الصدقة المستحبة فی الإسلام یجب أن تکون لله، و من دون منّة علی الفقیر و بلا ریاء و تعطی للفقیر الذی لا ینفقها علی المعاصی، و أقارب الشخص أولی بها و الأفضل أن تکون سرّاً. و هذه الصدقة یجب أن تکون من المال الطاهر و الحلال و مقدار ها یعتمد علی قدرة الشخص و إمکانیته، بحیث لا یکون فیها إفراط و تفریط، أی أن لا یحصل تقصیر فی دفع الصدقة و لا أن یتصدّق الإنسان بکل ملکیته بحیث یصیر هو محتاجاً. و الحد الأدنی فی الصدقة یتوقف علی استطاعة الشخص حتی انه ورد فی الروایات: "تصدّقوا و لو بجرعة من الماء".
مقدمة: ورد التأکید فی الشرع الإسلامی المقدّس حول قیمة التصدّق و أهمیته و قد ذکرت آیات القرآن و الروایات کیفیة الصدقة و أهمیتها.
و فی الإسلام نوعان من الصدقة: أحدهما الصدقة الواجبة و هی الزکاة، و قد ذکر فی آیات القرآن و الروایات مقدارها و مصرفها و مستحقیها.[1] و نتعرض هنا لأجل الاختصار إلی مورد السؤال فقط و هو الصدقة المستحبّة:
الف: أهمیة الصدقة:
الأخبار و الروایات الواردة فی فضل الصدقة کثیرة، و ذکر فیها فوائد کثیرة لذلک، مثل أن الصدقة تسبّب زیادة الرزق و شفاء الأمراض و البعد عن نار جهنم و دفع سبعین بلاء و مصیبة فی الدنیا، و تطیل العمر و ... .[2]
ب: کیفیة إعطاء الصدقة:
قد امتدح الله تعالی التصدّق، و لکنه لا یقبل نوعین من التصدّق، أحدهما التصدّق الریائی الذی یقع باطلاً من أساسه، و الآخر الصدقة التی یزول ثوابها و قیمتها بعد فعلها بسبب المنّ و الاذی. و بطلان هذین القسمین من الصدقة هو بسبب أنها لم تکن لأجل رضا الله، أو کانت لأجل رضا الله و لکن الشخص لم یستطع الإبقاء علی خلوص نیّته فأبطلها بالمنة و الأذی.[3]
و الأمر الآخر فی کیفیة التصدق و کونها مخفیة.
یذکر الله فی القرآن قسمین من التصدّق أحدهما الصدقة العلنیة و الآخر السرّیة و قد امتدح کلیهما، لأن لکل منهم آثاراً و نتائج، فأمّا صدقة العلن فهی ترغیب و دعوة عملیة للناس الی العمل الصالح و سبب لطمأنة الفقراء و المساکین حیث یرون الناس الرحماء یعطفون علیهم و یجعلون لهم أموالاً لرفع حوائجهم لکی تکون ذخراً لهم فی یوم القیامة الذی هو یوم الشدّة. و یؤدی هذا العمل الی إبعاد روح الیأس و القنوط عن الفقراء و یعید إلیهم الأمل و الحیویّة و یشعرون أن الغنی حینما یتجر و یتکسّب فلیس ذلک لأجل منافعه الشخصیة، و هذا الأمر بنفسه له آثاره الطیّبة الکثیرة.
