2- ما هی الطرق لمعالجة مشکلة سوء الظن؟
3- ما هو موقف القرآن الکریم من سیئ الظن؟ و ما هو اسلوب التعامل معهم؟
4- على فرض التمکن من معالجة مرض سوء الظن ما هی الوسائل الرادعة من الوقوع فیه مرة أخرى؟
5- هل أن الانسان سیئ الظن یسیئ الظن بکل الناس أو أنه یسیئ الظن بافراد خاصین؟ و على الفرض الثانی من هم (هل الذین یحبهم أکثر....؟
6- ما هو سبیل الوقایة من الابتلاء بهذا مرض؟
7- ما هی الآثار المترتبة على سوء الظن؟
8- هل الانعاکسات التی تحدث لسیئ الظن روحیة فقط؟ الرجاء التفصیل فی هذا الموضوع.
9- لو لم یعالج الانسان هذه الحالة عنده و استمر فیها ما هی الاضرار التی یتعرض لها الآخرون بسببه؟
10- هل سیئ الظن یضر نفسه اکثر من الآخرین أو یضرالمجمتع و الافراد الآخرین أکثر؟
11- هل یترتب على من لم یصلح نفسه عذاب أخروی؟.
12- على فرض وجود العذاب الأخروی هل هناک عذاب دنیوی أیضاً؟
13- ما هی مکانة سیئ الظن فی المجتمع؟
14- هل یؤثر فی أصدقائه و ندمائه؟
15- هل یکثر ذلک فی شریحة الشباب أو أنه یشمل کل الطبقات الاجتماعیة؟ بمعنى هل أنه یختص بمرحلة خاصة من العمر؟
16- ما هی نظرة علماء النفس لهذا الحالة؟
سوء الظن حالة نفسیه ذمیمة جداً، تعرضت لها الروایات من زوایا مختلفة؛ و ذلک لما یترتب علیها من الآثار السلبیة على مستوى الفرد و المجتمع، المستوى الروحی و الجسمی، الأخروی و الدنیوی. کذلک تعرضت المصادر الاسلامیة بالاضافة الى بیان آثاره و علله، الى طرق العلاج و التخلص منه.
عبرت المصادر الاسلامیة عن حالة سوء الظن بانها حالة نفسیة تؤدی الى خلق حالة عدم ثقة الانسان بکل ما یحیط به وعدم الاعتماد علیها، فهو ینظر الى کل ما یحیط به نظرة سوداویة سلبیة و یفسر کل ما یقع تفسیراً خاطئاً. من هنا یعد سوء الظن أحد الذنوب التی یقترفها الانسان فی مقابل حسن الظن الذی یعد – مع توفر شروط خاصة- من الصفات الممدوحة.
أصناف سوء الظن:
یمکن تقسیم سوء الظن بالنسبة الى متعلقه الى أربعة أقسام:
1- سوء الظن بالله.
2- سوء الظن بنفسه.
3- سوء الظن باعدائه.
4- سوء الظن بالمقربین منه، أصدقائه، المؤمنین و...
1- سوء الظن بالله: یعنی سوء الظن بجمیع الاشیاء بما فیها الانسان؛ نظیر الیأس من رحمة الله تعالى الذی یعد من أقبح الذنوب المحرمة التی نهى القرآن الکریم عنها: " وَ لا تَیْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا یَیْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْکافِرُونَ"[1] و کما قلنا إن هذا النوع هو من أقبح أنواع سوء الظن التی تعد من الذنوب الکبیرة؛ فکیف یصح للمؤمن الیأس من الرحمة الواسعة و المغفرة الالهیة التی لا تحد؟! فلا ینبغی للمؤمن أن یقع فریسة الیأس من رحمته تعالى و عفوه حتى لو کانت ذنوبه تعادل ذنوب الانس و الجان معاً[2].
هناک عوامل کثیرة توقع الانسان فی مرض سوء الظن بالله من قبیل الذنوب الکثیرة، الجهل، البخل و...، فقد ورد فی نهج البلاغة من وصیة للإمام علی (ع) إلى مالک الأشتر قوله: «إنّ البخل و الجبن و الحرص غرائز شتى یجمعها سوء الظنّ باللّه"[3].
