تعتبر ولایة الفقیه فی عصر الغیبة امتداداً لولایة النبی الأکرم(ص) و الأئمة الأطهار (ع)، و الولی الفقیه باعتباره قائد و زعیم المجتمع الإسلامی و یملک تلک الصلاحیات فیمکنه انطلاقا من تلک الصلاحیات اقامة الحکومة الاسلامیة.
و بعبارة أخرى: إن ولایة الفقیه ناشئة من ولایة النبی(ص) و أئمة الهدى(ع)، و إن الفقیه مأمور بتشکیل الحکومة الإسلامیة و تولی إدارتها بهذه الصلاحیات.
و طبقاً لرأی الإمام الخمینی(ره) فإن الرسول الأکرم(ص) و الأئمة المعصومین (ع)، لهم ولایة تکوینیة لما یتمتعون به من مراتب معنویة سامیة و کمالات عالیة خاصة بهم، و لذلک فإن مراتبهم المعنویة أعلى و أفضل من جمیع موجودات عالم الوجود، و حتى الملائکة. و عند ما نقول أن ولایة الفقیه هی ولایة النبی(ص) و الأئمة المعصومین(ع) لا ینبغی أن نقع فی توهم أن مرتبة الولی الفقیه ترقى إلى مرتبة النبی(ص) و الأئمة المعصومین (ع).
و أما إذا کان الولی الفقیه یتمتع بالکمالات المعنویة و الإنسانیة العالیة فسوف تکون له نوع ولایة تکوینیة إضافة لما له من ولایة تشریعیة و یکون مصداقاً للإنسان الکامل الذی یفضّل على الملائکة.
قبل الشروع فی بیان مسألة التفاضل بین الولی الفقیه و الملائکة فلا بد من التوجه إلى بعض الأمور کتعریف ولایة الفقیه، و محلها، و صلاحیاتها و أدلة إثباتها.
فی الرؤیة الإسلامیة یکون حق الحاکمیة منحصراً بالله تعالى «إِنِ الْحُکْمُ إِلا لِلَّهِ»[1]. و یرد هذا المضمون فی آیات أخرى.
و الحکم هنا له معنى واسع یشمل الحکومة، و القضاء و الفصل بین الناس[2]. عند ما نذعن إن الله هو خالق هذا العالم دون شریک، فلا بد أن نقبل أنه مالکه الحقیقی دون منازع، و أن الحاکمیة فی هذا العالم ـ و قبل کل شیء ـ هی لله وحده.
و على هذا الأساس جمیع الحاکمیات یجب أن تنتهی إلیه و تستقى أحکامها منه، و کل من یجلس على سریر الحکم من دون إذنه یعد غاصباً متجاوزاً. و لهذا فإن أنبیاء الله و النبی الخاتم(ص) هم الحکام الأصلیون من جانب الله، و أما بعد الرسول الخاتم(ص) فحق الحکومة یکون لمن یعینه الرسول بواسطة أو من دون واسطة، و على أساس هذه الرؤیا فإن حق الحکومة فی عصر غیبة الإمام المهدی(عج) لمن ینصبه الإمام بشکل خاص أو بصورة عامة لتولی هذه المسؤولیة[3]. و بناءً على هذا فالشیعة یرون أن ولایة الفقیه فی عصر الغیبة هی امتداد لولایة الأئمة المعصومین (ع)، کما أن ولایة الأئمة هی امتداد لولایة النبی الأکرم(ص)).
و نتیجة ذلک الاعتقاد بأن من یترأس المجتمع الإسلامی و یتولى إدارة شؤونه لا بد و أن یکون خبیراً بالإسلام و أحکامه و تعالیمه، فإذا کان المعصوم موجوداً فالأمر إلیه، و إن لم یکن موجوداً یأتی دور الفقهاء فی تولی هذه المسؤولیة و النهوض بأعبائها[4].
و من أجل الوصول إلى نتیجة مهمة، من اللازم أن نعرف أن الولایة بمفهوم التصرف و الحاکمیة على الأشخاص أو أعمالهم تقسم إلى ولایة تکوینیة و ولایة تشریعیة.
الولایة التکوینیة: تعنی القدرة على التصرف فی عالم الکون و نظام الطبیعة، و الولایة التشریعیة تعنی القدرة على وضع القوانین و إصدار الأوامر، و تشریع الأحکام، و إضافة إلى بیان الأحکام الإلهیة و الإرشاد یترتب علیها وجوب الإطاعة للأوامر الحکومیة و الاجتماعیة.