و اما آثار صدقة السر فهی إنها تبعد الإنسان عن الریاء، و تبقی به شخصیة الفقیر مصانة و لا یشعر الفقیر بالمهانة و الذلة. إذن فیمکن القول أن لصدقة العلن نتائج أکثر و صدقة السر أطهر و أکثر خلوصاً. و حیث إن أساس الدین هو الإخلاص فکلما کان العمل أکثر خلوصاً کانت فضیلته أکبر. و لهذا السبب فقد رجّح الله سبحانه صدقة السرّ علی صدقة العلن و قال "و إن تخفوها و تؤتوها الفقراء فهو خیر لکم"[4] و قد روی عن الإمام الصادق(ع) قوله "کل ما فرض الله علیک فإعلانه أفضل من اسراره و ما کان تطوعا فاسراره أفضل من إعلانه".[5]
و یجب علی الإنسان مراعاة الاعتدال فی التصدّق، بأن لا یکون بخیلاً فی إعطاء الصدقة و لا أن یتصدق بشکل یوقع نفسه فی الضیق.[6]
ج: متعلّق الصدقة:
أی ما هی الأشیاء التی یتصدّق بها، و حول هذا الموضوع تقول آیات القرآن و الروایات:
"تصدّقوا بالطیّبات، أی الأموال النظیفة و المحلّلة التی یحصل علیها الإنسان من طریق الحلال، ثم السعی لعدم التصدّق بالأشیاء المستهلکة و التی لا قیمة لها، لأن الغایة من الصدقة هی الحصول علی رضا الله، فأحد طرفیها الفقراء و المساکین و الطرف الآخر هو الله، و إذا لم یراع المؤمنون هذه الامور فإن ذلک یعتبر إهانة فی حق الله و تحقیراً للفقراء و المساکین أیضاً.[7]
د: لمن نعطی الصدقة:
کان عمر بن الجموح شیخاً کبیراً ثریّاً، فسأل النبی(ص) یوماً قائلاً: "بماذا اتصدّق و لمن؟ فنزلت الآیة: "یسئلونک ماذا ینفقون قل ما انفقتم من خیر فللوالدین و الأقربین و الیتامی و المساکین و ابن السبیل ...".[8]
و من المسلّم إن ذکر هذه الموارد هو لأجل بیان المصادیق الواضحة و الا فالأمر لا ینحصر بذلک، بل أن للأشیاء التی یمکن الإنفاق منها و کذلک الأشخاص الذین ینفق علیهم دائرة وسیعة.
و بناء علی هذا فمع سعة دائرة موارد الإنفاق فإن الاولویّات قد ذکرت أیضاً. و من المسلّم أن الأب و الام ثم الأقارب الفقراء لهم الأولویّة فی هذا الأمر، و من بعدهم الیتامی ثم المحتاجون و حتی الذین هم لیسوا فقراء ذاتاً و لکنهم صاروا کذلک علی أثر حادثة –کنفاد النفقة فی السفر- فإنهم مشمولون بذلک.[9]
و بناء علی هذا فإن الحد الأدی للصدقة متوقّف علی استطاعة الشخص، حتی أنه قد ورد فی بعض الروایات التصدّق و لو بجرعة من الماء.[10]
النتیجة:
طبقاً للآیات و الروایات فإن التصدّق أمر ذو قیمة عظیمة، و لکن الشخص المتصدّق یجب أن یقوم بهذا العمل لأجل رضا الله و أن یحذر من إبطاله بالمنّ و الأذی للفقیر. و مقداره هو ما یستطیعه الشخص بحسب حاله. و أن یجعل الأولویة فی دفعه الی أقاربه.
[1] التوبة، 60.
[2] الشیخ حر العاملی، وسائل الشیعة، ج6، ص257، مؤسسة آل البیت، قم 1409 ق.
[3] الطباطبائی، السید محمد حسین، المیزان، ج2، ص 391، جامعة المدرسین، قم 1374 ش.
[4] نفس المصدر، ج2، ص 397.
[5] الکلینی، الفروع من الکافی، ج1، ص 7، دار الکتب الإسلامیة، طهران 1365 ش.
[6] مکارم الشیرازی، ناصر، تفسیر الأمثل، ج2، ص 123 ، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1374 ش.
[7] داور پناه، ابوالفضل، أنوار العرفان فی تفسیر القرآن، ج4، ص500، منشورات صدرا، طهران 1375 ش.
[8] البقرة، 215.
[9] تفسیر الأمثل، ج2، ص 98.
[10] الطیب، السید عبد الحسین، تفسیر اطیب البیان، ج1، ص 230، منشورات اسلام، طهران 1378 ش.