و من الامور التی تساعد فی علاج ظاهرة سوء الظن هی التعرف على العوامل التی تؤدی الى هذا المرض، فاذا عرف السبب و العلة أمکن حینئذ علاجة و استبداله بحسن الظن، یقول الامام الرضا (ع): «أحسن باللّه الظن فإنّ اللّه عزّ و جلّ یقول أنا عند ظنّ عبدی المؤمن بی إن خیر فخیر و إن شر فشر».[4]
2- سوء الظن بنفسه: من الامراض التی یبتلی بها الانسان الافراط فی رضاه عن نفسه فان هذا المرض یؤدی الى ضعف منزلته لدى الآخرین و تتزلزل مکانته فی المجتمع، من هنا نرى الامام الرضا (ع) یقول: " مَنْ رَضِیَ عَنْ نَفْسِهِ کَثُرَ السَّاخِطُونَ عَلَیْهِ"[5]. کما أن سوء الظن بالنفس اذا لم یصل الى حد الافراط یؤدی الى تکامل الانسان، یقول أمیر المؤمنین (ع) فی خطبة المتقین: «فهم لانفسهم متهمون و من اعمالهم مشفقون اذا زکی احدهم خاف مما یقال له»[6].
3- سوء الظن بالعدو: یعد هذا النوع من سوء الظن من الامور المحمودة حیث یبعث الانسان الى الیقظة و الحذر من مخططات العدو و مکائده فلا یغفل عنها، لان العدو قد یدخل - لتحقیق أهدافه- من طریق الصداقة و التظاهر بالمحبة و إرادة الخیر و الصلاح، لکنه فی الواقع یخطط فی الخفاء لتوجیه الضربة القاصمة لخصمه. من هنا لا یمکن الوثوق بحرکات العدو و کلماته المعسولة، یقول أمیر المؤمنین (ع) فی عهده لمالک الاشتر (ره): "وَ لَکِنِ الْحَذَرَ کُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّکَ بَعْدَ صُلْحِهِ فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِیَتَغَفَّلَ فَخُذْ بِالْحَزْمِ وَ اتَّهِمْ فِی ذَلِکَ حُسْنَ الظَّن"[7].
4- سوء الظن بالمقربین منه، أصدقائه، المؤمنین و...: هذا النوع من سوء الظن و الذی یظهر أنه هو مصب السؤال المطروح، یظهر من الروایات و المتنون الاسلامیة المتوفرة لدینا أنه یرتبط إرتباطاً کبیراً بطبیعة المجتمع و المحیط الذی یعیش فیه الانسان.
الف: فاذا کان المحیط الذی نعیش فیه تکثر فیه الذنوب و المعاصی و یطغى فیه الظلم و تنحسر فیه العدالة، و کل انسان لا یهمه الا بنفسه، فمن الطبیعی حینئذ أن یکون الاصل الحاکم فی مثل هکذا مجتمعات هو أصل إنعدام الثقة و سوء الظن؛ من هنا نرى الامام الهادی (ع) یقول: "اذا کان زمان، الجور أغلب فی من العدل فلیس لاحد أن یظن بأحد خیراً ما لم یعلم منه ذلک"[8].
ب : اما اذا انتشر العدل فی المجتمع وعم الصلاح فیه و کان المحیط محیطاً إیمانیاً ففی هکذا مجتمع لا بد من حسن الظن و اجتناب سوء الظن؛ لانه لا بد من تعزیز الثقة فی المجتمع الذی اقیم على الاعتماد و الثقة، قال تعالى فی کتابه الکریم ""یا ایها الذین آمنوا اجتنبوا کثیراٌ من الظن ان بعض الظن إثم"[9]. و یقول الامام الهادی (ع): "اذا کان زمان، العدل أغلب من الجور فحرام أن یظن بأحد سوءاً حتى یعلم ذلک منه"[10]. إن الاسلام یحث على حفظ کرامة الناس و عدم القیام بما یزعزع مکانتهم فی المجتمع أو یسقط ماء وجوههم، من هنا نرى القرآن یأمر باجتناب الظن، و قد فسره العلماء بأنه سوء الظن بالمسلمین[11]. فعلى المسلم أن یحمل عمل الآخرین على الصحة و إن کان فی الظاهر لا یحتمل ذلک.
روی عن النبی الاکرم (ص) أنه قال: "اطلب لاخیک عذراًفان لم تجد له عذرا فالتمس له عذرا"[12].
اما بالنسبة الى الاسئلة الأخرى حول سوء الظن فسنجیب عنها بصورة اجمالیة، حسب الترتیب المذکور:
لسوء الظن مجموعة من العلل و الاسباب المختلفة، منها:
1- خبث سریرة الانسان نفسه: فالانسان الذی تخبث سریرته یرى الناس کلهم على شاکلته.