و بالنسبة إلى الرسول الأکرم(ص) أو أکثر الأنبیاء و الرسل (ع) و الأئمة (ع) فإنهم یتمتعون بمرتبة من الولایة التکوینیة، حیث یطلق على أعمالهم اسم المعجزة، و تتناسب هذه الولایة مع مراتب وجودهم و تکاملهم. و الولایة التشریعیة لها مراتب مختلفة أیضاً، و أن المرتبة الکاملة منحصرة بالذات الإلهیة المقدسة، کما أن هذه الحالة مسلمة و ثابتة لله بالنسبة إلى الولایة التکوینیة.
و الولایة التشریعیة ثابتة و واضحة بالنسبة إلى بعض الأنبیاء (ع) و النبی الأکرم(ص) و أئمة الهدى (ع)، و فی زمان الغیبة للفقیه العادل العارف بالحوادث، البصیر بالمشکلات فی زمانه، القادر على حلها و البت فیها[5].
و رأی الإمام الخمینی(ره) بالنسبة لأفضلیة مرتبة ولی الأمر و الحاکم الإسلامی على الملائکة کالتالی: (.. إن الإمام المعصوم(ع) له مراتب و مقامات معنویة خارج إطار وظیفته کحاکم، و هذه المرتبة هی الخلافة الإلهیة الکلیة، و هذا ما یذکر فی بعض الأحیان على لسان الأئمة (ع) و هذه الخلافة تکوینیة تخضع بموجبها جمیع ذرات الکون مقابل ولی الأمر.
و من ضروریات مذهبنا القول بأن المراتب المعنویة للأئمة(ع) لا یرقى إلیها أحد، لا ملک مقرب و لا نبی مرسل..)[6].
و لکن محور بحثنا عن الولایة التشریعیة، و باعتقاد الشیعة فإن ولایة الفقیه من صنف ولایة النبی(ص) و الإمام(ع)، کما جاء فی القرآن الکریم: «النَّبِیُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِینَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ»[7].
أی أن إرادة النبی(ص) مقدمة على إرادة کل إنسان، و کذلک الأمر بالنسبة إلى الأئمة (ع). لأن رسول الله(ص) له ولایة مطلقة، و کذلک الولی الفقیه فی الأمور المتعلقة بالحکومة و السیاسة، فإنه یمتلک الصلاحیات الکاملة کالنبی(ص) و الإمام(ع). کما یقول الإمام(ره) بخصوص صلاحیات الولی الفقیه: إنّ توهم کون صلاحیات النبی(ص) فی دائرة الحکم أکثر من صلاحیات الإمام علی(ع) و أن صلاحیات الإمام(ع) فی دائرة الحکم أکثر من صلاحیات الولی الفقیه توهم باطل و خاطئ. و من الطبیعی أن فضائل الرسول(ص) تفوق الجمیع على الإطلاق، و أن فضائل الإمام علی(ع) من بعد تفوق الجمیع، و لکن المراتب المعنویة و الفضائل لا تزید فی الصلاحیات بالنسبة إلى الحکم و الإدارة...)[8].
و یستمر الإمام فی کلامه لیقطع الطریق على التوهم و الشبهة المبتنیة على تساوی شأن و مقام الولی الفقیه مع شأن المعصومین و مراتبهم فیقول: عند ما نقول ان الولایة التی یتمتع بها النبی الأکرم(ص) و أئمة الهدى(ع) تکون للولی الفقیه العادل بعد الغیبة فلا ینبغی لأحد أن یتوهم بأن مرتبة الفقهاء و مقامهم یرتقی إلى مقام الأئمة(ع) أو الرسول الأکرم(ص)، فالکلام هنا غیر ناظر إلى المرتبة و المنزلة، و إنما ینحصر فی دائرة الوظیفة. و الولایة تعنی الحکومة و إدارة البلاد، و إجراء قوانین الشرع المقدس، و هی وظیفة ثقیلة و مهمة، و لکنها لا تضفی على الشخص مقاماً و مرتبة غیر عادیة أو أنها ترفع مکانته عن مرتبة الإنسان العادی...)[9].
و من الممکن أن یکون للحاکم الإسلامی وجوب الطاعة على جمیع الناس و ذلک بدلیل امتلاکه لمزیتین أساسیتین هما العلم و العمل فینتخب للولایة على المؤمنین، و یتولى إدارة الحکومة الدینیة و من هنا فإن نظر الإمام(ره): بما أن ولایة الفقیه تشکل امتداداً لولایة الرسول الأکرم(ص) فیلزم على جمیع الناس أن یمتثلوا أمره و یذعنوا لطاعته[10].
و لکن هذا الأمر لا یدل على أن شأن الفقیه و منزلته کمنزلة الرسول(ص) و الأئمة (ع) الذی یفوق مرتبة الملائکة فی الفضل. إلا إذا کان الولی الفقیه و الحاکم الإسلامی یتصف بالعبودیة الخالصة، و اکتساب صفاء الباطن و نقاء الروح، و الارتقاء إلى الکمالات المعنویة و الإنسانیة لیکون مصداقاً للإنسان الکامل و فی هذه الحالة یکون مقامه بحسب ما ورد فی القرآن الکریم: "إن الإنسان له قیمة أعلى من کل موجودات عالم الخلق، و أنه خلیفة الله فی أرضه، و قد سجد له الملائکة فی السماء، و أن جمیع ما فی السموات و الأرض مسخر له، و قد اعترف الجمیع و طأطئوا الرؤوس و أذعنوا له[11]، هذا من جانب و من جانب آخر فإن الإنسان بما أعطی من إمکانات و استعدادات یستطیع أن یباری الملائکة فی مضمار السباق و یتفوق علیهم، و یرتقی بمنزلته إلى مراتب أفضل من خلال حسن العمل و الإخلاص و اختیار طریق الخیر و الترقی حتى یصل إلى مکان عبر عنه الشاعر بقوله:
لم تتمکن السماء من حمل الأمانة
و لکن الفأل جعلها من نصیبی أنا المجنون[12].
بعبارة اخری ان الله تعالی اودع فی االانسان جوهرة بحیث اصیح یمثل رأس المخلوقات فکان مسجودا للملائکة،[13] و هذه الجوهرة هی جوهرة الخلافة، فإن الإنسان بإمکانه أن یتقدم على الملائکة و ذلک من خلال الاختیار الصحیح، و اتباع أحکام الإسلام و تعالیمه النورانیة و العمل بها.
کما أن الإنسان لیس بأدنى من الحیوانات ذاتاً، و لکنه عند ما یتبع أهواءه و میوله النفسیة ینحط إلى أدنى من رتبة الحیوانات، «أُولَئِکَ کَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِکَ هُمُ الْغَافِلُونَ»[14].
و نتیجة القول: إن الإنسان یمکنه أن یرتقی الی مرتبة یکون فیها افضل من الملائکة حتی المقربین منهم و هذه الأفضلیة اکتسابیة[15].
و إن الولی الفقیه و الحاکم الإسلامی غیر مستثنى من هذا الأمر.
تذکیر: للإطلاع الأکثر یمکن الرجوع إلى المصادر التالیة:
1. ولایة الفقیه (الحکومة الإسلامیة)، الإمام الخمینی، مؤسسة تنظیم و نشر آثار الإمام الخمینی.
2. الولایة و الدیانة، هادوی الطهرانی، مهدی، منشورات خانه خرد (دار العقل)، قم.
3. رسالة القرآن، مکارم الشیرازی، المجلد العاشر.
4. أجوبة على الشبهات حول ولایة الفقیه، الشیرازی ،علی.
[1]. الأنعام،57؛ یوسف، 40 و 67.
[2]. المعین، ص 400، مجلد واحد.
[3]. مکارم الشیرازی، رسالة القرآن، المجلد العاشر، ص 53 و 54.
[4]. هادوی الطهرانی، مهدی، الولایة و الدیانة، ص 64و 63.
[5]. الشیرازی، علی، أجوبة الشبهات على ولایة الفقیه،ص 9 و 10.
[6]. الإمام الخمینی، ولایة الفقیه (الحکومة الإسلامیة)، الطبعة التاسعة، ص 42 و 43.
[7]. الأحزاب، 6.
[8]. الإمام الخمینی، ولایة الفقیه (الحکومة الإسلامیة)، الطبعة التاسعة، ص 42 ـ 43.
[9]. المصدر نفسه، ص 40.
[10]. الإمام الخمینی، ولایة الفقیه، ص 40.
[11]. البقرة، 30 و 34؛ سورة، 20.
[12]. یراجع دیوان خواجة حافظ الشیرازی.
[13] انظر افضلیة الانسان علی سائر الموجودات رقم السؤال 711
[14]. الأعراف،179.
[15]. الاسکندری، حسین، آیات الحیاة، ج 4، ص 100.