2- مصاحبة الاشرار و المنحرفین: فعندما یعاشر الانسان الاشرار و الفاسدین فمن الطبیعی جداً أن یسیء الظن بالآخرین لانه یتصور ان الجمیع على شاکلته و شاکلة من یعاشرهم، فقد روی عن الامام علی (ع) أنه قال: " مُجَالَسَةُ الأَشْرَار تورثُ سُوءَ الظَّنِّ بِالأَخیار"[13].
3- العیش فی محیط فاسد.
4- الشعور بعقدة الحقارة. فان الانسان اذا ما ابتلی بعدم الثقة بنفسه أو تعرض للتحقیر و الازدراء من قبل الآخرین، فانه یسعى لتحقیر الآخرین و التنقیص من مکانتهم فیظن بهم السوء و یعتبرهم أناساً خسیسی الطباع مجرمین لیخفف من عقدته التی یعیشها و یخلق لنفسه هدوءاً کاذباً.
طرق معالجة سوء الظن:
1- إحکام العقل و تقویة الحکمة: إن سوء الظن ولید ضعف العقل أو إنعدامه بحیث لا یرى شیئاً صحیحاً، یقول أمیر المؤمنین (ع): "ظن الانسان میزان عقله، و فعله أصدق شاهد على أصله".[14]
2- الاجتناب عن التکبر و الغرور.
3- حمل عمل الآخرین على الصحة: فعلى الانسان سیئ الظن أن یجعل عمله قائماً على أصالة کرامة الانسان.
اما بالنسبة الى موقف القرآن الکریم من سیئ الظن.
لقد حدد القرآن الکریم موقفه من هذه القضیة و اعتبر سوء الظن من الامور المحرمة حیث قال عز من قائل: " یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا کَثیراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ "[15]
اما وسیلة الوقایة من الوقوع فیه مرة اخرى، لمن تمکن من علاجة.
بعد أن یتمکن الانسان من التخلص من هذا المرض من خلال تجنب الخصال الذمیمة التی توجب تحققه فعندئذ لابد من السعی لترسیخ الخصال الحمیدة فی نفسه و اجتناب کل ما یؤدی الى الوقوع فی سوء الظن مرة أخرى.
هل أن الانسان سیئ الظن یسیء الظن بکل الناس أو أنه یسیء الظن بافراد خاصین؟
لا یوجد قانون او قاعدة کلیة لهذه القضیة؛ وانما القضیة ترتبط بنفس الشخص السیئ الظن و درجة سوء ظنه و الجذور التی تنطلق منها. فتارة یکون ذلک منحصراً بفرد أو جماعة خاصة لاسباب منها العداء أو الکره أو الحسد و ما شابه ذلک. و قد یکون سبب ذلک قربه من الناس الذین لا یعملون وفقا لمرامه و هواه، أو أنه یسیء الظن بمن یتوقع منهم الاحسان و لم یحسنوا الیه فیحمل موقفهم هذا على البخل أو أنهم یقصدون ذلک. و تارة تترسخ جذور هذه الخصلة الذمیمة فی الانسان بحیث تکون جزءاً من ذاته فیسیء الظن بالجمیع حتى اقرب المقربین الیه کالزوجة و الاولاد و الاصدقاء و... یقول الامام الصادق (ع) مخاطباً اسحاق : یا اسحاق کم تری آهل هذه الآیة، " فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَ إِنْ لَمْ یُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ یَسْخَطُونَ؟"، قال: ثم قال: هم اکثر من ثلثی الناس[16].
هل لسوء الظن عقاب؟
لا تعد التصورات و الخواطر الذهنیة ذنباً، لکن الذی نهی عنه هو أن یظهر الانسان الانعکاسات القلبیة من سوء الظن و عدم الوثوق و... فی سلوکه و عمله اتجاه الانسان الذی لا یثق به[17]. و على هذا فان لسوء الظن ثلاث مراتب: الاولى المرتبة القلبیة، الثانیة الکلامیة، الثالثة العملیة، و الذی یحرم منها المرتبتان الاخیرتان، قال فی مجمع البیان: هو أن یظن بأخیه المسلم سوءا و لا بأس به ما لم یتکلم به فإن تکلم بذلک الظن و أبداه أثم[18].
و هذا النوع من الذنب قد یبتلی به إبناء طبقة معینة من العمر و قد یشمل کل الطبقات. علماً أن المراد من الظن المنهی فی سورة الحجرات هو الاجتناب عن ترتیب الأثر علیه کان یظن بأخیه المؤمن سوء فیرمیه به و یذکره لغیره و یرتب علیه سائر آثاره، و أما نفس الظن بما هو نوع من الإدراک النفسانی فهو أمر یفاجئ النفس لا عن اختیار فلا یتعلق به النهی اللهم إلا إذا کان بعض مقدماته اختیاریاو على هذا فکون بعض الظن إثما من حیث کون ما یترتب علیه من الأثر إثما کإهانة المظنون به و قذفه و غیر ذلک من الآثار السیئة المحرم[19].و هذا الشخص یستحق العقاب الأخروی قطعاً.
آثار سوء الظن
تترب على سوء الظن مجموعة من الآثار، منها:
1- انعدام الامن، فالانسان سیئ الظن یتجاوز حرمات و حدود الآخرین.
2- التجسس و البحث عن قضایا الآخرین؛ یسعى الانسان سیئ الظن للحصول على شواهد و أدلة تدعم سوء ظنه بالاخرین من هنا نراه یتجسس و یبحث عن قضایاهم الشخصیة التی لا یریدون کشفها فیسلب عنهم الحریة.
3- الابتلاء بغیبة أخوته المؤمنین[20]لانه عندما یسیء الظن باحد فحینئذ یجیز لنفسه إغتیابه و التقلیل من شأنه.[21]
4- سوء الظن یفسد العبادة، یقول أمیر المؤمنین (ع) : "إیاک أن تسیء الظن فإن سوء الظن یفسد العبادة و یعظم الوزر"[22].
5- سوء الظن یفقد الأخلة و الاصدقاء، یقول أمیر المؤمنین (ع):" من غلب علیه سوء الظن لم یترک بینه و بین خلیل صلحاً".[23]
6- سوء الظن یوجب الخوف و البخل و الحرص، یقول النبی الاکرم (ص) مخاطباً أمیر المؤمنین( ع): " یا علی و اعلم أَنَّ الجُبْنَ و البخل و الحِرْصَ غریزةٌ یجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ"[24].
اما بالنسبة الى موقف علماء النفس فی هذه القضیة فیمکن الرجوع الى الکتب التی صنفت فی هذا المجال.
[1] یوسف،87.
[2] طیب، سید عبد الحسین، أطیب البیان فی تفسیر القرآن، ج 9، ص 416 و 417، ناشر انتشارات اسلام، طهران، الطبعة الثانیة، 1378 ش.
[3] نهج البلاغة من وصیة للإمام علی علیه السّلام إلى مالک الأشتر؛ وانظر: العلامة المجلسی، بحار الانوار، ج 1، ص 550.
[4] الشیخ مکارم الشیرازی، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج16، ص: 437، نشر مدرسة الامام امیر المؤمنین، الطبعة الاولى، قم،1421هـ.
[5] بحار الانوار، ج69، ص316، باب استکثار الطاعة،طبع مؤسسة الوفاء بیروت- لبنان، 1404 هـ.
[6] نهج البلاغة، خ193، خطبة المتقین.
[7] نهج البلاغة، عهد الامام الى مالک الاشتر (ره) قم الکتاب53.
[8] محمدی ری شهری، محمد، میزان الحکمة، ج 7، ص 3401.
[9] الحجرات،12.
[10] محمدی ری شهری، محمد، میزان الحکمة، ج 7، ص 3401.
[11] ذیل تفسیر الآیة 12 من سورة الحجرات.
[12] میزان الحکمة، ج 12،
[13] بحارالانوار، ج 71، ص 197،مؤسسة الوفاء بیروت، 1404 ق.
[14] میزان الحکمة/ج7/ص3392.
[15] الحجرات،12.
[16] الکلینی، اصول الکافی، ج 2، ص 412، الطبعة الرابعة، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1365 ش.
[17] الفیض الکاشانی، المحجة البیضاء، ج 5، ص 268.
[18] مجمع البیان فی تفسیر القرآن، ج9، ص: 205.
[19] المیزان فی تفسیر القرآن، ج18، ص: 32، نشر: دفتر النشر الاسلامی التابع لجماعة المدرسین، قم، الطبعة الخامسة، 1417هـ.
[20] دستغیب ،السید عبدالحسین، القلب السلیم، ج2، ص 183و 184و 185.
[21] مصطفوی، حسن، ترجمه مصطفوی، متن، ص 207، الناشر انجمن اسلامی حکمت و
لسفه ایران، طهران، الطبعة الاولی، 1360 ش.
[22] غررالحکم ص : 263.
[23] غرر الحکم، ص264.
[24] بحارالأنوار ج : 70 ص : 162.